لسان حال غزة هذه الأيام يقول: "عزيزي العالم، ما رأيك في العزل؟". تلك ملاحظة ساخرة فيها شيء من الخبث موجهة إلى المجتمع الدولي. وهي واحدة من طوفان من الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي طفت على السطح من قطاع غزة المحاصر في أعقاب وباء "فيروس كورونا". ويبدو أن مشاهد العزل التي تتكرر في مختلف أنحاء العالم أطلقت العنان للمشاعر في غزة من تعليقات سياسية متهكمة إلى الشماتة من جانب الفلسطينيين، الذين يعيشون في هذا الشريط الساحلي الصغير منذ سنوات في عزلة مفروضة عليهم تحت الحصار. قال تعليق نشر هذا الأسبوع على وسائل التواصل الاجتماعي: "هل مللتم من حجركم وإغلاق معابركم ومطاراتكم وحركة تجارتكم، نحن في غزة على هذه الحال منذ أكثر من 14 عاما". وأضاف التعليق: "أيها العالم مرحبا بكم في واقعنا الدائم". ويعيش في قطاع غزة، الذي تبلغ مساحته 375 كيلومترا مربعا، حوالي مليوني فلسطيني أكثر من نصفهم من اللاجئين. وعلى امتداد 90 في المائة من حدود غزة البرية والبحرية، يخضع الاتصال بالعالم الخارجي لسيطرة إسرائيل وتسيطر مصر على جزء محدود من الحدود الجنوبية. وأدى الحصار، الذي تقود إسرائيل تطبيقه، إلى قيود على حركة الناس والبضائع منذ سنوات وسط مخاوف أمنية في أعقاب سيطرة حركة حماس الإسلامية على القطاع في 2007 وما أعقبه من ثلاث حروب سقط فيها آلاف القتلى من الفلسطينيين وحوالي 100 إسرائيلي. ولم تفت المفارقة على أهل غزة أن القيود التي تثير غيظهم ربما كانت عاملا ساهم في إبطاء دخول الفيروس إلى أراضيهم، إذ لم يتم الإبلاغ عن أي حالة في القطاع حتى الآن؛ غير أن الإغلاق والعزلة لفترة طويلة ساهما أيضا في الوضع الاقتصادي المتردي في غزة، حيث يبلغ معدل البطالة 52 في المائة وتتجاوز مستويات الفقر 50 في المائة. وقف رجل الأعمال يوسف شرف في مصنع الأشغال المعدنية الذي يملكه في شمال مدينة غزة، وراح يتذكر السنوات التي اعتاد فيها تصدير السخانات الكهربائية إلى إسرائيل والضفة الغربية. وقال لرويترز: "كان هنا يشتغل سبعين عاملا، اليوم في عندي عامل واحد بس". وعلى الرغم من أن أسباب إغلاق مصنعه من صنع الإنسان فقد أبدى تعاطفه مع من يواجهون الإغلاق بسبب المرض. وقال شرف: "هذا صعب. الله يكون في عونهم"؛ غير أن العوائق التي تمنع السفر للخارج والتي يواجهها قطاع صغير يتحلى بالمرونة هو قطاع التكنولوجيا المتقدمة فرضت الاستعانة بالمؤتمرات عبر الهاتف وغيرها من الممارسات التي يحاول ذلك العالم اللحاق بها. وفي حاضنة غزة سكاي جيكس لأصحاب المشروعات الشبان، يعمل مبرمجون ومطورون عن بعد مع شركات دولية. وقالت مهندسة الكمبيوتر أنغام أبو عابد (24 عاما)، التي تعمل مع شركة للبرمجيات في بريطانيا: "أكثر ناس بتتفهم الأوضاع اللي بتصير حاليا في دول العالم هو قطاع غزة بسبب الحصار المفروض علينا من سنوات". وأضافت "باتمنى ينتهي هذا الحصار علينا وباتمنى كمان ينتهي الفيروس من العالم". *رويترز