على قمم جبال "بني يزناسن" السّاحرة بإقليمبركان، رسمت ريشة الطّبيعة واحدةً من أجمل اللوحات الفنيّة التي شكّلت منتزهًا سياحيا يستهوي آلافًا من الزوّار الوافدين من كلّ فجّ عميق للاستجمام والاستمتاع بالأجواء الطبيعية الهادئة، وجمال المناظر الخلّابة، ومزاولة الأنشطة التّرفيهية، والظّفر بوجبات الشّواء اللذيذة. منتزه "تافوغالت" الطّبيعي، الذي يبعد عن مركز مدينة بركان بحوالي 24 كيلومترًا، يُعدّ بموقعه الإستراتيجي المهمّ وجباله الشّامخة وأشجاره الوارفة ومعالمه الأثرية مِن أهم الوجهات السّياحية لدى فئة واسعة من الزّوار بجهة الشّرق خاصّة، ومن مختلف المدن بالمملكة عامّة. جبال "تافوغالت" والرّحلات التّرفيهية يقع اختيار جمعيات تنظيم الرّحلات التّرفيهية، النّشيطة على مستوى جهة الشّرق خاصّة، على منتزه "تافوغالت" ضمن سلسلة من المناطق السياحية بالجهة. ومن مدينة النّاظور نموذجًا، تنطلق رحلات مُنظّمة تستهدف طلبة وتلاميذ وشبابا في كلّ مناسبة. يقول امحمد حمداوي، إطار تربوي وفاعل جمعوي وأحد الزّائرين الوافدين من مدينة ميسور: "أزور "تافوغالت" باستمرار، على غرار أيّ ساكن بمنطقة الشّرق، للاستمتاع بجمال الطّبيعة في المنطقة، وتكون زياراتي صحبة أصدقائي، وأحيانا في إطار رحلات جماعية منظّمة". وأضاف المتحدّث: "أشغال تأهيل الطّريق المؤدية إلى هذا المنتزه، التي يباشرها المسؤولون بالمنطقة حاليا، ستكون مشجّعة للزّيارات السيّاحية. ونعدّ هذه الخطوة إيجابية تستهدف العناية بالمنطقة التي، رغم شهرتها، ما زالت تقتصر على استقطاب أكبر نسبة من السيّاح الوافدين من مدن الشّرق". يردف المتحدّث: "كنا من قبلُ ندعو الأصدقاء إلى زيارة "تافوغالت"؛ لكنهم يعتذرون لرداءة الطّريق المؤديّة إلى المنتزه.. وأعتقد الآن أن إصلاح الطريق سيكون حافزًا لخوض التّجربة". "تافوغالت" في الصّيف لا تتوانى الحركة دائبةً في "تافوغالت" على مدار السّنة، إذ لا تكفّ الزياراتُ مستمرةً من قِبل عائلات تفضّل الارتماء في أحضان الطّبيعة لقضاء عطلها، خاصّة أيام الآحاد، بعيدًا عن ضجيج المدينة وضغوطات العمل. وفي فصل الصّيف، تشهد المنطقة أوجها، إذ تكتظّ جنبات المنتزه مع زوارٍ من الجالية المقيمة بالخارج الذين يفضّل أغلبهم زيارة "تافوغالت" و"زكزل" وعين "فزوان" وشاطئ السْعيدية على السّاحل كمحطّات سياحية، لا تكتمل روعة العطلة الصّيفية إلا بزيارتها مُجتمعةً. ميمون كرومي، مهاجر مغربيّ مقيم بالدّيار الهولندية، قال، في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية: "كلّما جئت إلى مدينة النّاظور لزيارة أهلي إلّا وخصّصت أيّاما من عطلتي لزيارة مختلف المناطق السّياحية في إقليمبركان رفقة عائلتي، وأخصّ بالذّكر "تافوغالت" وشاطئ السعيدية، إلى جانب شواطئ إقليميالناظوروالحسيمة. وأردف كرومي قائلًا: "أحسّ بروعة جمال الطّبيعة الصّافية في هذا المنتزه الجميل، وعلى الرغم من الطّبيعة الخلّابة في عدد من المناطق التي زرتها في أوروبا، فإن ل"تافوغالت" طعمها الخاصّ الذي يشدّك إلى جذور وطنك؛ فتشعر بسعادة الاستجمام الرّوحي والانتماء الجغرافي معًا". الأمن وحسن إكرام الضّيوف عبد الإله بن أحدش، زائر من مدينة "تارجيست" التابعة لإقليمالحسيمة، عبّر، في زيارة المنطقة، عن ارتياحه قائلًا: "ما أحبّه في منتزه "تافوغالت" هو الأمن التّام الذي يحسّ فيه الزّائر والطّمأنينة التي يستشعرها المرء رفقة عائلته، إلى جانب الاحترام الكبير الذي يُقابل به ساكنة المنطقة السيّاح ومعاملتهم معاملةً حسنة تكشفُ عن الطّبيعة الأخلاقية الطيّبة في حسن إكرام وفادة الضّيوف". وتابع بن أحدش قائلا: "تنتفي في المنطقة، إلى جانب ذلك، الكثير من الظّواهر السّلبية التي تعوّد السياح ملاقاتها بشكلٍ مألوف في بعض المناطق السياحية؛ مثل النّصب والاحتيال وسرقة الأمتعة". ويردف المتحدّث: "نرجو أن تشهد منطقة "تافوغالت" إشعاعًا على المستوى الوطني يضاهي ما تشهده على مستوى جهة الشّرق، من أجل خلق تنمية سياحية في المنطقة". أنشطة رياضية في "تافوغالت" يجد عشاق مغامرات تسلّق الجبال وممارسو هواية قيادة الدرّاجات العادية والنّارية ضالّتهم في منتزه "تافوغالت"، لما يتمتّع به هذا المنتزه الطبيعي من تضاريس جبليّة ملائمة، إذ تشهد المنطقة بشكل دوري مختلف الأنشطة التّرفيهية المنظّمة باستمرار. ويزور الأجانب من مختلف الدّول المنطقةَ لمزاولة هواياتهم الرّياضيّة المفضّلة، كما يشارك الشّباب بشكل موسمي في ماراطون "السّباق الجبلي" المنظّم في المنطقة؛ وهو ما يجعل من "تافوغالت" وجهة رياضية بامتياز. "تافوغالت".. مربض مقاومة الاستعمار الفرنسي "تحتفظ الذّاكرة التّاريخية بالمغرب بملامح من مقاومة الاستعمار الفرنسي التي قادتها قبائل بني يزناسن"، يقول طارق خبوز، باحث في تاريخ المنطقة، قبل أن يردف: "ثار بنو يزناسن ضد الاستعمار بعدما فشلت كل محاولات الاحتلال في استمالتهم ومخاطبة ودّهم بقيادة الجنرال "اليوطي"". ويتابع المتحدّث: "وقد وجد الاستعمار الفرنسي صعوبة في ردّ مقاومة قبائل بني يزناسن الذين اتّخذوا من جبال "تافوغالت" محطّات إستراتيجية لمقاومة القوّات العسكرية الفرنسية"، مبرزًا أن المنطقة لعبت دورًا كبيرًا في إلحاق خسائر كثيرة بالاستعمار الفرنسي، ويمكن اعتبارها مركزًا تاريخيا مهمّا في ذاكرة المقاومة الشّعبية للاحتلال الأجنبي. المواقع الأثرية في "تافوغالت" يمتاز منتزه "تافوغالت" بعدد من المعالم الأثرية التّاريخية؛ من أبرزها "مغارة الحمام" التي يصل عمقها إلى حوالي 28 مترًا، والتي صنّفت من قبل الباحثين الأركولوجيين كواحدةٍ من المواقع الأثرية المهمّة من ناحية البحث العلمي والتّاريخي. وفي منتصف الطّريق الرّابطة بين "تافوغالت" ومدينة بركان، تقع مغارة الجمل التي يعود أصل تسميتها حسب الباحثين وسكّان المنطقة إلى هيكل حجري كان يوجد داخلها يشبه هيئة سنام الجمل. وما زالت منطقة "تافوغالت" تحتفظ بواحدة من معالم عهد الحماية، وهي ثكنة عسكرية فرنسية بنيت في قمّة جبلٍ بالمنطقة وتحتلّ موقعا إستراتيجيا كان الهدف من ورائها مراقبة الاستعمار الفرنسي لتحرّكات أهالي المنطقة. يقول خبوز: "تعدّ المعالم الأثرية في "تافوغالت" مواقع مهمّة لدراسة الحضارات ما قبل التّاريخ مثل الحضارة الإيبروموريزية القديمة. وعلى الرغم من الأبحاث المنجزة إلى حدّ الآن، فإن هذه المغارة ما زالت تنطوي على ألغاز تاريخية تستوجب جهودًا علمية مكثّفة لاكتشاف كنهها وما اكتشاف أقدم جينات إنسانية، مؤخّرًا، في المنطقة إلا دليل على ذلك". آمال في ازدهار المنطقة سياحيا يعقد سكّان جهة الشّرق آمالهم على إيلاء الأهميّة البالغة لهذا المنتزه الطبيعي من قِبل المسؤولين لإصلاح الطّرقات المؤديّة إليه، وإنشاء مشاريع تنمويّة، وفتح المغارتين اللتين أُغلقتا منذ مدّة طويلة، والتّشجيع على الأبحاث العلمية... من أجل خلقِ منطقة سياحيّة وطنيّة وعالمية تستقطب سيّاحًا خارج حدود منطقة الشّرق. ويرى امحمد حمداوي أنّ أشغال إصلاح الطّريق، الجارية حاليا، مبشّر خير لتعبير المسؤولين عن عنايتهم بالمنطقة؛ لكن ما زالت "تافوغالت" تفتقر إلى ما تستحقّه فعلًا من أهمية.. لذلك، يجب تضافر جهود كثيرة من أجل توسيع دائرة الأشغال والإصلاحات، لتشمل كلّ ما يمكن أن يساهم في جعل المنطقة وجهة سياحية جذّابة وطنيا وعالميا.