أكد مسؤولون مغاربة وعالميون على أهمية أنسنة ظروف الاعتقال وضرورة احترام حقوق الإنسان بالسجون العالمية والمغربية كذلك؛ وذلك خلال المنتدى الإفريقي الأول لإدارات السجون وإعادة الإدماج المنظم على مدى يومين بالرباط. وفي هذا الإطار قال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، إن عقد المنتدى يأتي في سياق معانقة المغرب لبعده الإفريقي في مجالات تحظى باهتمام دول القارة، وتهدف إلى توحيد الرؤى والجهود لتنهض القارة وتأخذ مستقبلها بيدها. وتحدث رئيس الحكومة في كلمته خلال افتتاح المنتدى عن خصوصيات دول القارة الإفريقية وهدف التكامل بينها لاعتماد مقاربة تشاركية في مجال تدبير الاعتقال، مضيفا: "القارة مطلوب منها أن تأخذ مستقبلها بيدها والحرص على أمننا وأمن جيراننا، لأن الاستقرار والأمن هو السبيل إلى تحقيق الازدهار والتنمية". وتحدث العثماني عن أهمية تطوير الشأن السجني وأنسنة الفضاء السجني وحفاظه على حقوق الإنسان، قائلا إن "الوسط السجني فضاء لتنفيذ القرارات القضائية والمخططات الهادفة إلى الحماية الاجتماعية بمختلف مكوناتها؛ وبالتالي فهو جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية، وأرضية لتنفيذ السياسات الحكومية والالتزامات الدولية في مجال احترام منظومة حقوق الإنسان". وأردف المسؤول الحكومي ذاته بأن "المغرب يظل يحرص على تطوير قطاع العدالة بناء على دعوة الملك في عيد العرش سنة 2008، وخطابه في غشت 2009 الذي حدد محاور الإصلاح؛ ناهيك عن الالتزام بمبادئ الدستور"، وأضاف: "عرفت السياسة الجنائية تعديلات واسعة، وشهدت المملكة انخراطا في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان من خلال المصادقة على الاتفاقيات ذات الصلة، ومناهضة كل أشكال التعذيب والمعاملات الحاطة بالكرامة الإنسانية". ولم يفوت رئيس الحكومة الفرصة دون أن يعدد الإصلاحات التي اعتمدتها البلاد على مدى السنوات الماضية، مشيدا بالعفو الاستثنائي عن 200 سجين من الأجانب المنحدرين من إفريقيا. من جانبه قال محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إنه "ليس هناك أي تعارض بين الجهود المتواصلة من أجل أنسنة ظروف الاعتقال، لاسيما ما يتعلق بالمعاملة الإنسانية للسجناء، وبين المتطلبات الأمنية التي ينبغي أن تستجيب لها إدارة السجون". وقال التامك في كلمته الافتتاحية: "إن المتابعة القضائية للمواطنين أو إدانتهم بأي عقوبة سجنية كانت لا تعنيان بأي حال من الأحوال تجريدهم من المواطنة، ولا حرمانهم من كرامتهم الإنسانية، بل إن التوجه الإصلاحي في تدبير الساكنة السجنية يحتم على المسؤولين في قطاع السجون وإعادة الإدماج الحرص على أنسنة ظروف الاعتقال، واعتماد مقاربة خاصة في معاملة السجناء تقوم على احترام حقوق الإنسان وإعطاء الأولوية للتهذيب والإصلاح". وأكد التامك على ضرورة "ألا تمس المقاربة الأمنية في تدبير السجون بأي حال من الأحوال بالسلامة الجسدية والمعنوية للسجين". وأبرز المتحدث ذاته أن قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج لا يستطيع بإمكانياته الذاتية إعداد السجناء لإعادة الإدماج، قائلا إن "أحد الإكراهات الأساسية التي يواجهها هذا القطاع هو ضمان انخراط فعال ومستمر للقطاعات المعنية، وبالأخص القطاعات المكلفة بالتربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني والتشغيل والشباب والرياضة، والأسرة والصحة والثقافة والصناعة التقليدية، إذ يكتسي انخراطها أهمية كبرى بل وضرورة ملحة ما دام أنه يفترض في كل واحد منها التوفر على الخبرة اللازمة، وعلى الوسائل المادية واللوجستية الضرورية لوضع وتنفيذ برامج إعادة التأهيل الخاصة به". وعدد التامك التحديات المرتبطة بإدارة المؤسسات السجنية التي يواجهها قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج، قائلا: "تتجلى هذه التحديات في كل إفريقيا، وخاصة منطقة الساحل وجنوب الصحراء، في ظهور شبكات يتداخل فيها الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة"، وزاد: "تستفحل أنشطة هذه الشبكات أكثر في المناطق غير المؤمنة وسهلة الاختراق، وهذا وضع مثير للقلق لأن هذه التنظيمات الخارجة عن القانون تسعى إلى إضعاف الدول، وهو ما يشكل في حد ذاته تحديًا أمنيًا إقليميًا مقلقًا للغاية. علاوة على ذلك فإن النمو الديموغرافي والحضري والنسبة المهيمنة لفئة الشباب في البنية السكانية للبلدان الإفريقية، من جهة، والمشاكل الاقتصادية والسوسيو-اقتصادية والسوسيو-تربوية التي تعاني منها هذه البلدان، من جهة أخرى، تشكل مجموعة من المتغيرات التي من شأنها أن تشكل أسبابا موضوعية لارتكاب أنواع متعددة من الجرائم والجنح، وبنسب مقلقة". وتابع المتحدث ذاته: "موازاة مع هذه التحولات فإن التقدم التكنولوجي في مختلف المجالات، لاسيما في مجال المعلومات والاتصال، وتمكن فئات عريضة من السكان، لاسيما الشباب، وعلى نطاق واسع، من الاستفادة من هذه الوسائط التكنولوجية، أدى إلى ظهور مجموعة من الممارسات الإجرامية المتطورة، خاصة الجرائم الإلكترونية"، مردفا: "إن الآثار المتفاقمة لهذه العوامل تحتم على بلداننا وضع منظومة للعدالة الجنائية، وبالأخص منظومة سجنية، تكون قادرة ليس فقط على ضمان الأمن العمومي وحماية الأفراد وممتلكاتهم، بل أيضا على إعداد وتنفيذ إستراتيجيات لتهييء السجناء لإعادة الإدماج وإحداث البنيات والمرافق الضرورية للحد من حالات العود". من جانبها تطرقت ليزا ليزشورت، ممثلة لجنة الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب، للدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات السجنية في تزايد تطرف السجناء. وقالت ليزشورت إن "السجن يمكن أن يكون بمثابة حاضرة لتشجيع الإرهاب"، مشددة على وجوب اتخاذ حلول لإعادة احتواء السجناء على خلفية قضايا الإرهاب، وشددت على أن "المؤسسات السجنية عليها إيلاء الاهتمام لمكافحة الإيديولوجية القائمة على العنف". وأكدت الخبيرة الأمنية أن مواجهة الإرهاب تتطلب جهودا مبذولة وإرادة من أجل إزالة كل المعيقات والعراقيل، "وتشجيع مبادئ حقوق الإنسان واحترام الكرامة". وتحدث كامب جيرمياس ارموند، رئيس جمعية إصلاح السجون الإفريقية، عن تحدي عصرنة السجون وإعادة الإدماج، قائلا إنه لا بد من "تركيز الجهود على حسن تقييم الوضعية حتى نفهم النقائص ونقاط القوة". رئيس الجمعية التي يقع مقرها بزامبيا قال إنه "لا بد من مزيد من أنسنة قوانين إدارات السجون ومزيد من عقلنة الإدارة في احترام تام لحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية للمعتقلين، مع تحيين شروط العمل بشكل دوري".