قالت منظمة العمل الدولية إن انتشار وباء كورونا المستجد يمكن أن يؤدي إلى زيادة أعداد العاطلين عن العمل في العالم بنحو 25 مليون شخص، وفقاً لتقييم نشرته الأسبوع الجاري. ويهم هذا الرقم دول العالم بأكملها، ومن بينها المغرب، لأن معظمها أغلقت الحدود الجوية والبرية والبحرية، ناهيك عن الحد من أنشطة اقتصادية في سبيل محاصرة تفشي الفيروس. وفي المغرب، كما في الخارج، نجد أن السياحة هي القطاع الأكثر تضرراً، خصوصاً أن أغلبها يُعتمد على السياح الأجانب الذين باتوا يغادرون الواحد تلو الآخر في رحلات استثنائية إلى بلدانهم. وقدر المهنيون في قطاع السياحة الخسائر المتوقعة جراء كورونا في أفق نهاية السنة الجارية بحوالي 34 مليار درهم على مستوى رقم المعاملات، ما يعني أن آلاف المناصب مهددة في هذا القطاع الذي يعتبر من أكثر القطاعات تشغيلاً. الأمر نفسه بالنسبة لقطاع الطيران في المغرب، إذ قال الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) الخميس إن أكثر من 225 ألف وظيفة أصبحت مهددة بسبب كورونا. ولا يقتصر الأمر على القطاعين سالفي الذكر، بل يتعدى الأمر إلى قطاعات أخرى صناعية، فالمصنعان الفرنسيان المتوفران في المغرب جرى توقيف الإنتاج فيهما بشكل مؤقت، لكن إن استمر الوباء في التفشي قد يتفاقم الأمر أكثر لتصبح أزمة عالمية مستمرة. توصيات وسيناريوهات أمام هذا الوضع، ترى منظمة العمل الدولية أن هناك ضرورة لتوفر استجابة منسقة دولياً على صعيد السياسات، كما حدث في الأزمة المالية العالمية لعام 2008-2009، ليكون الأثر على البطالة العالمية أقل بكثير. ودعت المنظمة في دراستها المعنونة: "وباء COVID-19 وعالم العمل: آثار المرض وردود الأفعال عليه" إلى اتخاذ تدابير عاجلة وواسعة النطاق ومنسقة في ثلاثة محاور: حماية العمال في مكان العمل، وتحفيز الاقتصاد والتوظيف، ودعم الوظائف والدخل. وتشمل التدابير الموصى بها من طرف المنظمة توسيع الحماية الاجتماعية، ودعم بقاء العاملين في وظائفهم عن طريق الدوام لوقت قصير، والإجازات مدفوعة الأجر، وغيرها من الإعانات والإعفاءات المالية والضريبية، بما فيها للمنشآت الصغيرة جداً والمنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولجأت عدد من المقاولات المغربية إلى تطبيق بعض الإجراءات سالفة الذكر، ففي مراكز النداء جرى تقليص أوقات العمل وتشجيع الإجازات مدفوعة الأجر، لكن القطاع الخاص مازال ينتظر إعفاءات مالية وضريبية للتحفيز. وبالإضافة إلى ما سبق، تقترح الدراسة على الحكومات عبر العالم تدابير على صعيد السياسة المالية والنقدية، والإقراض والدعم المالي لقطاعات اقتصادية محددة. واستناداً إلى السيناريوهات المختلفة لتأثير وباء كورونا COVID-19 على نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى ارتفاع البطالة العالمية بنسب تتراوح بين 5.3 ملايين (السيناريو "المتفائل") و24.7 ملايين (السيناريو "المتشائم")، وذلك زيادة على عدد العاطلين عن العمل عام 2019 وعددهم 188 مليوناً. ولإجراء مقارنة، يبقى السيناريو المتشائم ل"كورونا" أكثر ضرراً مقارنة بالأزمة المالية العالمية 2008-2009 التي أدت إلى زيادة البطالة في العالم بمقدار 22 مليون شخص. سياسات مواجهة من وجهة نظر غاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية، فإن وباء فيروس كورونا "ليس مجرد أزمة صحية عالمية فحسب، بل أيضاً أزمة سوق عمل وأزمة اقتصادية كبرى لها أثر هائل على البشر". وأضاف مدير المنظمة: "عام 2008، وقف العالم جبهة موحدة لمعالجة عواقب الأزمة المالية العالمية، وتم تجنب الأسوأ، ونحن اليوم بحاجة إلى هذا النوع من القيادة والعزيمة". وحذرت دراسة المنظمة من أن بعض الفئات ستتأثر بأزمة الوظائف أكثر من فئات أخرى، ما سيفاقم عدم المساواة. ومن هذه الفئات نجد العاملين في وظائف أقل حماية وأدنى أجراً، لاسيما الشباب والعاملون الأكبر سناً، والنساء والمهاجرون أيضاً. وتؤكد المنظمة أن الفئات سالفة الذكر مهددة أكثر بسبب ضُعف الحماية والحقوق الاجتماعية، وبسبب زيادة النساء بنسب كبيرة في الوظائف متدنية الأجر وفي القطاعات المتضررة. ويضيف رايدر: "في أوقات الأزمات كالأزمة الحالية، هناك أداتان رئيسيتان تساعدان في تخفيف الضرر واستعادة ثقة الناس؛ أولاً يعتبر الحوار الاجتماعي، والمشاركة مع العمال وأصحاب العمل وممثليهم، أمراً مهماً جداً لبناء ثقة الجمهور ودعم التدابير التي نحتاجها للتغلب على هذه الأزمة". أما الأداة الثانية، يوضح رايدر، فتتمثل في "معايير العمل الدولية التي تمثل أساساً موثوقاً للسياسات التي تركز على التعافي من الأزمة بشكل مستدام ومنصف"، قبل أن يختتم قوله: "ينبغي فعل كل شيء لتقليل الأضرار التي لحقت بالناس في هذا الوقت العصيب". صندوق تبرعات في عز الأزمة أظهر المجتمع المغربي تضامناً واسعاً تجلى في حجم المساهمات والتبرعات التي تقاطرت على صندوق تدبير جائحة كورونا المُحدث بداية الأسبوع الجاري بتعليمات من الملك محمد السادس. وبادرت مختلف المؤسسات والشركات الخاصة والعمومية إلى المساهمة في موارد الصندوق بدرجة غير مسبوقة، إذ وصل إجمالي التبرعات في يومين قرابة 17 مليار درهم دون احتساب 10 مليارات درهم ستخصصها الحكومة من الميزانية العامة للدولة. وشرع المغاربة، داخل البلاد وخارجه، في إيداع تبرعاتهم في حساب بنكي فتحته وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة لهذا الغرض في الساعات الأولى بعد إعلانه. وأظهرت هذه الأزمة الطارئة أن حس التضامن والتكافل من الأمور الهامة والمطلوبة في أي مجتمع، لكن يبقى المطلوب أن يتم تدبير نفقات الصندوق بشكل جيد، سواء من خلال تأهيل المنظومة الصحية الوطنية أو دعم القطاعات الأكثر تضرراً. ومهما بلغت موارد الصندوق، يبقى من الواجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات مشجعة على المستوى الضريبي، كما يجب على البنوك اتخاذ إجراءات لتجاوز آثار هذه الظرفية الاستثنائية، لإنجاح التعافي والحفاظ على ما أمكن من مناصب الشغل.