تخطّى عبد الصمد بندحو 16 سنة من الاستقرار فوق التراب الألماني، البلد الذي قصده في ربيعه ال23، لكن ذكريات العيش على النمط المغربي لم تفارقه، آملا أن يستعيد ذلك مستقبلا. يبرز اسم بندحو في ميدان تطوير سيارات المستقبل بعدما أنضج شروطا تحقق ذلك معرفيا ومهنيا، لكنّه يربط مراميه بتجربة مغربية مبتغاة للمساهمة في تنمية الوطن الأمّ. العسكر والمعمار في العاصمة الإسماعيلية مكناس عانق عبد الصمد بندحو الحياة، وبين دروبها شبّ وترعرع وسط أسرة يحترف ربّها التجارة ليوفر حاجيات من هم تحت رعايته. تمدرس بندحو في ابتدائية حي السلام قبل الوصول إلى إعدادية ابن المنصف، ثم اختار شعبة العلوم التجريبية في ثانوية عبد الرحمان بن زيدان التي نال فيها شهادة الباكالوريا. حاول عبد الصمد ولوج الأكاديمية الملكية العسكرية ثم المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، لكنّ اسمه لم يكن ضمن لوائح الناجحين في اختبارات التكوين بهما. التعليم بدل التجارة يقول عبد الصمد بندحو إنه أراد إبراز قدراته الذاتية بعيدا عن الدعم المتوفر في أسرته، لذلك اجتاز مباراة دخول مركز تكوين المعلمين في مكناس بدل الاشتغال تاجرا بمعية والده. جرى تعيين "ابن مكناس" أستاذا للتعليم الابتدائي في منطقة ضواحي مدينة كتامة، وبها عمل موسمين دون التفريط في متابعة تعليمه العالي الذي قاده إلى جامعة المولى إسماعيل. "العمل معلّما كان أحسن تجربة في حياتي رغم قساوة الظروف الطبيعية بالعالم القروي، وقد علمتني هذه المرحلة الاعتماد على نفسي مثلما شحذت قدرتي على التحدي"، يقول بندحو. أصدقاء الهجرة يشدّد عبد الصمد على أن فكرة الهجرة لم تكن من بين مخططاته إلى أن عملت مجموعة من أصدقائه على قصد ألمانيا بغرض الدراسة، حينها تقرّب من إمكانيات التعليم العالي في هذا البلد. ويكشف بندحو أن استمرار تواصله مع أصدقائه الوافدين على ألمانيا جعله عارفا بما يمكن أن يحققه إذا تبع مسارهم نفسه، خاصّة أن حلم التحول إلى مهندس لم يفارق باله بشكل نهائي. ويعلق عبد الصمد بندحو على هذه المرحلة قائلا: "كنت أعي اقترابي من منعرج مؤثر على حياتي، لكنّني خلصت إلى كون صعوبات الاغتراب ليست أشدّ من العيش في ظروف البادية المغربية". الاندماج في ألمانيا برز عدم التواصل باللغة الألمانية أكبر مشكل أمام عبد الصمد بندحو وهو يصل إلى "بلد الجرمان"، لكنّه بدّد ذلك بإقباله على دراسة لسان دولة الاستقبال في زمن لم يتجاوز بضعة شهور. ويرى الوافد من ضواحي كتامة، سنة 2003، أن تجربته في حقل التربية والتكوين بالمغرب قد دعمت اندماجه في المجتمع الألماني، خاصّة أن ضوابط التعامل مع الناس تبقى هي نفسها إن توحّدت اللغة. كما يزيد بندحو أن "البيئة الألمانية تقدّم يد المساعدة للراغبين في التطوّر، وذلك ما أفادني منذ وصولي، وقد كان تحقيق الاندماج أمرا سهلا جدا في الحالة التي تعنيني". الهندسة الصناعية بعد تخطي الاختبارات التحضيرية، حظي عبد الصمد بندحو بالقبول في جامعة "كارلسروه" من أجل دراسة الهندسة الصناعية على أيدي علماء بارزين في هذا المجال. وحرص المغربي نفسه، خلال سنوات التكوين، على مخالطة الطلبة الألمان لنيل مساعدة في فهم المحتوى من جهة، والانخراط في التنافس مع نخبة متميزة من جهة ثانية. "كنت أوفر بعض المال من خلال الاشتغال وسط المؤسسة الجامعية التي أدرس بها، وتأتى هذا من خلال الإشراف على الأعمال التوجيهية لطلبة في المستويات الأولى"، يذكر بندحو. تخصص في فرنسا تواجد اسم عبد الصمد بندحو بين الطلبة الممنوحين لدراسة الهندسة الميكانيكية في العاصمة الفرنسية، بارزا كأجنبي وحيد من بين الألمان الذين سيطروا على اختبار الاستحقاق. يستحضر المكناسي عينه ما تم وقتها بقوله: "كنت أحضّر لإمكانية الرجوع إلى المغرب بعد إكمال الدراسة، لذلك تخصصت في الهندسة الميكانيكية ضمن مؤسسة Art et métiers بباريس". ويشدد بندحو على أن الاعتراف الذي تلقاه الديبلومات الفرنسية في المملكة يقف وراء رغبته في الظفر بإشهاد تكويني ألماني فرنسي، لكن القدر شاء استمراره في دولة ألمانيا. تميز مبكّر أمضى الخبير الميكانيكي فترة تدريب وازنة وسط شركة "BMW"، الرائدة عالميا في ميدان صناعة السيارات، ومن مسؤوليها تلقى عرضا لإكمال الدراسة العليا لنيل شهادة الدكتوراه. "تشاورت مع أحد أساتذتي الألمان قبل قبول العرض، وقد كان الأداء يستلزم إيجاد حلول تجنّب الشركة التخلص من آليات معيبة لصناعة المحركات، حتى توفر عند شراء ما تحتاجه من هذه التجهيزات"، يكشف بندحو. سار الاشتغال البحثي لعبد الصمد بين دول أوروبية عديدة، أبرزها إنجلترا والنمسا، قبل الوصول إلى خلاصات قدّرها المسؤولون في "BMW" وجعلتهم يوظّفون بندحو في طواقم المؤسسة. الكهربة والقيادة الذاتية يشغل عبد الصمد بندحو، حاليا، فريقا هندسيا ألمانيا يعمل على تطوير السيارات الكهربائية المتوفرة على إمكانيات القيادة الذاتية على مختلف الطرقات، ويعدّ نموذجا سيتم تسويقه سنة 2021. ويقول الخبير الميكانيكي المغربي: "أبقى مسؤولا عن داخل المركبة، وأبحاثي تركز على جعل هذه السيارة تجمع المعطيات وتحللها من أجل تفادي الاصطدام بما يوجد بجوارها". كما يسرّ بندحو بأن هذا الورش، وهو الأحدث من بين الأوراش التي انخرط فيها، استهلك سنوات من التفكير والتخطيط، زيادة على تفرغ كبير للتصنيع والاختبار، من أجل الوصول إلى نتائج مبهرة. المستقبل في المغرب لا يتردد "ابن مكناس" في ربط مستقبله المهني بأرض الوطن الأم؛ إذ يعلن أن المغرب له فضل كبير عليه بحكم التكوين الأساسي الذي جعله قادرا على التطور في الظروف الألمانية. ويفسر بندحو ذلك بالقول: "ما أعيشه يجعلني متأكدا من غياب المستحيل؛ بأسسي المغربية استجمعت المعرفة والخبرة للعمل مع كبار المهندسين الصناعيين في العالم، وأبتغي ردّ الجميل لبلدي". يراهن عبد الصمد على شروط موضوعية تجعله مساهما في تحويل المغرب إلى صانع للسيارات، بداية من تكوين أجزاء من المركبات تسوّق دوليا، ثم حضور طفرة لهذا الأداء لاحقا. ويعلن الخبير ذاته أن اجتماع الكفاءات المغربية بالخارج يمكنه أن يخدم صناعة السيارات وسط المملكة، انطلاقا من الإمكانيات الوطنية التي تتوفر في بلدهم الأصلي. نبضات القلب "الحياة بها مراحل صعود وأخرى للهبوط، إنها مثل التخطيط الطبي الخاص بنبضات القلب؛ إذ تعلن الوفاة بمجرد الوقوف على الثبات في الأداء"، يقول عبد الصمد بندحو. ينصح "الأستاذ السابق" الشابات والشبان المغاربة، سواء كانوا في الوطن أو ببلد خارجه، بحصر أهدافهم قبل البحث عن طرق ملائمة لجعلها تعانق الوجود. "الأولوية للدراسة والعمل الجاد، والتغيير يجب أن يتم برفض المحاباة وعدم الإقبال على الاتكالية، بينما مصدر الإحباط يتمثل في إعطاء الاعتبار للآراء المثبطة للعزائم"، يختم الخبير في تطوير صناعة السيارات.