توطئة انتهت الانتخابات الإسرائيلية بفوز طفيف لحزب الليكود بفارق ثلاثة مقاعد عن غريمه حزب أبيض أزرق، في نسخة انتخابية الثالثة والتي أجريت في الثاني من مارس هذه السنة وذلك للتنافس على التموقع بالكنيست وتوزيع مقاعده 120. ولأن النسخة الثانية من الانتخابات لم تمكن الفرقاء السياسيين من التفاهم حول العديد من المواقف والملفات وكذا بقاء نتانياهو من عدمه كوزير أول جديد/قديم ومن تم تشكيل الحكومة، إلا أن الساحة السياسية قد تحولت في ظل هذه الانتخابات لمعترك "حرب قذرة ووسخة" حسب تصريح الرئيس الإسرائيلي رؤوفين رفلين عقب إدلائه بصوته يوم الاثنين 2 مارس 2020. حملة انتخابية على وقع الشكايات مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، صرح مستشار زعيم حزب أبيض أزرق بأنه تقدم بشكاية للمدعي العام الاسرائيلي أفخاي مندلبليت يطالب فيها بفتح تحقيق حول تعقب هاتف بيني غانتز اثناء الحملة الانتخابية، وهذه الشكاية تنبني على أساس التسريبات التي أذيعت على القنوات الإسرائيلية والتي تشير إلى استخراج محتويات هاتف بيني غانتز إثر قرصنته، الأمر الذي حسب مضمون الشكاية، أضر بالحياة الخاصة له. جريدة "دي ماركر" نشرت ما فحواه أن المحامي يوسي كوهين والمقرب جدا من عائلة ناتنياهو قد اتصل بشركة استعلامات خاصة بحثا عن معلومات محرجة عن بيني غانتز، الجريدة ساقت شخصا آخر باعتباره ضالعا في الموضوع والذي لم يكن إلا مسؤول الجريمة الإلكترونية بحزب الليكود ومستشار ناتنياهو الإعلامي في الآن نفسه والذي كان صديقا للمحامي كوهين. حزب أزرق أبيض تقدم إلى المراقب العام الإسرائيلي بشكاية أخرى حول مخالفة حزب الليكود لقوانين تمويل الحملات الانتخابية بسبب سعي هذا الأخير للاستفادة من خدمات شركة الاستعلامات الخاصة السالفة الذكر. من جهة أخرى أقدمت مجموعة من عشرون إسرائيليا على وضع شكاية يوم الأحد فاتح مارس للمطالبة بتعويض قدره مليون شيكل (حوالي ربع مليون أورو) من طرف حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتانياهو وأيضا من طرف مطوري أحد التطبيقات المسمى "ناخب = ايليكطور" بسبب خروقاته العديدة في ما يخص تسريب المعطيات الشخصية لملايين الإسرائيليين، إذ قام الحزب بشراء التطبيق المذكور دون مراعاة خصوصية المشتركين به، مشيرين إلى الاحتمالات الممكنة لمثل هذه العميلة التجارية والتي لن تظهر نتائجها إلا بعد سنوات كانتحال الهوية، وتهديد الأمن القومي. لغة حادة واتهامات متبادلة منصات الخطب السياسية لزعماء الأحزاب لم تخل من تراشق للتهم والنعوت، فغانتز مثلا لم يتردد في نعت نتنياهو بالكاذب والمحرض على العنف ضده وتمزيق نسيج المجتمع الإسرائيلي وذلك عبر نشر الشائعات الزائفة والأخبار الكاذبة قصد الإساءة لغانتز والهروب من العدالة، فنتانياهو لحدود إعلان النتائج الانتخابية متابع بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة. هذه الاتهامات من غانتز لنتانياهو نأتي بعد انخراط حزب الليكود في حملة إعلانات عبر وصلات إشهارية قصيرة متلفزة وذات طابع حاد اتجاه غانتز، تحمل في كثير من الأحيان طابعا شخصيا، إذ نعتت هذه الوصلات غانتز قائد الجيش الإسرائيلي السابق بكونه لم يكن قادرا على قيادة الجيش بسبب مشاكل النطق لديه وضعف صحته العقلية، إضافة إلى كونه حاليا رجل أعمال فاشل على شفى الإفلاس. نتانياهو أضاف أن مصالح الاستخبارات الإيرانية تمتلك مجموعة من المعلومات الشخصية الحساسة والمحرجة عن غانتز، معتبرا إياه غير قادر عن حماية إسرائيل، وهي قناعة تولدت لديه تبعا لخمس سنوات من الاحتكاك المباشر أثناء عمل غانتز تحت أوامر الوزير الأول قبل تقاعده سنة 2015، غير أن بلاغا لحزب الليكود عشية مناظرة الأربعاء 26 فبراير الماضي التلفزيونية كان ماكرا وخبيثا بدعوته لبيني غانتز بالهدوء وشرب كوب ماء قبل بداية المواجهة التلفزية بينه وبين ناتنياهو، البلاغ نفسه أضاف أن غانتز كان عليه تجنب البكاء والكوميديا، معتبرا أن السياسة ميدانا صعبا وكون عمل الوزير الأول أصعب من ذلك بكثير وهو ما ليس بمقدور غانتز تحمله. نتانياهو أطلق سهام نقده أيضا على كابي اشكنازي وهو جنرال متقاعد أيضا سنة 2011 وعضو حزب أزرق أبيض، معتبرا إياه معاديا لأقلية الدروز والذين يشكلون أغلبية القائمة العربية المشتركة بإسرائيل مما جر عليه انتقاد أشكنازي معتبرا إياه كاذبا وعدوانيا وكون نتانياهو مرر قانون الدولة القومية والتي حولت الدروز إلى أقلية ومواطنين من الدرجة الثانية. ايليت شاكيد مؤسسة حزب اليمين الجديد (هايمين هيهاداش) والتي تمكنت بمعية نفطالي بينيت من تأسيس تكتل حزبي يسمى اليمين (يامينا) بمعية حزبها وأحزاب اتحاد أحزاب اليمين المكون من حزبي البيت اليهودي (هابيت هايهودي) وتكوما، وبعد استعراضها لبرنامج مبيتها ببيع يهودية في إطار التقرب من الصهاينة المتدينين، لم تتأخر في القول بكون يمين سياسي قوي هو السند القوي لكي يتمكن نتانياهو من إحكام قبضته على الكنيست معتبرة أن بيني غانتز ليس مؤهلا لمنصب الوزير الأول. افيكدور ليبرمان، زعيم حزب إسرائيل بيتنا صرح قبيل الانتخابات أن نتانياهو كذب بخصوص وعده ضم غور الأردن، إذ طمأن هذا الأخير الملك الأردني بعدم سعيه إلى الإقدام على ذلك مدعيا أن ما قاله بهذا الخصوص ليس سوى خطابات انتخابية، ليبرمان أضاف أنه قد ينضم إلى حكومة بزعامة الليكود لكن دون نتانياهو، معتبرا أن هذا الأخير يقوم بالتنسيق مع زعيم تحالف اليسار عمير بيريتز من أجل حصول هذا الأخير على الدعم الكافي لبلوغ كرسي رئاسة إسرائيل بعد نهاية ولاية رئيسها الحالي رؤوفين رفلين. نتائج انتخابات متوقعة أو مفاجئة؟ يمكننا بمقارنة بسيطة وعددية قراءة نتائج الانتخابات الأخيرة أفقيا وعموديا: الليكود: (2020) 36، (شتنبر 2019) 31، (أبريل 2019) 35 أزرق أبيض: (2020) 33، (شتنبر 2019) 33، (أبريل 2019) 35 اللائحة العربية المشتركة: (2020) 15، (شتنبر 2019) 13، (أبريل 2019) 10 شاس: (2020) 9، (شتنبر 2019) 9، (أبريل 2019) 8 اليهودي المتحد من أجل التوراة: (2020) 7، (شتنبر 2019) 8، (ابريل 2019) 8 إسرائيل بيتنا: (2020) 7، (شتنبر 2019) 8، (ابريل 2019) 5 تحالف اليسار (العمالي، الجسر "يشير''، الطاقة "ميريتز"): (2020) 7، (شتنبر 2019) 5، (أبريل 2019) 10 اليمين: (2020) 6، (شتنبر 2019) 7، (أبريل 2019) كلنا: (أبريل 2019) 4 مع توالي التقارير حول حالة الصراع الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي داخليا وتشتت توجهات مختلف القوى السياسية نحو تبني خطابات العنصرية والتشدد القومي، كان نتانياهو على الدوام الأقرب إلى أطماع الإسرائيليين في ما يخص التوسع الاستيطاني والجغرافي، تحقيق التنمية الاقتصادية والسيطرة على التهديدات الأمنية الخارجية عبر سياسة استباقية على كل المحاور. إلا أن دهاءه وهو من لقب بالثعلب، يكمن في روابطه المتينة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقوة اللوبي اليهودي بالولايات المتحدةالأمريكية وصلابة روابطه باللوبي الإنجيلي الأمريكي. فقوة الإيباك والسيطرة التي أحكمها الإنجيلين على دواليب البيت الأبيض عززت مكانة نتانياهو لدى رئيس دولة يتبنى جل أطروحات إسرائيل، بالرغم من معاكستها تماما للشرعية الدولية ، فنقل السفارة الأمريكية للقدس كان خطوة لتفعيل قرار للكونغريس الأمريكي أو ما يشبه الدفعة الأخيرة لصخرة أعلى الوادي، ما فتئت بلغت القعر بسرعة محدثة رجة سياسية وديبلوماسية في الأراضي الفلسطينية والعالم، إضافة الى ذلك تمكن نتانياهو من الاتكال على صهر ترامب لتقديم مقاربات مختلفة لخطط السلام، خطط معتمدة على اندماج تدريجي لإسرائيل في محيطها العربي سواء بتوحيد الرؤى في المنطقة حول التهديد الإيراني وعرض خطة اقتصادية للرخاء بالشرق الأوسط بميزانية تبلغ 50 مليار دولار. خطة السلام الجديدة والمعلنة للعالم من البيت الأبيض الأمريكي بحضور نتانياهو كانت نصرا إضافيا حصده هذا الأخير امام ناخبيه خاصة المستوطنون والذين يرون في التوسع تكريسا لحقهم الذي يؤمنون به في الأرض التوراتية وتوسعهم على مزيد من الأراضي كحال ضم الجولان المستعمر وغور الأردن لكن هذه المرة لدواعي الأمن القومي. غير أن هذا كله لم يقنع ما يقارب نصف ناخبي إسرائيل والذين يرون في الليكود حزبا ضعيفا أمام تهديدات حماس وغير قادر على مواجهة تشتت المجتمع الإسرائيلي داخليا، وهو الاتهام الذي يوجهه حزب أزرق أبيض لنتانياهو باعتباره يذر الملح على جراح المجتمع زارعا التفرقة ومذكيا للصراعات بين مختلف الفصائل، فحزب الليكود على لسان زعيمه دعا الناخبين إلى عدم التصويت على اللائحة العربية باعتبارها تسعى إلى أن تكون أذرعا فلسطينية داخل الكنيسيت الإسرائيلي. لكن وجب التذكير بأن حزب الليكود سعى دوما إلى إبراز مسألة أن يكون تصويت الناخبين لزعيم قوي وليس من اجل شخص، إذ صوتت البلدات المحيطة بقطاع غزة والتي تتلقى الصواريخ والبالونات الحارقة لليكود عوضا عن حزب يتضمن ثلاثة قياد سابقين للجيش في إشارة إلى حزب أزرق أبيض، هذا الأخير لم يكن شجاعا بما فيه الكفاية للتحالف مع اللائحة العربية المشتركة والتي دعت في برنامجها لتحقيق السلام، معارضة سياسة ضم الأراضي، التفرقة العنصرية واستخدام القوة المفرطة المتبعة من طرف حكومات إسرائيل بقيادة نتانياهو والمدعومة من طرف الأحزاب الصهيونية واليمينية المتطرفة. ليلة سقوط نتانياهو كثيرون هم بإسرائيل من يتمنون الخلود لزعيم الليكود، ليس بسبب فوزه بالانتخابات للمرة الثالثة في ظرف سنة، ولكن لأنه هو من يقف وجها لوجه أما البعبع الإيراني والذي طالما رفعه اما المجتمع الإسرائيلي كقوة عسكرية تنشر أذرعها جنوبلبنان وبمحاذاة حدود الجولان وتنتشر بالعراق، لكن كيف سيتمكن من منافسة بن كوريون كأطول الوزراء الاولين حكما لإسرائيل وهو لم يفلح لمرتين متتاليتين من بناء تحالف قوي يضمن له أغلبية 61 مقعدا المطلوبة لتشكيل الحكومة والتصويت عليها. *باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية جامعة محمد الخامس الرباط – المملكة المغربية