رسالة إلى كل " جبان " يريد أن يأخذ حقه بحرق نفسه من مقامات مفجوع الزمان الجوعاني : حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني ، فقال : لأنني ابن عاصمة إسمها " الرباط " ، كنت كلما ضاقت نفسي من حر السياطْ ، وكلما مللت من مشاريع النظام والبلاطْ ، وكلما تذكرت سقراطا و" أبوقراطْ " ، وكلما تمعنت في دوافع الكآبة وأسباب الإحباطْ ، إلا وفتشت عن خل حبيبْ ، يشفي بما عنده من كلام عجيبْ ، جراح قلب حزين كئيبْ ، ولأنني سمعت بالأمس ما لا يعجبْ ، أسرعت الخطى إليه قبيل المغربْ ، فوجدته في سوق " لا يُرهبْ " ، يستحضر روح عمرو بن معد يكربْ ، للبؤس يُذهبْ ، وللبسمة يجلِبْ ، يضحك الناس ولا يكذبْ ، يهجو مسؤولا بهجاء أهل المغربْ ، ويذم آخر بلسان من يثربْ ، فما إن رآني أشير عليه بالانتهاءْ ، حتى أسرع في إبادة حروف الهجاءْ ، وقال للجميع بأسلوب يجمع بين المدح والرثاءْ ، أطيلوا معنا ها هنا البقاءْ ، فإنه ثمة أشياء وأشياءْ ... وحين قصصت عليه ما تناهى إلى مسمعِي ، وهيج دمعي وفتت أضلعِي ، وكبل لساني وقض مضجعي ، قام فقال بأعلى صوتهْ : يا مفجوع زمانه ووقتهْ ، ويا مستبدلا حياته بموتهْ ، ويا من قمعوا صدى صوتهْ ، ربكم الغفار الجبارْ ، وحده من يعذب بالنارْ ، وإياكم أعني فاسمعوا يا أيها الأحرارْ ، " آخر الدواء الكيّْ " ، مثل عربي قديم حيّْ ، به يتبين الرشد من الغيّْ ، فمن شاء فليحرق ذاتهْ ، ومن شاء فليستعجل مماتهْ ، ومن شاء فليواجه بقوة حياتهْ ، وإني أقولها ولا خوف علي من الهذيانْ ، جبان جبان جبان جبانْ ، من أشعل في نفسه النيرانْ ، ليواجه بذاك الفساد والطغيانْ ، وذليل كل الذلّْ ، من على الإحراق دلّْ ، أو رأى فيه أكبر حلّْ ، ولا تقاطعني يا مفجوعْ ، واسمعني بعقلك يا أيها المقموعْ ، فإني على ما جرى أذرف الدم لا الدموعْ ، وإني لما تفكر فيه أبدي الأسفْ ، وأرمي عقلك بمعرة التلفْ ، وإليك نصح من للنضال احترفْ ، فخذه بشدة مجانا من غير سلفْ ... أي نعم هنا يعجز الصبر عن الصبرْ، وهنا يغني القهر للجمرْ، وهنا تمسخ الوجوه مع مطلع الفجرْ، وهنا تعصر العروق مع آذان العصرْ، وهنا تنتحر الكلمات أمام غصة البوح بالجهرْ، وهنا يفشل اللسان عن التعبير عما يخالج الصدرْ، وهنا يقمع الصوت في كل شبرْ ، وهنا تكثر الوعودْ ، ويكثر معها أصحاب الأخدودْ ، وتكثر الشواهد والمشاهد والشهودْ ، فهل ذا وهل ذي يا كارها للجحودْ ، حجج تكفي لإهداء نفسك النار ذات الوقودْ ؟؟؟ يا مفجوع لا تتسرع في الجوابْ ، ويا مقموع تذكر رب الأربابْ ، فهو الفتاح لما أغلق من الأبوابْ ، واسمعها مني إن كنت تريد إحراقا لنفسكْ ، أنت مفلس تبحث عن فلسكْ ، بل أنت ضعيف لم تقوى على حبسكْ ، مقلد لا تبدع كبقية جنسكْ ، قلتَ ومن الحزم سوء الظنّْ ، لم لا أكون " بوعزيزيا " به الغير يستنّْ ، ولم تقل وهذا أغلب الظنّْ ، لم لا أكون كفلان بن علانْ ، كان مفجوعا ذات زمانْ ، فقيرا يشهد على حاله البؤس والحرمانْ ، دكتورا ذا شهادة عالية في الميزانْ ، أعياه طرق أبواب الوزير والسلطانْ ، وقال لنفسه في نفسهْ ، " ما حك جلد الفتى مثل ظفرهْ " ، وما انتظر يا ابن أبيه وأمّهْ ، وظيفة من نظام شره أعظم من خيرهْ ، بل فتش عن أسباب للرزق لا تهونْ ، ووضع ثقته فيمن أمره بين الكاف والنونْ ، وما استسلم لأفكار محرقة لأصحابها تخونْ ... يا مفجوع تمهل ولا تسرعْ ، فالقياس للمنتحرين الجدد قد يقنعْ ، ويا مقموع ناضل و ندد و أسمِعْ ، ... حقك وأنا معك مع سبق الإصرارْ ، لكن اسمعني فأنت مخطئ في القرارْ ، ... لا داعي للانتحارْ ... ، قل لا للتتارْ ، لا للمفسدين الفجارْ ، لا لكل ما يفجعك بالليل والنهارْ ، قلها بالصوم كما بالإفطارْ... قلها ولا تخفْ ، قف مع من وقفْ ، إنزف كمن نزفْ ، حقك والنضال في سبيله شرفْ ، ... لكن لا داعي لما لا ينفع فيه الأسفْ ... يا مفجوعا عليه الحرقة تتقدّرْ ، دع عنك تبرير ما لا يبرّرْ ، ولا تصنفني في خانة من تقهقرْ ، واسأل معي من بالنار تسعّرْ ، ومن بالبنزين تدثرْ ، هل بهذا الفعل سنتحررْ ، وهل بفعل " أحرق " ظلم ذوي السلطة سيتكسرْ ، وهل بالبنزين فقط كل نضال يكتب ويسطرّ ؟؟؟؟ يا مفجوع: تمعن وابحث عن السببْ ، ويا أخا لي في المدارس قد قرأ وكتبْ ، ومن الجامعات للشواهد العليا اكتسبْ ، ... يا من جد وكد وتعبْ ، ويا من يحلم بالفضة لا بالذهبْ ، ويا من بح صوته و لا من مجيبْ ، ويا من ذَاق قسوة البعيد والقريبْ ، ويا من احتار وسط هذا الوضع المريبْ ، أحس بك ورب المشرق والمغيبْ ، وأفهمك يا ابن الوطن الحبيبْ ، فافهمني إن كنت للحق تطلب وله تستجيبْ ، " آخر الدواء الكي لا الانتحارْ " ، فاختر يا ابن الأحرارْ ، هذا خيار وذاك خيارْ : إما أن تحرق نفسك وتنهارْ ، وإما أن تحرق أعصابهم بما لك من صمود وإصرارْ . يا مفجوعا بأخيه قد فجعْ ، غفر الله لمن بالنار لسِعْ ، وانتصر لمن بسوط البطالة ردِعْ ، ونفس كربة من في سلة النسيان جمِعْ ، ولك وله ولهم ولكل من قمِعْ ، أهدي أبياتا عمودها من الحرقة صنعْ ، قديمة نشرها هناك قد مُنِعْ ، أقول فيها والأجر على من له أمري رفِعْ : ما سر نجواك في الظلماء ياولدي = أسقمت قلبي فغير الهم لم أجِدِ تلك الدموع التي أخفيتها سلفا = أنهارها أغرقت في عمقها جسدي أحرقْت ذاتي بحال أنت راكبها= أفنيت عمري بصمت ذاب في الكبَد أسقيتني خمرة للقهر قد جلبت = عنوانها ” ودِّعِ الأحباب للأبد “تمشي على ساق أحزان وتكتمها = في لوعة ما جنت إلا على كبدي تهدي إلى الظلمة الصماء أغنية = صيغت ترانيمها بالفقر والنكد ترثي أفول النجوم العاليات ولا = ترثي لحالي وحال الأهل و الولدِ إيهٍ وآهٍ وأوهٍ منك قد خرجت = تتلو علينا بغم سورة المسدِ تحكي لنا عن شباب حائر ولِدت = في عصره خيبة للحظ لم تلدِ عن فتية كهفهم لا يبتغي رشَدا = عن كسرة صلبة تمشي مع الزّبَدِ عن صبية في بطون الأمهات أبوا = عيشا ذليلا على شبر بذا البلدِ عن مأتم يُفقد الأعراس بهجتها = يسطو على فرحة مسحوقة الغُدَدِ عن مصنع يحرق الأجساد في سقرٍ = لوّاحة تُثقل الأرقام في العَددِ عن دولة ساء صناع القرار بها = فاستعبدوا الناس بالأمراض والعُقدِ الجبر حكم لهم سادوا به علنا = والكسر عِلمٌ لهم يعتز بالفندِ الجهل خل لئيم نائم معهمْ = والغدر منهم إليهم دائم الخُلُدِ والقمع فيهم دم يجري ليسكتنا = والحرف منا لغير الخوف لم يَئِدِ هم أصل ما في بلادي من مؤامرة = هم سر نجواك بالظلماء يا ولدي قم كفكف الدمع يا ريحانتي فغدا = تأتيك أنباؤهم بالمتن والسندِ فرعون أعتى عتاة الأرض قاطبة= في ظلمة البحر أمسى غير مجتهدِ http://www.goulha.com