يخلد العشاق في كل أرجاء المعمور عيد الحب في الرابع عشر من شهر فبراير من كل سنة، فتجدهم يشترون الهدايا لأحبائهم ويبدعون في كتابة أسمى عبارات الحب والغرام التي تنبض بها قلوبهم وتجيش بها صدورهم وكأن الأيام الأخرى ليست أياما للتعبير عن الحب. إن الاحتفال بعيد العشاق يلاقي معارضة من بعض الأفراد باعتباره عيدا مسيحيا وفرصة تجارية لترويج السلع والربح فقط ومنهم من ينبش في أصل هذا الاحتفال ويحرمه لأنه يعود للقديس المسيحي فالنتين الذي أعدم في القرن الثالث الميلادي على يد الإمبراطور الروماني كلاوديوس، حيث كان يزوج الشباب سرا بعدما أمر الإمبراطور بمنع الزواج لأخذ الشباب إلى الحرب. إن عيد العشاق يحفل بسخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ففي هذه السنة مع انتشار وباء كورونا في الصين نصح بعض الظرفاء الأزواج بتقديم هدية للزوجات بمناسبة عيد الحب تكون عبارة عن رحلة إلى الصين... كما نجد أشخاصا آخرين يتساءلون باستهزاء كل سنة هل سيكون عيد الحب موحدا بين كل الدول العربية؟ أم أننا سنحتفل في يومين مختلفين كما يحدث غالبا في عيد الفطر أو عيد الأضحى الذي لا تتوافق الأمة الإسلامية على توحيده كما لم تتوافق على كثير من القضايا المصيرية التي أفرزت بؤر توتر على امتداد رقعة الوطن العربي. إذا كان عيد الحب دخيل على أعيادنا فانه فرصة سانحة لإعلاء كلمة الحب ولو في يوم واحد كعاطفة سامية عليها أن تكون راعيا رسميا ومحركا أساسيا لعلاقاتنا الإنسانية، في وقت تعالت فيه أصوات الكراهية والعنصرية في كل بقاع العالم، فكل الخصومات والمشاكل التي نعيشها الآن هي نتيجة لغياب الحب عن علاقاتنا الإنسانية، فقد غاب الحب وسيطرت الأنانية والفردانية. عندما نرى النسب المهولة للطلاق وما يخلفه من تبعات على الأسرة والمجتمع فهي دليل على فقد هذه العلاقات للحب وما يرتبط به من ود واحترام وتقدير. عندما نسمع كل يوم عن جرائم السحل والقتل، فإن غياب الحب سبب لكل هذا. عندما يقتل الأب فلذة كبده ويقتل الابن أمه أو أباه فقد استبدلت مشاعر الحب كراهية وحقدا. عندما يزج الآباء بأبنائهم في غياهب السجن دون تسامح ولا تصالح فان غياب الحب سبب لذلك عندما ينبذ الأبناء ابائهم في دور المسنين دون رحمة ودون تقدير للعمر الذي أفنوه في تربيتهم صغارا فإن السبب انعدام الحب في قلوب الأبناء وامتلائها أنانية وعجرفة. إن فاقد الشيء لا يعطيه فلا يمكن للإنسان أن يقدم الحب للآخرين إن لم يبدأ بمحبة نفسه وتقبلها، وتطويرها بالاشتغال على مواطن الضعف والنقص في شخصيته حتى يضيء نفسه المظلمة لتشع نورا وتفيض محبة شاملة كل الناس باختلاف أجناسهم وألوانهم وأعراقهم وأديانهم أيضا. هذا الحب بطابعه الإنساني هو الذي تبناه الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي الذي رفع الحب إلى مرتبة الدين باعتباره فطرة تجمع كل الناس فنجده يقول في هذا المعنى: لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي**** إذا لم يكن ديني ألد دينه داني لقد صار قلبي قابلا كل صورة**** فمرعى لغزلان ودير لرهبان وبيت لأوثان وكعبة طائف ****وألواح توراة ومصحف قرآن أدين بدين الحب أنى اتجهت**** ركائبه فالحب ديني وإيماني