الانتشار المتسارع دوليا لفيروس كورونا... غدا واحدا من العناوين الرئيسية في قصاصات وكالات الأنباء وبات يتصدر واجهة الأخبار على المستوى الدولي وذلك بسب المخاوف المتزايدة من الفيروس وامتداداته وانعكاساته على مجموعة الاقتصاديات العالمية (الصين، إيطالياالبرازيل، اليابان ...)، والتي تراجعت بها مؤشرات أسواق المال والأعمال وتأثرات مجموعة من القطاعات الحيوية (من تجلياتها: تراجع أسعار النفط بحوالي 20 بالمائة لتسجل أدنى مستوى لها مند سنة 2016 وتراجع مؤشرات الأسهم الأمريكية حيث خسرت2 بالمائة وكذا الأسهم الأوروبية ب 1.5 بالمائة ، خسائر بقطاع السياحة على المستوى العالمي تقدر بحوالي 12 مليار دولار حسب تقديرات المنظمة العربية للسياحة...)، وذلك على خلفية توسع دائرة المخاوف المرتبطة بإمكانية تحول الفيروس إلى وباء عالمي. فقد جاء في تقرير حديث لمجلة «فورين بوليسي Foreign Policy» بأن الأثر الاقتصادي المتنامي لتفشي فيروس COVID-19 في الصين بات ملموسا أكثر في جميع أنحاء العالم وهو ما دفع العديد من الاقتصاديات الصاعدة إلى تخفيض توقعاتها بخصوص النمو خلال سنة 2020(التايلاند، سنغافورة، ماليزيا...) وإعلان أخرى عن حالة طوارئ اقتصادية (كوريا الجنوبية)، وهي المعطيات والمؤشرات التي تجعل الاقتصاد العالمي يواجه خطر الانكماش خلال الربع الأول من سنة2020 .. وضمن هذا السياق الدولي العام، يوجد الاقتصاد المغربي أمام محك حقيقي، ذلك أنه ليس بمعزل ومنأى عن هذه التأثيرات السلبية بحكم ارتباطاته الإقليمية والدولية وعلاقاته الاقتصادية، إذ سيتأثر هو الأخر لا محال في حال استمرار انتشار الفيروس (هناك تقديرات تقول بتكبد الاقتصاد المغربي ما يعادل 246 مليون درهم من الخسائر منذ بداية انتشار الفيروس). فظهور فيروس كورونا جاء في وقت يترنح فيه الاقتصاد المغربي تحت تأثير تأخر التساقطات المطرية وتخييم شبح الجفاف، وهو ما يعني بالتبعية احتمال تراجع مستوى النمو عما هو متوقع في قانون المالية رقم 70.19 لسنة 2020(3.7 بالمائة) وبالتالي تعميق عجز الميزانية. فبتسجيل ست حالات مؤكدة للإصابة بفيروس كورونا بالمغرب، وتنامي حدة المخاوف من تداعيات وانعكاسات عدم محاصرة الفيروس على الصعيد العالمي، ماتزال الفرضيات المختلفة، الواحدة تل والأخرى، تذهب إلى التكهن بتراجع المعاملات التجارية وتضرر قطاع السياحة واللوجستيك والنقل الجوي والصناعات الدوائية وغيرها من الأنشطة المرتبطة بالخارج (تراجع عدد السياح الوافدين على المغرب، تراجع عدد أيام المبيت بالفنادق، انخفاض رقم معاملات شركات النقل السياحي، وقف الرحلات الجوية مع بعض البلدان كإيطالياوالصين، إمكانية تسجيل نقص على مستوى تأمين بعض السلع يتصدرها استرد الشاي ...)، وهو ما حدا بمجموعة "آليانز Allianz" الألمانية المتخصصة في التأمينات، إلى خفض توقعاتها بخصوص النمو الممكن تحقيقه خلال سنة 2020 بالمغرب إلى 2 بالمائة، وبعدها – وفي ذات الصدد- جاء في تصرح للمندوب السامي للتخطيط أدلى به لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية بأن: "الاقتصاد المغرب يرتقب أن يحقق أسوأ معدل نمو له منذ 20 عاما، وذلك بسبب الخسائر المتوقعة في الفلاحة بسبب الجفاف والتأثيرات السلبية لفيروس كورونا وأن المندوبية السامية للتخطيط تتوقع خفض توقعاتها بخصوص نمو الاقتصاد المغربي لعام 2020 بنسبة الثلث، أي إلى 2.2 في المائة أو 2.3 في المائة... ". وبالتوازي مع الخطر المحدق بالاقتصاد المغربي بسبب انتشار فيروس كورونا، فتوقف التساقطات المطرية (انخفاضا في معدل التساقطات يبلغ حاليا حسب معطيات رسمية ما يناهز 141 ملم مقابل معدل 254 ملم خلال 30 سنة الماضية و هذه النسبة تمثل عجزا يبلغ حوالي 40 بالمئة بالمقارنة مع سنة 2019) يثير المخاوف بخصوص نتائج الموسم الفلاحي 2019-2020 وهو ما يضعف من إمكانية تحقيق مستوى نمو يصل إلى 3.7 خلال سنة 2020، وذلك بسبب احتمال تباطؤ الناتج غير الفلاحي وانكماش القيمة المضافة الفلاحية وهو الأمر الذي يعني إمكانية تراجع القيمة المضافة لقطاع الفلاحة ومساهمته في الناتج الوطني الإجمالي. ويعزى ذلك ،إلى الارتباط البنيوي الوثيق بين مستوى نمو الاقتصاد المغربي والتساقطات المطرية التي لاتزال الفلاحة المغربية ترتبط بها وجودا وعدما إلى حد ما، وهو ما يجعلنا نطرح سؤال مدى نجاح سياسة السدود التي اتبعت منذ أواسط الستينات؟، فقطاع الفلاحة في المغرب يعد المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني، إذا يلعب دوراً مهما في خلق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، ذلك أنه يعد رافعة اقتصادية واجتماعية ضمن النسيج الاقتصادي، إذ يساهم بحوالي 20 في المئة من الناتج الداخلي الخام ويشغل- حسب مذكرة إخبارية سابقة للمندوبية السامية للتخطيط (صدرت في دجنبر2015) حول" الشباب وضعية سوق الشغل بالمغرب". حوالي 40 في المئة من مجموع الساكنة النشيطة بالمغرب أي أكثر من 4 ملايين. وفي ضوء هذه الوضعية المتوقعة، في المستطاع القول، إن معدل النمو المنشود من خلال قانون المالية 2020 والممكن تحقيقيه في ظل هذه المستجدات، يبقى غير كاف لتوفير الحد المطلوب من شروط الإقلاع الاقتصادي والاستجابة للانتظارات الاجتماعية وما يصبو إليه عموم المغاربة من تحسين للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، هذا دون أن ننسى أن السياسة الاقتصادية والمالية التي تطبقها الحكومة هي في عمقها سياسة لا تروم رفع نسبة النمو، بقدر ما هي سياسة هدفها الرئيسي المحافظة على التوازنات الماكرو-اقتصادية. وتأسيسا على ما سبق من المؤشرات والحيثيات، وسواء أخذنا بفرضية التأثير المحتمل لانتشار فيروس كورونا(COVID-19) الجديد على الاقتصاد المغربي، أو بتلك الأخرى المتعلقة بتأثير تأخر التساقطات المطرية خلال هذا الموسم، فإن ثمة – ولا شك -ضرورة ملحة تقتضي من الحكومة المغربية فضلا عن وضع مجموعة من التدابير الوقائية وتعزيز آليات المراقبة واليقظة في مواجهة الفيروس، وإنشاء خلية لليقظة الاقتصادية، تقييم أثر هذه المتغيرات على الاقتصاد الوطني وبلورة على ضوئها حزمة من الإجراءات والمقترحات العملية لمواجهة التأثير السلبي المحتمل للفيروس. *باحث في التدبير الإداري والمالي.