شكّل الكتاب، بأشكاله المتعدِّدة، أحد معالم الحضارة في كل العصور منذ أقدم الشواهد التي تشير إلى اهتمام الإنسان بالتأليف والتفكير المنظم. وقد كان للأمازيغ حضور في هذا المجال منذ ما يقرب من ألفي سنة، من خلال كتاباتهم بلغات الحضارات المجاورة لهم في حوض البحر الأبيض المتوسط، كاللاتينية واليونانية والبونيقية، كما أبدعوا نصوصا كتابية بلغتهم الأمازيغية خلال العصر الوسيط في المرحلة الإسلامية من خلال مؤلفات دينية بالأمازيغية؛ غير أن الزخم الكبير في الكتابة والتأليف والإبداع باللغة الأصلية لسكان المغرب إنما انطلقت فعلا في النصف الأخير من القرن العشرين ومع بداية الألفية الثالثة. وفي نفس سياق التأليف، فبالرغم من ظهور الكتاب الرقمي في عصرنا الحالي، برزت توقعات كثيرة وكلها تدور حول نهاية الصيغة الورقية للكتاب، والتي رافقت الحضارة الحديثة قرابة خمسة قرون منذ ظهور آلة الطباعة، إلا أن الكتاب الورقي لا يزال يحتل الصدارة. فإذا كان الكتاب المغربي قد خطا خطوات مهمة منذ عقود في إطار الازدواجية عربية فرنسية، فإنّ الكتاب الأمازيغي لم يعرف بداية نهضته الحقيقية في المرحلة المعاصرة إلا مع انطلاق مسلسل مأسسة اللغة والثقافة الأمازيغيتين، حيث بعد الحضور الخجول الذي عرفه خلال مرحلة الإنتاج الفردي والجمعوي الذي عكس الوضعية الهامشية للغة والثقافة الأمازيغيتين في العقود الأولى بعد الاستقلال عرف قفزة نوعية مع بداية الألفية الثالثة التي سجلت حضورا لافتا لهذا الكتاب، حيث نشطت حركة التأليف والإبداع في مجال الثقافة الأمازيغية بفضل الاعتراف الرسمي الذي أعلن من خلال خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بأجدير التاريخي (17 أكتوبر 2001)، وكذا بفضل إدراج اللغة الأمازيغية في النظام التربوي ابتداء من شتنبر 2003. وتنبغي الإشارة هنا إلى الأدوار التي قام بها على الخصوص كل من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ورابطة "تيرا" (جمعية تضم كُتابا باللغة الأمازيغية)، وكذا إصدارات النسيج الجمعوي الأمازيغية في مختلف مناطق المغرب، دون أن ننسى الإصدارات الفردية لكتاب خاضوا غمار التأليف سواء الأكاديمي منه أو الإبداعي. وقد تجاوز عدد إصدارات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ال400 إصدار التي عرض أغلبها برواقه بمناسبة المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي نظم بمدينة الدارالبيضاء في الفترة الممتدة بين 6 و16 فبراير 2020، حيث اعتمد إستراتيجية شمولية فيما يخص إنتاج الكتاب الأمازيغي؛ إذ بعد أكثر من 18 سنة من عمله، أصبح قطبا مرجعيا ورياديا في مجال الدراسات الأمازيغية، بانخراطه في تحقيق الهدف الإستراتيجي للنهوض بالثقافة الأمازيغية عبر البحث والتأليف وتشجيع ودعم الكتاب. وهكذا، فقد تمكنت هذه المؤسسة الأكاديمية من إغناء الثقافة الأمازيغية بالعديد من الإصدارات التي تتعلق بمختلف المجالات العلمية والأدبية والفنية، حيث يغطي الإنتاج العلمي مختلف المجالات المعرفية، ذات الصلة بالأمازيغية، وخاصة منها التربية والتكوين، حيث تم نشر الكتب المدرسية والدلائل البيداغوجية وكراسات ومعاجم مدرسية وكتب لتعليم الكبار والأقراص المدمجة والتهيئة اللغوية، والتاريخ والبيئة، والأنثروبولوجيا، والسوسيولوجيا، والسمعي البصري والتعابير الأدبية والفنية ومجال الترجمة والتوثيق. وبخصوص الرصيد الوثائقي، قام المعهد باقتناء أكثر من 20000 وثيقة تعالج، إضافة إلى الأمازيغية، مواضيع مختلفة كعلم الاجتماع واللغة والأدب، والنشر والتواصل وأنظمة الإعلام والتواصل والمعلوميات. ويصدر المعهد مجلته العلمية التي تحمل اسم "أسيناك Asinag" ، كأول مجلة علمية وثقافية مغربية خُصصت جميعها للأمازيغية، بمكوناتها اللغوية والثقافية والحضارية، وهي تعمل بصيغة ملفات علمية تكون محورا لكل عدد. ومن أهم هذه الملفات نذكر: "التنوع اللغوي والثقافي"، "تدريس الأمازيغية: المسار والواقع والآفاق"، و"تهيئة الأمازيغية الحوافز والمنهجية والنتائج"، و"الأدب الأمازيغي: النشأة والتصنيف والتطور"، و"التراث الثقافي المادي: الفنون الزخرفية"، و"الثقافة وتنمية الموارد والمعارف والمهارات"، و"تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في خدمة الأمازيغية"، و"الجذر في اللغات الحامية- السامية طبيعته ووظيفته" و"ترسيم الأمازيغية: التحديات والرهانات"، و"التناقل الثقافي والتحولات الاجتماعية". وتكشف هذه الإنتاجات عن عمق وفاعلية انخراط المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في سيرورة تحديث الثقافة الأمازيغية، ومعيرة اللغة وجعلها رافعة حقيقية للتنمية المستدامة في مغرب موحد في تنوعه اللغوي والثقافي، بفضل مجهودات باحثين متخصصين داخل المعهد وخارجه، في مجالات متعددة: منها الأنثروبولوجيا، والسوسيولوجيا، واللسانيات، والتاريخ، والبيئة، والتراث، والآثار، وكل ما يتصل بالتنوع اللغوي والثقافي والآداب والفنون والمعلوميات، وغيرها من المجالات. وفي هذا السياق، نشير كذلك إلى أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أصدر أول كتاب رقمي له تحت عنوان “تيزوزاف” (الحلي). وبجانب هذه الإنتاجات نشير إلى وجود دينامية أخرى موازية للتأليف والنشر تمثلها الجامعات، حيث أصدر العديد من الباحثين الأكاديميين أطروحاتهم العلمية حول الأمازيغية مطبوعة ومنشورة؛ وهو ما أغنى المجال الثقافي الأمازيغي، وساهم في نهضة الكتاب وتزايد نسبة المقروئية. وحسب الإحصائيات، وفي المجال الجمعوي ساهمت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي منذ 40 سنة في التعريف بالثقافة الأمازيغية، وساهمت بدورها في التعريف بتجليات هذه الثقافة بإصدارها لأكثر من 120 منشورا تشمل دوريات ثقافية؛ منها التي تُعَرِّفُ بالأعلام الأمازيغية، إضافة إلى مختلف الحقول المعرفية من آداب وفنون وغيرها. كما أصدرت رابطة "تيرّا" للكتاب بالأمازيغية أزيد من 100 كتاب، وحققت بذلك رصيدا مهما في تطوير الكتابة باللغة الأمازيغية في المجال الإبداعي الأدبي، وبخصوص جمعية الجامعة الصيفية بأكادير فقد أصدرت أكثر من 14 كتابا.