مع الإعلان عن تعليق الدراسة وتطبيق الحجر الصحي بالمغرب تم تباعا تجميع أفراد العائلة في البيت وبالخصوص الشباب والمراهقين منهم وهذه تعد بمثابة محطة استثنائية لاستكشاف إيجابيات التواصل والتحاور الواقعي في مقابل الوقوف على سلبيات الاتصال الرقمي وتضخم الترابط الافتراضي. وهذا الواقع تؤكده أرقام وإحصائيات تعاطي المغاربة مع الأنترنيت حيث بحسب البحث السنوي حول مؤشرات تكنولوجيا الإعلام والاتصال لدى الأسر والأفراد، الذي أنجزته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، فإن 75.7 في المائة منهم يتوفرون على هاتف متنقل وأن عددهم يرتفع سنوياً بمقدار 1.2 مليون شخص، وأن 92.4 في المائة من الأفراد البالغين أكثر من خمس سنوات يمتلكون هاتف ذكي وأن معدل الأفراد المتوفرين على هاتف متنقل في أسرة واحدة يصل إلى 3.9 أفراد، فيما تتوفر كل الأسر على هاتف متنقل بنسبة 99.8 في المائة، سواء في الوسط الحضري أو القروي. وكقراءة أولية لهذه الأرقام والإحصائيات يمكن استنتاج أن هذه الوضعية أفضت إلى عزلة رقمية واحتباس قيمي لدى فئة الشباب والمراهقين. كيف يمكن إذن استغلال زمن الحجر الصحي في توطيد العلاقات الواقعية وتمتين الأواصر الأسرية بين الآباء والأبناء؟ لهذا فالتداعيات المجتمعية لفيروس كورونا في علاقتها بالحجر الصحي وتعليق الدراسة يمكنها أن تخلق سياقا جديدا لتوطيد قيم التشارك والتحاور والتداول داخل العائلة الصغيرة. من هذا المنطلق وجب تمثل وإدراك الحجر وتوصيفه على أساس أنه انغلاق إيجابي للعائلة والأسرة حول ذاتها لإعادة التعارف والمكاشفة بين مكوناتها بعيدا عن كل أنانية أو تقصير مع باقي أفراد المجتمع. فالحجر الصحي يمكن اعتباره جسرا لثقافة الاحتراز والتضامن وكذلك معبرا نوعيا لممارسة مجتمعية جديدة تختلف في أنماط استهلاكها للمنتوجات المادية (العادات الغذائية...) والرمزية (العلاقات الأسرية...) وتستفيد من جائحة كورونا التي أتاحت استغلالا واستثمارا للوقت والزمن متحررا من ضغط الالتزامات والمواعيد والطقوس اليومية. كما أن من حسنات الحجر الصحي وعودة الأبناء لحضن وكنف الأسرة المساهمة في الإفلات من قبضة فضاء افتراضي يعج بالأخبار الزائفة والتنشئة المتوحشة والتيه الهوياتي الذي ينتجها الإدمان الرقمي. في المقابل يمكن للحجر الصحي أن يتيح هامشا تواصليا لترسيخ تنشئة أسرية يتم عبرها اكتشاف مزايا العيش المشترك والتعاضد والرابط الاجتماعي لا سيما مع بروز مبادرات مدنية لإرساء فضاء افتراضي "نقي" يرتكز على منظومة قيمية تنبني على التضامن والمواطنة والتضحية والالتزام ومجتمع الثقة، كادت أن تتلاشى مع استفحال وتجذر وتنامي فضاء افتراضي "موبوء" يقوم ويتأسس على ثقافة "الفايك نيوز" والكراهية والعنف الرقمي ضد بعض مكونات المجتمع والسرديات الهامشية ( "روتيني اليومي" و"البوز" ...) والظواهر الرقمية ("كشوان إكنوان" و"دنيا وإحساس" ...) وانغلاق المجموعات الافتراضية ("العميقين" والمجموعات النسائية...)... وفي سياق عام يمكن الاستفادة من تحول نوعي على الصعيد الوطني الذي أبان عن فشل منظومة العولمة وما يليها من ويلات تترصد الشباب والمراهقين من قبيل الابتزاز والتشهير والبيدوفيليا والتعبئة لشبكات إرهابية وأخرى إجرامية... ففي خضم جائحة كورونا نحن في الحاجة إلى كسر أغلال منظومة العولمة وذلك بالعودة إلى ما أسماه إدكار موران في آخر حواراته الصحفية بتاريخ 18 مارس 2020، بمناطق "Démondialisées ". من هذا المنظور يمكن الاعتماد على مرجعيات المواطنة والخصوصية المغربية للتصدي لفكر واقتصاد مهيمن والتحرر من قيم جامحة لا تعترف بالكيانات الصغرى ومرتكزاتها ومنطقها لا سيما منها محاضن التربية والتنشئة ومن بينها الأسرة والعائلة. كما أن زمن كورونا أعاد مقولة المراقبة و"المعايشة" كعنصر من عناصر التنشئة لا سيما أن أولياء الأمور سيصبح بمقدورهم مراقبة أبناهم وعلى الأبناء أن لا يتجاهلوا مراقبة ذويهم. كما ستمكن هذه المتابعة و"المصاحبة" و"المعايشة" من إعادة تثبيت قيم المواطنة الواقعية ومساءلة قيم المواطنة الافتراضية أو بمعنى آخر تعميق القيم المحلية والوطنية وترسيخ ممارسة التواصل الواقعي وتقنين وضبط سلوكات الاتصال الرقمي للحيلولة دون خلق معازل و"كيتوهات" وجزر جديدة داخل نفس الأسرة تتغدى من خطاب التنافر والعداء والإقصاء والتنمر وتعزل الشباب والمراهقين بل وتنمي التنافر والتباين بين الأبناء والآباء. فبالقياس على الحجر الصحي يمكن لجائحة كورونا أن تفتح الباب على مصراعيه للآباء والأمهات لإبداع مبادرة "حجر رقمي" يمكن من الوقاية من الإدمان المرضي لأبنائهم من الشباب والمراهقين على وسائل الاتصال وإعادة الجدوى والمعنى لمجتمع المعرفة وللتواصل الواقعي داخل الأسرة وبين مكوناتها تماشيا مع هاشتاغ "# نبقاو فالدار" أو "# خليك فدارك" كوعي مشترك بمصير الوطن وحفاظا على حياة المواطنين.