مازال الرأي الفقهي الذي أجاز فيه الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني للمقاولين الشباب أخذ قروض من الأبناك التقليدية، في إطار برنامج "انطلاقة" لدعم المقاولين الشباب، يثير مزيدا من ردود الفعل، بين مؤيّد ورافض له. ويرى المؤيدون أن الرأي الذي عبّر عنه الفقيه المغربي أخَذ بمبدأ التيسير على الناس، خاصة الشباب الراغبون في إنشاء مشاريع خاصة تخرجهم من أتون البطالة، بينما يرى المخالفون للريسوني أنّ الفقهاء أجمعوا على أن كل "قرض جرّ منفعة فهو ربا"، أيّا كانت نسبة الفائدة التي أُخذ بها. الشيخ السلفي حماد القباج أبدى عدم اتفاقه مع الريسوني، وقال إنه يستغرب كيف انتقل من الحالات التي يُلجأ فيها إلى الاقتراض للضرورة القصوى إلى إباحة أخذ قروض لإنشاء المقاولات، معتبرا أنّ هذه الحالة لا تستوعبها القاعدة الفقهية "الضرورات تبيح المحظورات". واعتبر القباج، في مقطع "فيديو" علّق فيه على رأي الريسوني، أنّ خفْض الأبناك لنسبة الفائدة الخاصة بقروض برنامج "انطلاقة" إلى اثنين في المائة ليس مبررا لإباحة هذه القروض، "لأنها، مهما كانت نسبة فائدتها، تأتي في إطار نظام رأسمالي عالمي متوحش"، على حد تعبيره. الموقف نفسه عبّر عنه الشيخ السلفي حسن الكتاني، إذ خاض في النقاش الدائر حول هذه النازلة وكتب في صفحته على "فيسبوك": "فتوى الدكتور أحمد الريسوني عفا الله عنه لا توافق النصوص الشرعية ولا تقريرات فقهاء الإسلام، فلعله يعيد النظر فيها بارك الله فيه". في الطرف المقابل هناك أصوات أيّدت رأي الريسوني، واعتبرت أن موقفه "يمثل صوتَ الحكمة وسط العقل الفقهي الإسلامي"، كما قال محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الدراسات الإسلامية، داعيا إلى جعل رأي الريسوني دافعا نحو تأصيل جديد لمثل هذه القضايا. وقال رفيقي في تصريح لهسبريس: "أنا أثمّن ما ذهب إليه الريسوني، فهو خطوة متقدمة لها وقعها، خاصة إذا وضعناها في سياق التيار الذي ينتمي إليه والمكانة الاعتبارية التي يحظى بها لدى فئة من الناس". وكان الفقيه أحمد الريسوني قال، جوابا عن سؤال لعدد من المواطنين حول حُكم الاستفادة من قروض مخففة وميسّرة ومضمونة في إطار برنامج "انطلاقة"، بنسبة 2 في المائة و1.75 في المائة بالبوادي، إن هذه القروض "إن لم تكن حسنة خالصة فهي تتجه إلى مبدأ القرض الحسن". واعتبر الريسوني، في تسجيل صوتي، أنّ حُكم الاستفادة من قروض برنامج "انطلاقة" يقتضي استحضار أنّ القروض التي تقدم بهذه الكيفية ومضمونة من الدولة "تحتاج إلى دراستها ومواكبة طالبيها من أصحاب المشاريع، وهذا يحتاج إلى عدد من الموظفين والخبراء، وكل هذا يحتاج إلى نفقات وتعويضات وأجور، وهذا جزء من تحمل المؤسسات المقرضة". وفي مقابل انتقاد عدد من السلفيين للرأي الفقهي الصادر عن الريسوني، حظي الرأي بتأييد دعاة، منهم الداعية عادل رفوش، الذي قال إنّ الشريعة تتعامل مع قاعدة "جرّ نفعا" من ثلاثة منطلقات، تتعلق بما إن كان النفع حقيقيا، أو يسيرا، أو تافها، مشيرا إلى أنّ هذه الأنواع الثلاثة من النفع لا تُؤخذ على وزن واحد. وأضاف رفوش أنّ مَن نظر إلى قروض برنامج "انطلاقة" على أنها جائزة استند إلى كونها دفعا للمضرّة عن المجتمع، لدفع البطالة وتيسير أمور الشباب في إنشاء مقاولاتهم، كونُ الربح الذي تطلبه الجهات المُقرضة يسير جدا، لا يقارَن مع المبالغ المالية المرصودة من أجل هذه المعاملة. الجدال الذي أعقب رأي الريسوني أفرز تساؤلات من قبيل سبُل التعاطي مع حاجيات المجتمع المتزايدة، خاصة في مجال الشغل، والتحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم، والتي تختلف جذريا عن السياق الذي حُرّم فيه الربا في فجر الإسلام. في هذا الإطار قال محمد عبد الوهاب رفيقي إنّ الرأي الفقهي ينبغي أن يواكب ويتماشى مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وأن يخضع للمقاصد الكبرى للإسلام، "وليس لنصوص جزئية"، على حد تعبيره.