كشف فيروس "كورونا" مجموعة من الحقائق والحتميات التي كانت مغيبة لمرحلة طويلة بفعل طبيعة النظام الدولي الحالي، والتي تجاوزت حتى خط القواعد الفلسفية لليبرالية الجديدة. وأول ملاحظة يمكن ملامستها هي أن للإنسان مصيرا مشتركا واحداً، بغض النظر عن موقعه الاجتماعي أو الجغرافي: فيمكن لإنسان يعيش في "دارفور" مثلا أن يؤثر في إنسان آخر يعيش في "مانهاتن"، لأنهما في نهاية المطاف يجمعهما مصير واحد؛ فلذلك على الساسة أن يعيدوا النظر في سياساتهم تجاه البلدان الفقيرة، وأن يتوقفوا عن نهب ثرواتها، لأنه في النهاية توجد حتمية مشتركة بين الجميع. الملاحظة الثانية تظهر من خلال أهمية البحث العلمي، لأنه في النهاية يبقى مدخلا فعليا لتنمية الإنسان؛ فمن خلاله يمكن للمجتمعات أن تتقدم، وأن تواجه تحديات العصر من كوارث طبيعية وأوبئة وغيرها. وباء "كورونا" الذي اجتاح العالم طولا وعرضا أظهر بالملموس أهمية وأثر هذه الحقيقة، إذ تتسابق الدول العظمى التي ترصد ميزانيات كبيرة للبحث العلمي على إيجاد دواء ولقاح للفيروس لإنقاذ الإنسان، بينما تلتزم الدول الضعيفة غرفة الانتظار. الملاحظة الثالثة تتعلق ببناء الإنسان؛ ففي الفترات المفصلية (كوارث طبيعية، أوبئة، مراحل انتقالية للدول) تطفو هذه الحقيقة بشكل جلي، وذلك من خلال طبيعة تعاطي هذا الإنسان/ المواطن مع الوضع الاستثنائي وسلوكياته. علاقة المواطن بالدولة هي علاقة جدلية تطبعها علاقة التأثير والتأثر، وهذا يتجلى في نموذج الدولة المدنية؛ لذلك ففي الأوضاع الاستثنائية تكون المسؤولية مشتركة بين الدولة والأفراد، يزكيها معطى الشرعية الذي يولد عنصر الثقة بين الطرفين . أما في نموذج الدول غير المدنية (الدولة العسكرية، الدولة الدينية، نماذج الدول الهجينة) يبدو الأمر مختلفا، لأنه في الأصل هناك تمثل خاص للعلاقة بين المواطن والدولة، علاقة يشوبها نوع من التوتر، ما يولد غياب عنصر الثقة بين الطرفين. الشعوب في هذا النموذج تعتبر أن دور الدولة لا يخرج عن نطاق "الدولة الحارسة"، التي تراقب كل شيء، ولا تدخر أي جهد لتقوم بدورها "الرعائي"، كما تقوم به دولة الرعاية في النموذج سالف الذكر؛ لذلك فهي تتمرد حتى في حالة الاستثناء. إذن، يمكننا أن نقول إن السلوكيات المتمردة التي تصدر عن الأفراد والجماعات خلال حالات الاستثناء هي ردود فعل بوعي أو بغير وعي تجاه تراكم تاريخي لطبيعة سياسات الجهاز الدولتي. ومن هنا يتعين على الدولة المعنية أن تعيد النظر في سياساتها وأن تعطي الأولوية لبناء الإنسان، لأنه في النهاية هو الأصل والمفصل، كما أنه صمام الأمان للمجتمع وللدولة نفسها. *باحث مغربي - ولاية بنسيلفينا الولاياتالمتحدة الأمريكية