تقع جماعة سبت النَّابور بالنفوذ الترابي لإقليم سيدي إفني، على مساحة تقدر بحوالي 100 كلم مربع، تحدُّها شرقا جماعة تغيرت وغربا الركادة، وجنوبا آيت الرخاء، أما شمالا فتحدُّها جماعتا سيدي أحمد اوموسى والركادة. وتتميز سبت النابور المحدثة إثر التقسيم الإداري لسنة 1992، والبالغ عدد ساكنتها 7222 نسمة، موزعة على 1410 أسر، بفرشة مائية ضعيفة ومياه سطحية نادرة، ما يدفع السكان في عملية التزود بالماء الشروب إلى الاعتماد على العيون وبعض الآبار. وكغيرها من الجماعات التي يطغى عليها الطابع الجبلي، تعاني سبت النابور من مشاكل تنموية عديدة متمثلة أساسا في الجانب المتعلق بالبنية التحتية والخدمات الاجتماعية ومتطلبات العيش الضرورية، إذ يشكل انعدام الماء بهذه المنطقة كابوسا تعيش على وقعه الساكنة منذ مدة طويلة، وينغص عليها حياتها دون أي حلول جذرية تذكر. مشروع فاشل من بين التجمعات السكانية التي تعيش على وقع العطش بسبت النابور تلك المنتمية إلى قبيلة آيت كرمون، في نحو 27 دوارا، "رغم الميزانية الباهظة التي رصدت سنة 2008 من أجل إنجاز مشروع حفر ثقب استغلالي بمنطقة إليغ الواقعة بجماعة سيدي احمد اوموسى تازروالت، مدعوم بشبكة توصيل وصهاريج، قبل أن تفاجأ الساكنة بأشغال رديئة غير قادرة بالمرة على تحمل ضغط الصبيب، خاصة بالنسبة للأنابيب المستعملة، وكذلك الصهاريج المنجزة؛ فضلا عن استثناء مجموعة من الدواوير في خرق سافر لدفتر التحملات"، حسب تصريحات متطابقة أدلى بها مجموعة من السكان لجريدة هسبريس. وأضاف المتحدثون أن "المشروع الذي كان ثمرة اتفاقية شراكة بين جماعة سبت النابور ووزارة التجهيز والمجلس الإقليمي وعمالة سيدي افني وجمعية افولكي للتنمية والأعمال الاجتماعية يعرف اليوم حالة توقف تام، دون أن يحقق نهائيا الغاية المرجوة منه، والمتمثلة في رفع حصار العطش عن الساكنة، رغم ميزانيته الكبيرة التي تفوق مليارا و200 مليون سنتيم، جزء منها كان عبارة عن مساهمات مالية للسكان". وأوضح المتضررون أن "تعثر المشروع سالف الذكر دفع مصالح عمالة سيدي افني مؤخرا إلى التدخل، وأسندت مهمة الإشراف إلى الجماعة الترابية سبت النابور، دون فتح أي تحقيق في أسباب الفشل؛ بل الأكثر من ذلك أن الجماعة المشرفة حاليا لا تتوفر على الملف الكامل للمشروع، ما يفسر العبث الذي رافق ويرافق تدبير المشروع إلى اليوم". معاناة الساكنة وعن معاناة ساكنة آيت كرمون مع أزمة العطش، يقول حسن محيلا، وهو فاعل جمعوي بالمنطقة، إن "كل المؤشرات تنذر بوقوع أزمة مائية خطيرة في العديد من الدواوير بآيت كرمون، خصوصا بعد نضوب مجموعة من الآبار، وأهمها بئر دوتكيضا الذي تستغله جمعية افولكي ويزود أكثر من أربعة دواوير بهذه المادة الحيوية، إلى جانب عين ندوامرا باعتبارها مصدر الماء الوحيد لستة تجمعات سكانية". وأضاف المتحدث ذاته: "أزمة العطش التي تتضاعف في فصل الصيف للإقبال المتزايد على المياه تدفعنا كفاعلين جمعويين إلى رصد مشاهد مؤلمة للمشاعر الإنسانية ونحن في مغرب القرن الواحد والعشرين، متمثلة في طوابير نساء وفتيات يحملن قنينات فارغة على امتداد الطرقات على ظهورهن، ومنهن حوامل، ما يدفع إلى طرح أكثر من علامات استفهام حول السياسة المائية التي ينتهجها المسؤولون المحليون لتخفيف العبء عن الساكنة المتضررة". وأكمل الفاعل الجمعوي ذاته: "معاناتنا مع العطش تتزايد كل يوم، ليبقى أملنا الوحيد هو إعادة إنجاز المشروع لكي يكون جاهزا لتزويد الساكنة بالماء، وهو ما يتطلب إصلاحه بشكل شامل وجذري. أما غير ذلك فهو تبذير للمال العام وكفى...باختصار: لا لسياسة الترقيع". الخروج للاحتجاج ندرة الماء دفعت سكان دواوير آيت كرمون، بدعم ومؤازرة من فعاليات حقوقية ومدنية عديدة، الأحد الماضي، إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى عمالة سيدي إفني، للمطالبة بضرورة التدخل العاجل وإيجاد حل جذري وفعال لأزمة العطش، التي تعاني منها المنطقة منذ سنوات بسبب الانعدام التام للماء الصالح للشرب. واعتبر المشاركون أن هذا الشكل الاحتجاجي يأتي بعد عشر سنوات من الانتظار والمماطلة وسياسة الترقيع التي صاحبت مشروع تزويد منطقة آيت كرمون بالماء الصالح للشرب، وكذا غياب تجاوب إيجابي مع مختلف المراسلات التي تمت في الموضوع من طرف مؤسسات عديدة. وأكدت الفعاليات المحتجة أن المماطلة الحاصلة في هذا المشروع لم تعد مقبولة ولا مبررة بعد كل هذه السنوات، وبعد جملة من الترقيعات التي لم تخلص إلى أي نتيجة تذكر، مقارنة مع الأموال الباهظة المخصصة لها. هيئة حقوقية تدخل على الخط في تصريح له حول الموضوع، اعتبر حسن أنفلوس، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان فرع سيدي افني، أن "ما وقع ويقع بخصوص هذا المشروع، وحرمان الساكنة من الاستفادة منه لأزيد من 10 سنوات رغم الأموال الباهظة التي صرفت من المال العام دون محاسبة، هو عبث بدرجة أولى، زيادة على تعميق أزمة الساكنة بالمنطقة المرتبطة بشح الموارد المائية، التي تهدد المنطقة بالجفاف، خاصة أنها تعتمد بدرجة كبيرة على التساقطات المطرية التي تغذي الفرشة المائية الجوفية الضعيفة أصلا". وزاد الناشط الحقوقي ذاته: "على مدى سنوات مضت تعاني الساكنة من شح كبير في مياه الشرب، ما يدفعها إلى الاستيقاظ باكرًا والاصطفاف في طوابير قرب بعض الآبار التي تجود عيونها بقليل من مياه الشرب، ولو تم إنجاز المشروع بالطريقة الصحيحة لتم حل هذا المشكل بشكل نهائي". ويضيف أنفلوس: "لهذا نحن في الهيئة بدأنا ترافعنا منذ مدة عبر مختلف الوسائل، منها مراسلتنا في شتنبر من سنة 2018 مصالح عمالة سيدي افني قصد فتح تحقيق في الموضوع، لكن دون رد. وبعد طول انتظار تم تنظيم وقفة احتجاجية أمام عمالة سيدي افني يوم 29 دجنبر 2019، كما سنعمل قريبا على إعداد تقرير شامل حول المشروع والخروقات المسجلة فيه، مع دارسة إمكانية رفع دعوى قضائية لمحاسبة المتورطين في هذا الملف، طبعًا بعد التنسيق مع المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان على المستوى المركزي". رئيس الجماعة يوضح من جهته عزا ناصر الدين مومو، رئيس جماعة سبت النابور، وضعية التعثر التي رافقت مشروع تزويد ساكنة آيت كرمون بالماء الصالح للشرب منذ بدايته أشغاله سنة 2008 إلى "الكيفية العشوائية التي أنجز بها في غياب تام لأي دراسة مسبقة". ومن بين سلبيات عدم اعتماد دراسة قبلية، يقول رئيس جماعة سبت النابور، "استثناء المشروع من عملية الربط الكهربائي، وهو ما أخر عملية انطلاقه إلى حدود سنة 2013 بعد اتفاقية شراكة بين المجلس الإقليمي وعمالة سيدي افني والمكتب الوطني للكهرباء، تم خلالها تدارك الوضع القائم وربطه بالتيار الكهربائي". وأوضح المسؤول الجماعي ذاته: "رغم تجاوز عائق الكهرباء، إلا أنه لم يكتب للمشروع النجاح لإكراهات عديدة، سواء المتعلقة بالعجز المالي الذي واجهته الجمعية المكلفة بمهمة الإشراف على المشروع، الذي بلغ حوالي 120 ألف درهم لفائدة المكتب الوطني للكهرباء، أو تلك التي تهم جودة إنجاز الصهريج الرئيسي والمضخات والقنوات التي شابتها عيوب بالجملة، ولم تعد قادرة على القيام بدورها المتمثل في تزويد الساكنة بالماء على امتداد مسافة تتجاوز 7 كلم". وختم ناصر الدين مومو بالقول: "بالنسبة لنا كمجلس جماعي، منذ تسلمنا المسؤولية سنة 2015 قمنا بجميع ما يلزم في هذا الإطار، واستطعنا تجاوز الدين الحاصل بعد تدخل العامل السابق لإقليم سيدي افني، فضلا عن اتخاذ عدة خطوات من بينها رفع عدة ملتمسات ومراسلات إلى الجهات المعنية من أجل التدخل، إلا أنه للأسف الشديد مازالت مجموعة من المصالح الخارجية لم تتعامل بالجدية اللازمة مع مطالبتنا بإعادة تهيئة هذا المشروع الضخم من نوعه وإسناد مهمة الإشراف عليه إلى مصالح المكتب الوطني للماء الصالح للشرب".