ثمة تحولات إقليمية طارئة ومتغيرات دولية معقدة تستدعي التحليل والبحث بغية استشراف خريطة التموقعات والتحالفات بالنسبة إلى المملكة، لا سيما أن بعض المناطق الحيوية كالرقعة المغاربية تعيش على إيقاع تجاذبات وتقاطبات سياسية وعسكرية غير مسبوقة. إن محاولة فهم وتحليل الدوافع والمحددات التي تؤثر في صناعة القرار المغربي على المستوى الخارجي تستلزم وضع السياسة الخارجية المغربية تحت المجهر خلال السنتين الأخيرتين؛ بالنظر إلى حالتي "الانكماش" و"التردد" اللتين طبعتا تعامل المملكة مع بعض الملفات والقضايا الإقليمية الحساسة التي تمس أمنه القومي وموقعه ومركزه المغاربي والإفريقي وعلى الحوض المتوسطي. محطات وأحداث ومؤشرات عديدة تؤكد أن ثمة تراجعا بطعم الرتابة والتراخي بات ينخر الجسد الدبلوماسي المغربي، خاصة فيما يتعلق بالاختيارات والتموقعات إزاء الملفات الطارئة كالملف الليبي والخليج في ظل بروز نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. من الناحية النظرية، يمكن الاستعانة ببعض النظريات التي تهم حقل السياسات الخارجية، باعتباره حقلا فرعيا ضمن حقل العلاقات الدولية، من خلال استحضار بعض المقاربات والتفسيرات، سواء التي تعتبر السياسة الخارجية هي نتاج تفاعل بين العوامل الدائمة والمؤقتة وتقلبات البيئة الدولية، أو المقترب الذي يركز على تأثير متغير القيادة السياسية في صنع وتوجيه السياسة الخارجية.. وهنا، لا يمكن دراسة صنع القرار بمعزل عن الدراسات النفسية والاجتماعية. وبالعودة إلى السياسة الخارجية المغربية في السنتين الأخيرتين، يلاحظ أنها اتسمت بثلاث خصائص أساسية: أولا، تراجع على مستوى إيقاع ودينامية اللقاءات والتحركات. ثانيا، الانكماش والانزواء إلى الوراء على المستويين الإقليمي والعربي. ثالثا، التموقع ضمن خانة "عدم الاصطفاف"؛ وهو ما جعل الرباط تنتج مواقف رمادية غامضة ومتدبدبة إزاء ملفات عديدة. وقبل الخوص في كيفية تعاطي المغرب مع التحولات الإقليمية والدولية، لا بد من الإشارة إلى أن محددات التأثير والقوة والقدرة على المناورة في المجال الدبلوماسي، بغية التموقع بشكل جيد على مستوى خريطة التحالفات والتوازنات في ظل المتغيرات الجيوسياسية، ترتبط بشرطين أساسيين : - الأول دينامية وحركية قائد الدولة على المسرح الدولي، أجندة اللقاءات، الزيارات، طبيعة وكيفية تصريف المواقف. - الثاني، مدى قدرة الجهاز الدبلوماسي على خلق هامش للتحرك والفعل والمبادرة ضمن خريطة ومناطق الاشتباك والتنافس والصراع. وارتباطا بهذين الشرطين، فالأنشطة واللقاءات والأجندة الملكية التي تشكل دعامة قوية للعمل الدبلوماسي كانت محدودة سنة 2019 من الناحية الكمية والنوعية مقارنة بالدينامية التي سجلت خلال السنوات السابقة، حيث لم تسجل أية زيارة عمل خارجية للملك؛ فيما لم يتجاوز مجموع اللقاءات داخل المملكة سبعة استقبالات، فيديريكا موغيرني الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، ووزير خارجية روسيا، العاهل الاسباني، الأمير البريطاني هاري وعقيلته، الملك الأردني، البابا فرانسيس، المستشار الأول لترامب جاريد كوشنير. أما على صعيد تحركات الجهاز الدبلوماسي، فقد سجل أن ثمة حركية ودينامية على مستوى تدبير ملف الوحدة الترابية، خاصة فيما يتعلق بالجانب الدعائي والتكتيكي من خلال محاولة تكريس السيادة الإفريقية على الأقاليم الجنوبية عبر فتح قنصليات لدول إفريقيا في إقليمي العيون والداخلة من طرف جزر القمر، غامبيا، الغابون، غينيا، إفريقيا الوسطى، ساوتومي، برنسيب؛ لكن، بالمقابل، عجزت الدبلوماسية المغربية على مجاراة التحولات الجيوسياسية، وبدا جليا وعدم قدرتها على خلق هوامش للفعل وإنتاج مواقف قوية وواضحة تجاه بعض الملفات الحيوية بالنسبة إلى المغرب. الملف الليبي.. من التردد إلى التموقع ضمن المنطقة الرمادية قام المغرب خلال سنتي 2013 و2014 بمجهودات دبلوماسية كبيرة تجاه الملف الليبي توجت سنة 2015 باحتضان المملكة "اتفاق الصخيرات" الذي تم توقيعه تحت رعاية الأممالمتحدة في مدينة الصخيرات بتاريخ 17 دجنبر 2015 بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر لإنهاء الأزمة، حيث بدأ العمل به من طرف مختلف القوى الموافقة عليه في 6 أبريل 2016. لكن، هذا الاتفاق الذي عوّل عليه مختلف الفرقاء من داخل ليبيا وخارجها، لإخراج ليبيا من أزمتها المتفاقمة، أضحى مع مرور الوقت مجرد حبر على ورق، لا سيما بعد تدخل أطراف دولية وعربية ودعمها للجنرال المتقاعد حفتر، إذ لم يتوقف الدعم عند حدود الاعتراف السياسي بهذا العسكري المتمرد، بل وصل الأمر إلى تقديم كل أشكال الدعم من سلاح وعتاد إلى مليشياته من طرف المحور الروسي/ الإماراتي/ المصري/ السعودي، ومحاولة شرعنة تدخلات تلك المليشيات محليا ودوليا في مواجهة حكومة الوفاق. وعندما اشتد الصراع والاشتباك العسكري بين حكومة الوفاق المدعومة سياسيا وإعلاميا من طرف قوى إقليمية ودولية عديدة كإيطاليا وتركيا وقطر والجزائر، وبين ميليشيات حفتر المدعومة سياسيا وعسكريا من طرف المحور الروسي الإماراتي/ المصري، اكتفت الرباط بترديد خطابات ومواقف محتشمة مناصرة لحكومة الوفاق باعتبارها من أبرز مخرجات اتفاق الصخيرات. ويمكن فهم وتفهم الموقف المغربي الرمادي المهادن لكافة الأطراف، بالنظر إلى التوازنات وصراع مراكز القوى الذي يخاض على الرقعة الإفريقية، لا سيما فيما يتعلق بتوسيع دائرة الحلفاء والمناصرين للوحدة الترابية؛ فقد شكل الموقف المصري المناصر للوحدة الترابية من خلال عدم عقد الترويكا طيلة السنة التي ترأس فيها السيسي القمة الإفريقية، أحد العناصر التي جعلت المغرب ينتج مواقف متوازنة إزاء الأزمة الليبية، دعم حكومة السراج، دون الاصطدام بالمحور المعادي لهذه الحكومة. معادلة صعبة ومعقدة أنهكت الرباط وأدخلتها ضمن خانة الدول غير المؤثرة في الصراع الليبي، إذ ستقع تغيرات لاحقا ربما ساهمت في تهميش الدور المغربي المفترض، خاصة بعد إقرار البرلمان التركي السماح بإرسال مساعدات عسكرية لتقديم الدعم لحكومة السراج في مواجهة الجنرال حفتر. تدخلات واشتباكات دبلوماسية وعسكرية أدخلت الملف الليبي إلى مرحلة جديدة، مرحلة تتطلب حد أدنى من الاصطفاف والتموقع وخلق هوامش لتحرك والمناورة وفق توازنات معينة، وتصريف المواقف بطرق دبلوماسية مؤثرة، سواء كانت ناعمة أو خشنة على الساحتين الدولية والإقليمية. إن نهج المملكة سياسة "عدم التموقع" إزاء العديد من الملفات الساخنة مثل الملف الليبي أفضت إلى حالة من الانكماش والتذبذب على مستوى المواقف والأدوار والاختيارات المغربية، ولم تدرك المملكة ذلك إلا عندما استفاقت على وقع إقصاء وتهميش مقصودين بشأن مؤتمر برلين. ثمة تحولات طارئة على المسرح الدولي عامة، والفضاء المغاربي خاصة، لم تتفاعل معها الدبلوماسية المغربية بالشكل المطلوب، أو لم تؤخذ بعين الاعتبار أثناء استقراء الأحداث وترتيب الأوراق وتشكيل المواقف، إذ دخلت تركيا على خط الأزمة الليبية عبر الدبلوماسية الخشنة منافسة بذلك التلويح المصري بالتدخل العسكري لدعم حفتر، وانفتاح سفارة أمريكا في طرابلس على كافة الفاعلين المحليين والدوليين، ومحاولة الجزائر العودة دبلوماسيا كلاعب أساسي على الرقعة المغاربية بعد انزواء اضطراري بفعل الأوضاع الداخلية وإكراهات الحراك الشعبي الذي يقارب السنة. من المؤكد أن الحسابات والتقديرات المغربية السابقة لم تسعف المملكة في التموقع بشكل جيد على رقعة الصراع الليبي، حيث بدت الجزائر أكثر حركية وإلماما بخيوط وتضاريس النزاع الليبي، بعدما تمكنت من حسم معركة التموقع بشكل مبكرا بالعكس الانتظارية والتموقع في الخانة الرمادية التي انتهجها المغرب، إذ بالموازاة مع الاصطفاف مع المحور التركي احتفظت الجارة الشرقية بمواقف توافقية وخطوط تماس مع أطراف المحور الآخر، خاصة مصر والإمارات. دينامية الجزائر وانفتاحها على كافة المحاور وسرعة تموقعها كلها خطوات لا تخلو من الحسابات والتكتيكات التي تندرج في إطار التنافس الإقليمي التقليدي مع المغرب، حيث غدت وكأنها تحاول إقصاء المملكة من أية مبادرة تجاه الأزمة الليبية، ومحاولة "توثيق وشرعنة" التدبير الإقليمي الحصري للملف الليبي بعيدا عن أي تنافس مغربي، على الرغم من المرجعية الأممية لاتفاق الصخيرات، حيث تمكنت من عقد اجتماع على أراضيها يوم 23 يناير من هذه السنة لوزراء خارجية 6 دول جوار لليبيا، وهي مصر وتونس والسودان وتشاد والنيجر، إلى جانب مالي، لبحث آخر تطورات الوضع ودعم مخرج سياسي للأزمة. إن مخرجات لقاء برلين وتراجع الدور المغربي على الرقعة المغاربية واستقبال الجزائر كافة أطراف المحاور المتصارعة خاصة رئيس تركيا ووزير خارجية الإمارات وقبله مصر، والحديث عن قيامها بوساطة بين تركيا والإمارات، هذا، بالإضافة إلى التنسيق الجزائري/ الألماني، كلها مؤشرات تؤكد أن المغرب بات على هامش النزاع؛ غير أن عودته وإعادة تموقعه ضمن دوائر التأثير باتت مشروطة بتجاوز العوامل وفك الخيوط والقيود التي أعاقته، والتي يمكن إجمالها في ثلاثة مستويات: الأول، إعادة النظر في نهج المملكة "سياسة اللا تموقع" في هذا الملف وفق الحسابات والتكتيكات والمحاذير التي سبق ذكرها. ثانيا، البحث عن دعامة ميدانية حاضنة للمغرب ضمن النسيجين الثقافي والعرقي الليبيي، مثل الجزائر، حيث تمكنت من اختراق مجموعة من القبائل الليبية، لا سيما أن هذه الأخيرة لا تزال تشكل رقما صعبا في المعادلة السياسية والعسكرية والأمنية، حيث عملت هذه القبائل بعد الإطاحة بمعمر القدافي في فبراير 2011 على تشكيل تنظيمات مسلحة بديلة عن الجيش والشرطة في ظل الفراغ المؤسساتي السائد. وتبعا لذلك، لا يمكن الوصول إلى حل أو توافق بعيدا عن المكون القبلي الذي يعتبر مكونا أساسيا ومؤثرا في المشهد السياسي والاجتماعي. ثالثا، مراجعة العلاقة مع دول الخليج أو إعادة تدبيرها وفق محددات وأساس جديدة، لأن تداعيات وتفاعلات هذه العلاقة خاصة مع الإمارات والسعودية من المؤكد أنها أرخت بظلالها على التحالفات والتوازنات تجاه الملف الليبي. المغرب ودول الخليج.. تحولات هواجس وحسابات لا تزال حالة الفتور والبرود سائدة على مستوى علاقة المغرب ببعض دول الخليج، على الرغم من الزيارات الخاصة وتبادل الرسائل والتهاني في المناسبات، إذ لا تزال تداعيات الموقف الحيادي للمغرب تجاه الأزمة الخليجية التي وقعت سنة 2017 حاضرة في كواليس الغرف المغلقة وفي ذهنية حكام تلك الدول ومؤثرة في صناعة خريطة التحالفات وتشكل المواقف واختيار التموقعات. من الواضح أن المملكة حاولت، بعد تبديد غيوم الأزمة التي مرت بها العلاقة مع كل من السعودية والإمارات، أن تضع العلاقة مع هذه الأطراف ضمن خانة "الأصدقاء" بدل الحلفاء أو الخصوم، وحرصت على اجتناب الاحتكاك أو الاصطدام معهما في بعض الملفات والقضايا، بدافع عدم فتح جبهات جديدة قد ترهق المملكة وتشوش على المسارات والإنجازات التي حققت على الرقعتين الإفريقية وأمريكا اللاتينية بخصوص ملف الوحدة الترابية؛ بالنظر إلى التحولات الجيوسياسية التي يعيشها المنتظم الدولي. إن تدبير العلاقة مع بعض الأطراف الخليجية وفق مستويات معينة متحكم فيها لم يكن سهلا بالنسبة للمغرب، إذ تطلب الأمر تقديم بعض التنازلات غير المعلنة وغض الطرف واللامبالاة تارة والتجاهل وعدم المجاراة تارة أخرى، مثل عدم التموقع في الأزمة الليبية بشكل قوي مع وجود إمكانية التنسيق مع مصر بشكل استثنائي، بالإضافة إلى الاكتفاء بمراقبة التقارب الإماراتي الجزائري دون الرد عليه من خلال التموقع ضمن المحور التركي، على الرغم من توفر كافة الشروط لحدوث هذه الإمكانية. هذا بالإضافة كذلك إلى مسايرة التمدد الإماراتي اقتصاديا وعسكريا ضمن المجال الحيوي للمغرب على حدوده الجنوبية، من خلال شراء ميناء نواديبو وبناء قاعدة عسكرية في موريتانيا وليبيا. إن الكلفة الإجمالية لحرص المملكة على عدم الاحتكاك بحلفاء الأمس الخليجيين تبقى مفتوحة على كافة الاحتمالات والسيناريوهات؛ لكن، من المؤكد أن هذه الكلفة وفق السياق الراهن سوف تضعف وتساهم في التراجع على مستوى التأثير أو النفوذ المغربي على الرقعة المغاربية، إذ أضحت التوازنات مختلة بفعل المتدخلين الجدد، لاسيما بفعل تضارب وعدم توافق مواقفهم مع التوجهات والسياسات المغربية في المنطقة. أمام هذا الوضع المعقد، وعوض الانتظار والمسايرة، قد يكون من المفيد مراجعة هذا التوجه وإعادة التأسيس لرؤية جديدة خالية من الحسابات والهواجس الراهنة المبالغ فيها، إذ الدفاع عن المصالح وإنتاج المواقف يخضع باستمرار للعوامل والمتغيرات المؤقتة والدائمة في العلاقات الدولية؛ فعلى الجانب الآخر، ومنذ حدوث الأزمة الخليجية، فقد وقعت تحولات عديدة أثرت على موقع ومكانة بعض النظم الخليجية. وارتباطا بذلك، فما يزكي عدم صوابية ومبالغة المغرب في تقدير واستشراف سقف التحول على مستوى مواقف بعض هذه الأطراف الخليجية، وحرصه الدائم على عدم انفلات الأمور وانتقال هذه العلاقة إلى درجة العداء، أن ثمة اعتبارات أساسية؛ أهمها وجود مؤشرات لا يمكن القفز عليها، خاصة فيما يتعلق بتمادي تلك الأطراف في إنتاج مواقف وسياسات تقزم دور المملكة إقليميا وإفريقيا، ومحاولة حصره في الزاوية. كما أن مقتضيات التخطيط الإستراتيجي تستلزم استحضار كافة التحولات واستثمار بعض الأوراق والملفات في عملية الضغط والتفاوض والتوافق وإعادة ترتيب وبناء العلاقات وفق تصورات جديدة قائمة على الندية والتنافس بدل الارتكان إلى الصمت والمسايرة بدعوى تفادي الاحتكاك وانفلات الأمور. فمن خلال إلقاء نظرة سريعة على تلك المنطقة، يتضح أن بعض دول الخليج خاصة السعودية والإمارات تعيش على إيقاع عزلة دولية غير مسبوقة، خاصة بعد مقتل الصحافي خاشقجي ورفض ترامب الانخراط في أية حرب ضد إيران بعد ثبوت وقوفها وراء الهجمة التي تمت سنة 2019 على المنشآت النفطية الحيوية للسعودية "أرامكو". مؤشرات عديدة تؤكد عزلة أو التراجع على مستوى النفوذ والتأثير لهذين البلدين الخليجين في المجالين الإقليمي والدولي، ويبقى أبرزها: تفكك التحالف الخليجي الذي كانت تقوده السعودية، بعدما تراجعت بعض الدول الخليجية عن مواقفها السابقة إزاء الأزمة القطرية /السعودية الإماراتية، حيث صارت معظم هاته الدول تتبنى موقف الحياد إن بشكل علني أو ضمني خاصة الكويت وسلطنة عمان. -ضعف التحالف السعودية الإماراتي، حيث بدا جليا بعد الضربات الإيرانية الأولى خلال السنة الماضية لبعض السفن الإماراتية والسعودية بالقرب من بعض الممرات البحرية، أن هذا التحالف هش ولا يملك أي تصور أو رؤية لمواجهة والتصدي للتهديدات الإيرانية. بالعكس من ذلك، سارعت الإمارات إلى عقد اتفاقات بشكل منفرد مع إيران لحماية منشاتها وضمان مرور سفنها. كما أن الحرب على اليمن كشفت وعرت كذلك عن ضعف وهشاشة هذا التحالف، وافتقاره لتصور أو رؤية واضحتين. الرفض الأمريكي الصريح للانخراط في أية حرب للدفاع عن أمن الخليج، وهذا الأمر يرتبط أساسا بالتحول الإستراتيجي المهم على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية، إذ لم يعد النفط والمنطقة الخليجية ضمن مرتكزات ودائرة اهتمام المؤسسات المؤثرة في صناعة القرار الأمريكي (البنتاغون، الخارجية).. رفض مصر الزج بجنودها للدفاع عن أمن الخليج، خاصة أن الجيش المصري لا يصنف إيران ضمن خانة المنافسين الإقليميين أو الأعداء الإيديولوجيين كالنظام التركي الحالي. على الرغم من هذه التحولات والمتغيرات الإقليمية والدولية، لوحظ أن المغرب ظل يتابع ويراقب عن كثب الأوضاع في الخليج، واكتفى بإصدار بلاغات تضامنية متأخرة في بعض الأحيان، مع الحرص على نهج سياسة النأي بنفسه عن تلك المتغيرات قدر الإمكان؛ لكن، بالمقابل، لم يستطع بلورة مواقف وسياسات لإخراج العلاقة مع هذه الأطراف من دائرة الغموض والتوجس، أو على الأقل الحسم في كيفية التعاطي مع الممارسات والاستفزازات التي باتت تهدد أمنه القومي، وتؤثر عليه بشكل غير مباشر في تحركاته وتموقعاته. في الأخير، إن إصرار المملكة على نهج سياسة "عدم التموقع" في ظل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وفق قراءات ومسوغات آنية وظرفية تتعلق بصيانة المكتسبات الخاصة بالوحدة الترابية، أتثبت الأزمة الليبية عدم صوابية ونجاعة هذا التوجه، لا سيما أن السياسة الخارجية للمغرب في عهد الراحل الحسن الثاني كانت مؤثرة ونشيطة في ملفات عربية وإفريقية عديدة بالرغم من حالة الحرب التي كانت تدار على حدوده ضد دول عديدة. *أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاضي عياض