من تابع إبداعاته، يقسم بأغلظ الأيمان أن رحم الكرة المغربية لم تنجب مثيلا له. ومن عايش زمانه، يتباهى بأنه استمتع بدقة تمريرات "العَشَرة السمراء". ومن تلذذ بتحركاته، يجزم بأن باقي الأجيال لم تتذوق بعده كرات حُلوة كتلك التي كانت تصنعها قدماه. هو "حمودة" التيمومي، من مواليد 1960، توحدت دعوات المغاربة له بالعمر المديد بعد خبر الوعكة الصحية التي ألمت به مؤخرا، التقط حمى "المستديرة" منذ سن السادسة بين ساحات حي تواركة في الرباط. بمباريات متتالية مع الأقران، وبفنيات تمتع العيان، استطاع أن يلج القصر الملكي ويلعب الكرة مع الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك)، رفقة أبناء الحي، كل عشية يوم جمعة. اقتنع محيطه بأن موهبته لا يجب أن تبقى حبيسة "الحومة"، وأن "الجوهرة السمراء" لا بد أن تصقل، ليلتحق بذلك إلى "صغار" اتحاد تواركة. تدرج في الفئات ليبلغ محطة الفريق الأول سريعاً عن سن ال17، بضغط من الجمهور "التواركي" الذي أصر آنذاك على ضرورة إلحاقه بالكبار نظير المستويات التي كان يقدمها مع الفئات السنية، كل ذلك تحت أنظار غاي كليزو، مدرب المنتخب المغربي والجيش الملكي حينها. تحركات التيمومي وتمريراته التي تسر الناظرين، وتمنح حلولاً للمهاجمين، لفتت أنظار المدرب حسن أقصبي مع فتيان المنتخب المغربي، فكان استدعاؤه ومشاركته في دوري "لاكروا" في فرنسا بمثابة المنعرج الذي فرض تخليه عن الدراسة للتفرغ للتنقلات مع المنتخب خارج البلاد. في تلك الفترة، قرر كليزو أن الوقت قد حان لاستقدام "حمودة" إلى الجيش، بعد متابعته عن بعد لسنوات متتالية مع اتحاد تواركة واستدعائه إلى المنتخب الأول. 1979، وهو في عمر 19 سنة، وجد التيمومي نفسه في الفريق "الملكي"، إلى جانب خليفة، وواديش، ومولاي الطاهر، ودحان... والسؤال كان كيف لهذا الفتى أن يثبت مكانته بوجود هؤلاء؟ فكان الجواب أن التيمومي دخل رسمياً في أول مباراة له مع الجيش آنذاك. ولأن لكل بطل حكاية حزينة، فالتيمومي، وفي عز كتابته لفصول هامة من حكايته مع الجيش والمنتخب، تعرض لكسر مزدوج على مستوى الكاحل مع "العساكر"، بعد تدخل عنيف، سيغير مسار أفضل "10" في تاريخ الكرة المغربية، من طرف عبد الله جمال، لاعب الزمالك المصري، في مباراة نصف نهائي كأس أبطال إفريقيا 1985. تسرب الشك لمكونات المنتخب المغربي آنذاك الذي كان يستعد لكأس العالم 86 بالمكسيك، ساد الترقب وعم قلق، لكن الملك الراحل الحسن الثاني أنهى كل ذلك بأمر واحد: "جهزوا التيمومي!" تعليمات الملك آنذاك كانت صارمة بتخصيص رعاية خاصة للتيمومي؛ فالمونديال لن يحلو في غياب حمودة. تضافرت جهود الطاقمين الطبي والتقني، حظي الفتى الأسمر بتداريب خاصة، وكان اهتمام الملك وحده "جبيرة" تَوَلّت أمر الكسر؛ فغدت نفسية محمد جاهزة للتجاوب مع العلاج والعودة للدفاع عن قميص "الأسود". كان له ذلك، فأقنع وأمتع في المكسيك ولو بنصف مستواه المعهود نتيجة الإصابة، وشرع المونديال الباب أمام التيمومي لولوج عالم الاحتراف. احتراف لم يتم تدبيره بشكل جيد، موسم في موريسيا الإسباني وموسمان في لوكرين البلجيكي والسويق العماني. مسار لم يكن في قيمة ما كان يتطلع إليه التيمومي ومن تتبعوه. تبعات الإصابة فرملت اندفاعاته، وأوقفته في أقرب محطة لإعطاء التمريرة النهائية ختاما لمشواره بعدما عاد إلى الجيش ثم الأولمبيك البيضاوي. ولأن تمريراته اخترقت القصر في وقت سابق، وانسيابيته جعلته يلعب الكرة مع ولي العهد محمد السادس لفترات طويلة، فإن أزمة الرجل الصحية لم تمر مرور الكرام؛ فقد لفت عكازه خلال حفل افتتاح "مركز محمد السادس" بالمعمورة انتباه الملك الذي استفسر بإلحاح كبير عن الوضع الصحي لأفضل صانع ألعاب في تاريخ الكرة الوطنية، وأعطى تعليماته للعناية به. التيمومي، الذي كانت تمريراته بلسما لداء نقص المتعة الكروية، بالكاد يستطيع اليوم الابتسامة، بعد تعقيدات خطيرة عرفتها العملية الجراحية التي خضع لها في إحدى مصحات فرنسا. عند اشتداد مرضه، تذكر عشاق المستديرة التيمومي. هكذا هي الجواهر، كلما احترقت بأشعة الشمس ازدادت بريقا.