مَن مِن أهل الرباط والنواحي وحتى من الزوار، لا يعرف "سيدي بومسيمر" الموجود بزنقة البويبة التي تقع بين باب البويبة وشارع السويقة، أمام الباب الخلفي لجامع مولاي سليمان؟ وقد سمي هذا "السيد" بهذا الاسم (وهنالك من يناديه بسيدي مسيمر) لعدم معرفة اسم من شيده ولأن جدرانه كلها مسامير صغيرة دقت من قبل الزوار، فسمي نسبة لهذه المسامير. والمسيمر تعني باللغة المغربية المتداولة المسمار الصغير. وللتذكير، فسيدي بومسيمر معروف لدى الساكنة "بالبركة" التي يتوفر عليها في علاج مختلف الآلام التي تلم بالإنسان، بطقوس غريبة، تكمن في ملامسة الموجوع الجهة المؤلمة بأحد أصابعه وبالمسمار، قبل دقه بلطف على بعض الحروف المثبتة على جدران السيد، واحدا تلو الآخر، وقراءة الفاتحة وإعادتها، إلى أن يسكن الألم، عند دق المسمار على حرف من الحروف المذكورة، حيث يتوقف المعني بالأمر الذي لم يعد يشعر بالألم عن الدق. ويوفر محافظ "سيدي بومسيمر"، وهو رجل بسيط للغاية، للموجوع، المسامير، وكذا المطرقة الضرورية، ويدله على طقوس "السيد"، وطريقة استعمال المسامير، مقابل قطعة من النقود يتركها له الموجوع قبل المغادرة، إن كان ذلك في استطاعته. ولا أعلم صراحة هل يوجد مثل سيدي بومسيمر في المدن والقرى المغربية الأخرى أم لا. ويرجع وجود "سيدي بومسيمر"، كما يرجع تواجد العديد من الأضرحة والأولياء الصالحين، لمعتقدات قديمة قدم الإنسان الذي يؤمن بالروحانيات، وبقوة السادات والأولياء، في الاستخارة وفي علاج الأمراض وفك الألغاز التي كانت تحير العقل أحيانا. وحتى لا نبتعد عن صاحبنا فإن "سيدي بومسيمر" كان بالنسبة لأهل الرباط والوافدين عليها، بمثابة "مستشفى لعلاج الآلام" بصفة عامة، وآلام الأسنان والأضراس بصفة خاصة حينما لا تنفع العلاجات النباتية التي كانت تستعمل أيضا (كالقرنفل بالنسبة للأسنان وغيرها). والسؤال الذي كنت دائما أطرحه على نفسي ولم أكن أجد له جوابا، وأنا طفل صغير، يكمن في العلاقة السببية بين دق مسمار على الحائط وقراءة سورة الفاتحة وبين إيقاف ألم ناتج عن ضرس أو سن "مسوس"؟ يقول بعض المختصين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، ومنهم إدموند دوتي (EDMOND DOTTE)، الذي عاش سنوات في المغرب والجزائر وتونس في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بأن دق المسامير والأوتاد على الجدران، وفي جذوع الأشجار، ممارسة قديمة قدم الإنسان، توجد في معظم الحضارات العريقة. ويظهر بأن ممارستها بالمغرب ترجع للتأثير الروماني خلال وجود الرومان بالمغرب، حيث كان كبير قضاتهم يدق مسمارا في جدار من جدران معبد جوبيتير كابيتولان (Les Marabouts - notes sur l'Islam maghrébin, 1905 ترجمه للغة العربية الأستاذ محمد ناجي بن عمر، تحت عنوان "الصلحاء - مدونات عن الإسلام المغاربي خلال القرن التاسع عشر" ونشرته دار إفريقيا والشرق سنة 2014). ويمكن للباحث أن يرجع أيضا لكتاب "تاريخ المغرب الكبير"- العهد الروماني بالغرب 146 ق.م – 430 م. لمحمد علي الدبوز، من الصفحة 303 الى الصفحة 382، لإثراء فكره أكثر حول فترة تواجد الرومان بالمغرب. وكانت بعض المعتقدات تسير على نفس هذا النهج في البادية المغربية، حيث كان دق المسمار يتم من قبل الموجوع في جدع شجرة عتيقة تظل أحد الأضرحة وتقرأ الفاتحة أو سورة سبح، وتهدى شمعة للولي الصالح قبل مغادرة المكان وقد زال الألم بقدرة قادر. وأظن، -بالرغم من عدم تخصصي في الأمر-، أن هذه المعتقدات، تركز في الأصل على تحفيز الجسم لقدراته على الشفاء الذاتي، بالطاقة الحيوية للتخلص من نوع محدد من الأمراض، والتخفيف من نوع محدد من الآلام. وهنا ندخل في طرق العلاج الطبيعية المتعددة التي منها ما يستهدف الجسم الطاقي، ومنها ما يستهدف الجسم المشاعري ومنها ما يستهدف الجسم المادي، لإحداث توازن فيه لشفائه. ويمارس معظم هذه الطرق اليوم، العديد من الذين يمتهنون "الريكي هيلينغ".وتعني كلمة ريكي الأسيوية "حكمة الله"، بينما تعني كلمة "هيلينغ" ( healing) العلاج، ويمتهنون "البرانك" الذي يعتمد على استخدام الطاقة الذاتية لشفاء الجسم، وطريقة "الكريستال" التي تستخدم الأحجار والبلورات في عملية الشفاء هذه لطرد الشوائب من الجسم، أو طريقة "الكيغونغ" التي تستخدم لاستعادة التوازن المفقود في الجسم، باعتماد حركات منسقة للجسم إلى جانب التنفس، والتأمل لتحفيز الصحة الروحانية وهي طريقة صينية عريقة إلى جانب العديد من الطرق الأخرى ( البرانا والتشي كونغ...) التي تهدف كلها إلى العلاج الطبيعي بالطاقة الحيوية. وقد يقول قائل، بأن حديد سيدي بومسيمر وغيره، المستعمل للمساعدة على علاج بعض الآلام، قد ذكر في القرآن الكريم في سورة الحديد بالآية 25 التي تقول بأن الله سبحانه وتعالى، أنزل الحديد الذي فيه بأس شديد (بأس بمعنى قوة) ومنافع للناس، لأقول إن الحديد ذكر ست مرات في القرآن لا مرة واحدة، إلا أنني أتجنب الخوض في مناقشة أمور أعتبر نفسي غير مؤهل بما فيه الكفاية لمناقشتها. كما بحثت قليلا في الحضارات الأخرى، بخصوص العلاج بالمسامير، فوجدته منتشرا إلى يومنا هذا في الكثير من الدول الأوروبية، كبلجيكا وفرنسا والنمسا والدول الاسكندنافية، ناهيك عن الدول الآسيوية والإفريقية، حيث تجد أشجارا عريقة في العديد من الجهات، تدق فيها مسامير بطقوس تتشابه إلى حد ما في ما بينها، بينما تجد بأن عادات مناطق أخرى تكمن في تعليق بعض القماش على أشجار "مباركة" -كما يقع بالمغرب-، حيث تصب جميع هذه العادات ربما وعلى اختلافها، في ما أصبح يستعمل اليوم بطرق عصرية للوصول الى نفس النتيجة وهي العلاج بالطاقة. وحينما نقارن بين طقوس سيدي بومسيمر على سبيل المثال لا الحصر، وطقوس العلاج الذاتي بالطاقة الحيوية المتحدث عنها، وهو يسمى اليوم بالطب البديل، الذي أصبح منتشرا في العشرية الأخيرة، ويتم في أرقى مراكز العلاج، وبفنادق خمسة نجوم، بتسعيرات باهظة، فإن التساؤل يدور حول ما إذا كان آباؤنا وأجدادنا على صواب، عندما كانوا يلجؤون إلى مختلف طرق العلاج الطبيعية البسيطة، التي لم تكن قط مكلفة ومنها طريقة المسامير، التي تمس العقل العقائدي المتجذر وقوته في تبديل الحال والأحوال؟