اختيار تركيا دعم حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي يجر عليها متاعب وانتقادات عديدة، واتهامات بمحاولة خلق الفتنة والزيادة في عدد المقاتلين والموالين للتنظيمات الإرهابية في منطقة شمال إفريقيا، خصوصا مع انتكاسة ميليشيات "السراج" في وقف تقدم عملية "الفتح المبين" التي أطلقها الجيش الليبي لتحرير العاصمة طرابلس. وحسب باحثين ومهتمين بالوجود العسكري التركي في ليبيا، فإن النظام التركي يعمل على توظيف المرتزقة الأجانب من جانب النظام التركي لدعم حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي، إذ توجد العديد من المؤشرات الكاشفة عن توجه تركيا نحو تكثيف جهودها لتجنيد المرتزقة السوريين من أجل إرسالهم إلى ليبيا. ونشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة دراسة تحليلية للكاتب كرم سعيد حول توظيف تركيا لمجموعة ممن أسماهم بالمرتزقة السوريين، لفت من خلالها إلى أن ليبيا "استقطبت أكثر من ألف مرتزق نقلتهم تركيا من مناطق الصراع في سوريا. ويعكس مستوى التسلُّح، الذي يحظى به المرتزقة الأجانب الموالون، حجم ما يحصلون عليه من دعم وتمويل من تركيا الساعية إلى بسط نفوذها على ليبيا". وأضاف المصدر نفسه أن تركيا دشنت جسرًا جويًّا مباشرًا بين إسطنبول ومطار معيتيقة العسكري قرب طرابلس لنقل متشددين سوريين وأجانب إلى ليبيا، حيث بلغ إجمالي هؤلاء المقاتلين الذين وصلوا بحسب صحيفة "الغارديان" نحو 1350 فردًا من المقاتلين السوريين شقوا المعبر في اتجاه تركيا في الخامس من يناير المنصرم، وانتقل بعضهم إلى ليبيا، بينما بقي آخرون في جنوبتركيا لتلقي تدريبات في معسكرات خاصة. ولَم تتوقف خطوات النظام التركي عند هذا الحد؛ بل عملت، وفق الكاتب المذكور، على افتتاح مراكز لتسجيل الأشخاص الراغبين في الذهاب للقتال في ليبيا. وقد افتتحت الفصائل المسلحة الموالية لتركيا في سوريا أربعة مراكز في منطقة عفرين شمال حلب لاستقطاب المقاتلين ضمن مقرات تتبع الفصائل الموالية لتركيا، كما تعمل هذه الفصائل على تشجيع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية. وينضاف إلى هذه الخطوات شروع تركيا في تأسيس شركة خدمات أمنية، إذ "أصبح الاعتماد على متشددين والعناصر الراديكالية أحد الأبواب الخلفية للانخراط التركي من وراء ستار في مناطق الصراعات. وهنا يمكن فهم دعوة "عدنان تانيفيردي"، المساعد العسكري للرئيس التركي، إلى إنشاء شركة عسكرية خاصة لمساعدة وتدريب الجنود الأجانب". وتهدف تركيا، من خلال هذه الخطوات، إلى "الحفاظ على ما أسمته مصالحها الإستراتيجية في مناطق النزاع، وحماية أمنها القومي، من دون أن تُعطي اعتبارًا لمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول، ناهيك عن غض الطرف عن ميثاق الأممالمتحدة الذي يلزم دولها بالامتناع عن تنظيم وتشجيع الأعمال الإرهابية على أراضي دولة أخرى". كما تروم خطوات تركيا بتجنيد مقاتلين وإرسالهم الى ليبيا، وفق مركز المستقبل، إلى "موازنة النفوذ على الأرض بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي، لا سيما أن الأخير تمكن في الفترة الماضية من إسقاط وتدمير أكثر من 40 طائرة مسيرة تركية الصنع طراز Bayraktar TB-2، كما دمر غرف عملياتها وهوائيات التحكم، بالإضافة إلى عشرات المدرعات التركية من نوع كيربي". وتسود تخوفات من هذه الخطوات التي تقوم بها تركيا، تتمثل في أن تمنح "مساحة للتنفس للإسلاميين، وعودة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" إلى البلاد، حيث ترسخت الشكوك بعدما سجلت أوساط عسكرية أمريكية ارتفاعًا في عدد عناصر التنظيم بالتزامن مع إرسال تركيا مرتزقتها إلى البلد". كما أن التحركات التركية ستسهم، حسب مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، في "تعقيد حل الصراع الليبي، وظهر ذلك في انتقادات أممية للدور التركي؛ فقد شدد غسان سلامة، في حوار له في 21 يناير الجاري مع قناة تلفزيون 218 الليبية، على أن أردوغان تعهد في البند الخامس من بيان مؤتمر برلين الختامي بعدم التدخل في ليبيا، وعدم إرسال قوات أو مرتزقة إلى ليبيا". ووفق المصدر نفسه، فإن هذا التدخل التركي سيفتح "أكثر من جبهة قتال في الوقت نفسه لاستنزاف الجيش الوطني الليبي، وتشتيت قواته؛ وهو ما يضمن تقليص خسائر حكومة الوفاق، التي تعاني ضعفًا في قدراتها العسكرية وتعتمد على المهارات القتالية لميليشيات مصراتة". ومن شأن انتشار هؤلاء المقاتلين المرتزقة أن يؤدي الى الانقسام الجغرافي في ليبيا؛ ذلك أن الجيش الوطني الليبي قد يضطر إلى وقف المعركة، وتأمين مكتسباته الحالية على الأرض، وهو الأمر الذي يعني في جوهره استمرار الانقسام الجغرافي للدولة الليبية، واستمرار تقسيمها إلى كيانين، الجزء الشرقي والجزء الغربي.