عشية تخليد اليوم العالمي للمرأة أصدرت جمعية نادي قضاة المغرب بلاغا بالمناسبة، دعا فيه الجهات المسؤولة عن إدارة المرفق القضائي إلى "الاهتمام بظروف اشتغال النساء القاضيات من حيث تحسينها وتخفيف العبء عليهن، وذلك بالزيادة في الموارد البشرية القضائية، وتحفزيها من الناحيتين المادية والمعنوية"، كما دعا البلاغ إلى ضرورة "إقرار برامج تساعد على الرفع من حظوظ التباري حول مناصب مهام المسؤولية الإدارية القضائية". وقد أعاد هذا البلاغ إلى الواجهة من جديد الحديث عن إشكالية وصول النساء القاضيات الى مراكز المسؤولية القضائية، فرغم أن المرأة المغربية كانت سباقة على مستوى بلدان المنطقة، إلى تبوء كرسي القضاء مند سنة 1961، إلا أن ذلك لم يشفع لها بأن تصل بسهولة الى مواقع صنع القرار سواء على مستوى رئاسة المحاكم أو النيابات العامة، أو حتى على مستوى عضوية المجلس الأعلى للقضاء. 1-تأنيث قطاع العدل حضور متزايد داخل الجسم لا ينعكس على مراكز صنع القرار أول ملاحظة يمكن إبداؤها بهذا الخصوص تتجلى في كون قطاع العدل يعتبر من بين أهم القطاعات التي حقق فيها المغرب المناصفة، إذ أن عدد موظفي قطاع العدل وصل إلى 18.849 موظفا، تمثل منه النساء نسبة 49.4%. غير أن الحضور القوي للنساء كموظفات داخل قطاع العدل لا ينعكس على مراكز المسؤولية، حيث لا تتجاوز نسبة النساء في مراكز صنع القرار 13.1%، مسجلا بذلك ارتفاعا طفيفا ب 1.1%، مقارنة مع سنة 2016. أما بالنسبة للنساء القاضيات فإن عددهن يبلغ 1034 قاضية، من إجمالي 4229 قاض وقاضية يكونون الجسم القضائي، وهو ما يمثل 24،25 %. ويبلغ عدد قضاة النيابة العامة 997 قاضية وقاضيا، منهم 159 قاضية، بنسبة 16 بالمائة من قضاة النيابة العامة. أما نسبة القاضيات اللواتي يوجدن في مراكز صنع القرار فلا تتعدى 5.4% سنة 2017، بانخفاض بلغ 0.8 نقطة مقارنة مع سنة 2016. 2-نداء من أجل المناصفة عملت الحركة النسائية منذ السنوات الأولى لتأسيسها على جعل مسألة تمثيلية النساء في مراكز المسؤولية والمؤسسات المنتخبة المحلية والجهوية والوطنية قضية جوهرية إلى جانب قضايا أخرى مثل مدونة الأسرة ومناهضة العنف والقانون الجنائي وقانون الجنسية، وقانون الشغل. لكنها لم تلتفت إلى غياب النساء القاضيات عن مراكز صنع القرار إلا في وقت متأخر، ربما بسبب تغييب القضاة عن العمل الجمعوي، وفي هذا السياق سجلت مبادرة فريدة سنة 2010، قامت بها 06 جمعيات نسائية، حينما وجهت نداء للقضاة من أجل المناصفة، وناشدتهم باستحضار تمثيلية النساء في مواقع القرار، كرهان أساسي للتنمية والتنوع، والتصويت لفائدة القاضيات في المجلس الأعلى للقضاء لتكون تمثيليتها وازنة. 3-اعتماد الكوتا والسعي نحو المناصفة بعد فشل النساء في الوصول إلى المجلس الأعلى للقضاء في انتخابات 2010 تبين جليا ضرورة رار تدابير التمييز الايجابي لضمان تمثيلية منصفة للنساء، وكان صدور دستور 2011 مناسبة لاعتماد الكوتا ضمن انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو المجلس الذي عرف مراجعة جذرية بتوسيع تشكيلته، وانفتاحه على شخصيات غير قضائية، مع ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي. وهو ما مكن المرأة القاضية ولأول مرة من الظفر بعضوية المجلس حيث انتخبت قاضيتان عن المحاكم الابتدائية، وقاضية عن محاكم الاستئناف. 4-دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في تحقيق السعي نحو المناصفة تضمن القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مقتضيات جديدة تكرس "السعي نحو المناصفة" داخل الجسم القضائي، وأهمها ما نصت عليه المادة 65 من أن المجلس "يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ومن أجل ذلك يقوم بتدبير وضعيتهم المهنية وفق مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية والحياد والسعي نحو المناصفة". عمليا، ورغم فتح باب التباري على مجموعة من مناصب المسؤولية القضائية داخل المحاكم، ظل وصول النساء لها على العموم محتشما. وهكذا يلاحظ أنه تم تعيين 3 قاضيات فقط، من بين 19 مسؤولا قضائيا سنة 2017، وقاضية واحدة من بين 20 مسؤولا سنة 2018، وقاضيتين من بين 32 مسؤولا قضائيا حسب نتائج الدورة العادية لسنة 2019. كما يلاحظ أيضا أن من بين المناصب التي أسندت لنساء قاضيات تتعلق بالنيابة العامة في محاكم تجارية، ومعلوم أن دور النيابة العامة في هذا النوع من المحاكم يبقى شكليا، وهو ما جعل مشروع قانون التنظيم القضائي الجديد يذهب إلى إلغاء هذا المنصب والاكتفاء بتعيين نائب للمسؤول القضائي لمباشرة مهام النيابة العامة في المحاكم التجارية، وهو ما يرسخ التمثلات السائدة من اعتبار مساهمة النساء في منصب صنع القرار غير مؤثرة. 5-عراقيل تحول دون وصول النساء القاضيات الى مراكز صنع القرار ومن بين الأسباب التي يمكن أن تبرر ضعف وصول النساء القاضيات إلى مراكز صنع القرار: -وجود اعتقاد بعدم اهتمام النساء بالوصول إلى مناصب المسؤولية القضائية؛ -صعوبات التوفيق بين الالتزامات الأسرية والالتزامات المهنية الجسيمة للمسؤول القضائي والتي تقتضي توفير وقت وجهد أطول؛ -عدم نشر نتائج المقابلات التي تم إجراؤها، إذ أن الاطلاع على نتائج التعيينات في مناصب المسؤولية لا يمكن المهتمين من معرفة طبيعة التعيينات في عدد من مناصب المسؤولية، وما إذا تمت عن طريق التباري أو التعيين المباشر؛ -وضع شروط عامة تقصي عمليا النساء من الوصول إلى مراكز صنع القرار من قبيل اشتراط مدة معينة في مزاولة بعض المهام، كمهمة قاضي التوثيق مثلا؛ -عدم اشتراط المجلس ضرورة احترام مراعاة النوع الاجتماعي في اقتراح النساء لمهمات نواب المسؤولين القضائيين، فإذا لم تتمكن النساء القاضيات من ممارسة مهام النيابة عن المسؤول القضائي، لن يكتسبن التجربة اللازمة للقيام بمهمة المسؤولية. وأخيرا تبقى إشكالية وصول النساء القاضيات الى مراكز صنع القرار بالمغرب ظاهرة تستحق دراسة أعمق، لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذا "السقف الزجاجي"، وهو ما يستوجب توفير احصائيات مفصلة تدمج بعد النوع الاجتماعي، ونشرها ضمن التقرير السنوي الذي يصدره المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في إطار تجسيد التزامه كمؤسسة دستورية بتعميم المنظور الجنساني في طريقة اشتغاله.