الانتقائية الغذائية أحد أبرز المشاكل والتحديات التي تواجه أسر أطفال التوحد، تختلف من طفل لآخر حسب ملفه الحسي، حيث تتحول الوجبة الغذائية إلى قلق وإحباط للأهل لصعوبة مشاركة الطفل وجبة الطعام والنفور منه. لتقريب الصورة أكثر: "علاقة أطفال التوحد مع الطعام كشخص يسافر لأول مرة إلى بلد جديد، كل شيء مختلف، الثقافة، العادات، أنواع الطعام ورائحته، طريقة التقديم، طريقة الأكل، المنتجات التجارية... هذه التجربة تخلق للشخص قلقا وحذرا يصل إلى درجة عدم تناول الطعام والاكتفاء بأنواع متداولة، كقطع شكلاطة، حليب، خبز ...". ما هي الانتقائية الغذائية: هي اضطراب الأكل الانتقائي، أو رهاب الغذاء، لا يركز على أي نظام غذائي متوازن، فالطفل يختار القليل جدا من الطعام، نفس النوع، اللون، الرائحة، الشكل، وكذلك التركيز على تفاصيل جد مهمة عند أطفال التوحد، كالاحتفاظ بالصحن نفسه، درجة حرارة الطبق، مكان الأكل، وقت الأكل، والأشخاص المتواجدين حول طاولة الطعام، فكل طعام جديد يشكل له قلقا، أزمة غضب، ويرفضه تماما، لسبب وجيه أنه ليس لديه ثقة في تجريب أي شيء جديد لا يعرفه. أعراض الانتقائية الغذائية: - دليل غذائي جد محدود من 10 إلى 15 نوعا من الطعام وأقل، مع رفض الأطعمة الصحية مثل الخضروات، الفواكه، اللحوم... - الاختناق عند رؤية وشم رائحة الطعام، الغثيان. - ملامح الاشمئزاز على وجه الطفل عند تقديم كل طعام جديد. - مزاجية الطفل، الأنين، البكاء. - الشعور بخوف شديد، الهرب، الانطواء. - رمي الأشياء، عنف، فوضى عند تجربة كل طعام جديد. أسباب الانتقائية الغذائية: - ضعف وحساسية في عضلات الفم والوجه. - صعوبة في بلع الطعام. - مشاكل في الجهاز الهضمي. - الملف الحسي للطفل. - إما فرط الحساسية (Hypersensibilité)، ينتج عنها عدم التحكم بشعور الشبع، شراهة على نوعية الأكل نفسه (سكريات، نشويات ...) مما يؤدي إلى السمنة المفرطة، أو نقص التحسس (Hyposensibilité)، تتمثل في عدم الاحساس بالجوع، رفض الأكل، بنية جسمانية هزيلة. - رهاب الغذاء (Néophobie Alimentaire). - صلابة الروتين، وقت الأكل ومكان الأكل، تجنب الأكل في أجواء اجتماعية، تتسبب لهم في ضغوطات نفسية. مضاعفات الانتقائية الغذائية: اضطراب الأكل الانتقائي يؤثر سلبا على نمو الطفل، وزنه خاصة، وعلى صحته الجسدية والنفسية عامة، مما ينتج عنه: - النحافة الزائدة أو السمنة المرضية، شحوب الوجه، ضمور عضلي. - اضطراب النوم، نقص الطاقة. - مشاكل الجهاز الهضمي: الارتجاع المريئي، التهاب الأمعاء، جرثومة المعدة، الإمساك الحاد، مغص وصلابة البطن. - الأنيميا بسبب نقص البروتين، نقص الفيتامينات، المعادن والسعرات الحرارية في الجسم يتسبب في عدم القدرة على التركيز والانتباه. - ضعف الجهاز المناعي، مما يعرضهم لخطر الإصابة بالأمراض والعدوى الفيروسية. - عند الإهمال وتفاقم الحالة، يبقى الحل هو إطعام الطفل بأنبوب المعدة (Gastrostomy Tube). طرق التدخل: التدخل العلاجي مع أخصائيين، التدخل الروتيني والتدخل الحسي العلاجي داخل البيت مع الأهل. التدخل العلاجي: يعرض الطفل على طبيب الأطفال للاطمئنان على صحته العامة، وأخذ وصفة طبية لبعض الفيتامينات، المعادن، أو المكملات الغذائية، والابتعاد عن فواتح الشهية لأنها لا تعدل السلوك الانتقائي، بل قد تنتج عنها أضرار جانبية. كذلك، مهم استشارة أخصائي التغذية ولو مرة في الشهر لمتابعة الحالة، ولحساب مؤشر كتلة الجسم (IMC). التدخل الروتيني داخل البيت مع الأهل "تقنية الوجبة العلاجية": تعتبر من أهم التدخلات الحديثة في مراكز العناية بأطفال التوحد، تقوم الأخصائية بتدريب الأهل لتسهيل المهمة داخل البيت، حيث يبقى دور الأهل هو الأسمى في حالة الانتقائية الغذائية، والطريقة السحرية للوصول إلى الأهداف المسطرة. الهدف من هذه الطريقة ليس الأكل مباشرة بل: التعرف على الأطعمة، زيادة الدليل الغذائي عند الطفل، خلق تجربة إيجابية للطفل، نسج علاقة ثقة بين الطفل وصحنه وكذلك مع أهله. - إلغاء كل المؤثرات الصوتية، وكل شيء يشتت انتباه الطفل. - احترام وقت الطعام، طاولة الطعام، وصحنه المفضل. - تبدأ الأم بتقديم وتعريف الطعام للطفل، لونه، تسميته، لمسه، تقطيعه بأشكال هندسية مميزة، عمل سيناريو. - السماح للطفل باللعب بالطعام لأنه في فترة اكتشاف لشيء جديد، فتقوم الأم بتذوقه دون إجباره على أكله. - ضرورة الابتكار والإبداع لجلب مزيد من المرح، وأن لا تكون حصة الوجبة العلاجية مملة للطفل. - مشاركة الطفل في التسوق، غسل الخضار، الفواكه وترتيبها. - تحضير لوحة للأطعمة المفضلة للطفل، وتشجيعه عند إضافة نوعية جديدة في قائمته المفضلة. - مشاركة الطفل في الطبخ، ليساهم في كل الخطوات التي يمر بها الطبق. - المساعدة في تحضير طاولة الطعام. - تصفح كتب الطبخ، فيديوهات والتركيز على الأطعمة الصحية. - اكتشاف مع الطفل هرم المجموعات الغذائية الأساسية. - إضافة البستنة كنشاط. - التعزيز (Reinforcement)، عند نجاح كل خطوة يعطى للطفل مقابل تحفيزي ليكون هناك دافع قوي للمتابعة والنجاح. التدخل الحسي العلاجي داخل البيت مع الأهل "تقنيات من العلاج الطبيعي": مساج لعضلات الفك، الوجه والرقبة، مهم جدا لتقوية المضاغات. - تمارين تعابير الوجه، (حزين، فرحان، مندهش...). - مساج البطن لطرد الغازات والتخلص من الإمساك الحاد. - تمارين التنفس البطني، والمشي في الهواء الطلق. - النفخ على أشياء خفيفة، (ريش، نفاخة، كلينكس...). - اللعب بالفقاعات الصابونية. خوف وقلق يسيطر على الأهل في بداية مسيرة التأهيل، وإعادة التأهيل لطفل التوحد صعبة وشاقة في بدايتها، تحتاج جرعات الثقة والعزيمة لاستمراريتها. طريق طويل تكون الأم حجره الأساس، الثقة والأمل اللذان تمنحهما لطفلها، تلعب كل الأدوار، مقنعة وملهمة.... وكلنا نعلم أن "مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة". تحياتي لكم أعزائي، نلقاءكم في مقال قادم عن "اضطراب النوم عند أطفال التوحد". *أخصائية علاج طبيعي عضو اتحاد المعالجين بكندا- اختصاص توحد- محاضرة ومدربة لأمهات أطفال التوحد حول العالم