من المعلوم أن الانتخابات الرئاسية بالجزائر مرت من ظرفية سياسية دقيقة، اتسمت برفض فئات واسعة لإجراء هذه الانتخابات والمطالبة برحيل كل مكونات النظام السياسي القائم. إذ رغم استجابة هذا النظام لبعض مطالب هذا الحراك من خلال الإسراع بمحاكمة بعض المقربين من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة والحكم عليهم بالسجن لمدد سجنية متفاوتة، إلا أنه أصر على تنظيم انتخابات رئاسية ترشح لها بعض الشخصيات السياسية المقربة من النظام بمن فيهم وزراء سابقون كعز الدين ميهوبي، وهو وزير ثقافة سابق، وعلي بن فليس وعبد المجيد تبون الذين سبق وأن شغل كل منهما منصب رئيس الحكومة. إضافة إلى عبد العزيز بلعيد، رئيس حزب جبهة المستقبل، وعبد القادر بن قرينة زعيم حزب البناء الوطني، وهو أيضا وزير سابق. وقد كان العلاقات السياسية مع المغرب حاضرة بقوة في الحملات الانتخابية لمرشحي النظام الخمسة على الرغم من أن هذا الموضوع ليس أولوية سياسية لدى الشارع الجزائري الذي له أولويات أخرى تتمثل بالأساس في إسقاط رموز النظام وإلغاء الانتخابات التي لا يرى لها المتظاهرون أي شرعية. وبالتالي، ففي الوقت الذي تعهّد فيه بعض المرشحين، مثل عبد العزيز بلعيد، بفتح الحدود المغلقة مع المغرب في حال انتخابه، أبدى عبد المجيد تبون تشدّداً واضحاً في موضوع تطبيع العلاقات مع المغرب، مشترطا تقديم الرباط اعتذار رسمي قبل فتح الحدود المغلقة منذ عام 1994. وأشار إلى أن هذا الشرط طرحته الدولة الجزائرية منذ تلك الفترة، مؤكدا في المقابل أن قضية النزاع في الصحراء لم يكن سببا في إغلاق الحدود بين البلدين. فوز تبون بالانتخابات الرئاسية والردود الرسمية في أجواء انتخابية اتسم بعضها بالتوتر، وبمشاركة ضعيفة لم تتعد 93ر39 في المائة. أعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، أن الوزير الأول السابق، عبد المجيد تبون، انتخب رئيسا للجمهورية، منذ الدور الأول للانتخابات الرئاسية، حيث أوضح رئيس هذه الهيئة محمد شرفي، خلال حفل رسمي، أن عبد المجيد تبون (74 عاما) حصل على الأغلبية بنسبة 15ر58 في المائة من الأصوات. وقد أدلى خليفة الرئيس بوتفليقة في أول تصريحاته بعد إعلانه فائزا في هذه الانتخابات بشأن علاقة بلاده بالمغرب" بأن هناك ظروفا أدت إلى إغلاق الحدود مع المغرب، وأن "زوال العلة لا يكون إلا بزوال أسبابها"، في إشارة منه إلى مطالبته السابقة باعتذار الرباط، وإن كان قد توقف هذه المرة عند الروابط الطيبة التي قال إنها تجمع بين الشعبين الجزائري والمغربي. وقد تزامنت هذه التصريحات مع استعدادات جبهة البوليساريو لتنظيم مؤتمرها ال15 في منطقة تيفاريتي التي تعتبرها منطقة "محررة" من أراضي الصحراء، فيما يعتبرها المغرب جزءا من أراضيه. حيث قرر قادة هذه الجبهة الانتقال من منطقة تندوف، المقر الأساسي لهم ولقواتهم العسكرية، نحو منطقة تيفاريتي الصحراوية، مما يعني أن عهد الرئيس الجديد عبد المجيد تبون سيبدأ بفترة توتّر جديدة في العلاقات المغربية الجزائرية، التي ستواصل على الأرجح تأزمها المزمن في المدى المنظور. وأمام هذا الموقف "غير الودي" الذي عبر عنه رئيس الجزائر الجديد اتجاه المغرب، لم يُصدر المغرب أي تعليق رسمي، على الرغم من إعلان النتائج النهائية لهذه الانتخابات من طرف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. فعلى عكس مسارعة دول عدة، وخصوصا العربية منها، إلى تهنئة الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون، والتي كان من بينها الأردن ومصر وقطر والبحرين والإمارات، تميز الموقف الرسمي بتلكؤ واضح يختلف بشكل خاص عن المواقف الدبلوماسية التي سبق للمغرب أن اتخذها خلال الانتخابات الرئاسية الماضية. إذ سبق للملك محمد السادس أن بادر إلى تهنئة الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، في آخر انتخابات رئاسية فاز فيها بولاية رابعة، في 17 أبريل 2014، في اليوم التالي مباشرة للانتخاب. غير أن هذا التلكؤ السياسي، لم يمنع من أنه على الرغم من اعتبار تصريح الرئيس الجديد غير الودي انتصارا لقادة الجيش الجزائري، الذين يمثلون المعسكر الأكثر تشدّدا في موضوع الصحراء والعلاقات مع المغرب، فقد بعث الملك محمد السادس برقية تهنئة للرئيس الجزائري الجديد مجددا دعوته السابقة "لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين، على أساس الثقة المتبادلة والحوار البناء". وقد استأثرت هذه التهنئة الملكية باهتمام وسائل الإعلام الجزائرية، حيث تم تداولها على نطاق واسع نقلا عن وكالة المغرب العربي للأنباء دون التعليق عليها، وبعناوين على غرار "أول تعليق من ملك المغرب على انتخاب تبون رئيسا للجزائر" و"الملك محمد السادس يهنئ تبون”، ثم "محمد السادس يهنئ تبون إثر انتخابه رئيسا للجزائر"، و"الملك محمد السادس يدعو تبون إلى فتح صفحة جدية". فوز تبون بالانتخابات الرئاسية والإيحاءات الجنسية بخلاف الموقف الرسمي التي اتسم بالدبلوماسية وبالتحفظ إزاء مجريات الشأن الداخلي بالجزائر، حتى قبيل هذه الانتخابات، حيث سبق للجهات الرسمية أن أصدرت بيانات رسمية أعلنت فيها التزام الحياد وعدم التدخّل بشأن الحراك. بل أقدمت الخارجية في منتصف أكتوبر2019، على توبيخ وزير الخارجية المغربي السابق، صلاح الدين مزوار، بعد ما صرح "بأن الحراك الجزائري يبعث على الأمل، وأن على المنظومة القائمة أن تتقاسم السلطة مع من يقودون الحراك"، والضغط عليه للاستقالة الفورية من رئاسة الاتحاد العام للمقاولين المغاربة، فقد اتسمت الردود الشعبية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بموقفين متباينين: موقف ذو حمولة سياسية وآخر ذو إيحاءات جنسية. - الموقف ذو الحمولة السياسية أثار خبر انتخاب الوزير الأول الأسبق للجزائر، عبد المجيد تبون، رئيسا للجمهورية، ردود فعل سياسية متباينة في صفوف أقلية من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بين من تفاءل بتوليه الرئاسة خيرا لمستقبل العلاقات الجزائرية المغربية، ومن شكك في مدى استحقاقه للمنصب الذي سيثقل كاهله بمسؤوليات كان من المفترض تفويضها لوجوه شابة مفعمة بالأمل والطموح. كما أن هناك من أرجع فوز تبون في الانتخابات الرئاسية، إلى تصريحه في آخر خرجة إعلامية له، أياما قبل تاريخ الاقتراع، أن مسألة الحدود بين المغرب والجزائر مرتبطة بالمغرب بالدرجة الأولى، وأن عليه طلب اعتذار من الشعب الجزائري، شرطا لفتح الحدود بين البلدين، مشيرا إلى أن سبب إغلاقها لا يرتبط بالصحراء المغربية، بل بتفجير مراكش الإرهابي “الذي نفذه إرهابيون مغاربة، بينما أرادت السلطات المغربية إلصاق التهمة بجزائريين”. كما علق بعض النشطاء بأن مطالبة الرئيس الجديد المغرب الاعتذار للجزائر، بدعوى أنه اتهم المخابرات الجزائرية بالضلوع في هجوم إسني الإرهابي بمراكش، يعتبر تأكيدا صريحا بأن الصراع المغربي الجزائري سيستمر إلى أجل غير مسمى”، في حين تضمنت تعليقات "فايسبوكية" أخرى ضرورة اعتذار النظام الجزائري” عن التهجير القسري ل 350 ألف مغربي ذوي أصول مغربية، صبيحة عيد الأضحى بالملابس التي استيقظوا بها، والسطو والاستيلاء عنوة وظلما على ممتلكاتهم التي تركوها هناك، وتمزيق الأواصر العائلية وقطع الأرحام التي حرم الله قطعها، و خلق واحتضان وتسيير عصابة مارقة من المرتزقة الانفصاليين لتطعننا بها على مدى أكثر من 40 سنة.. "وفي مقابل هذه الآراء المتنبئة بتأزم العلاقات الجزائرية المغربية، عقب تنصيب الرئيس الجزائري الجديد، دعا آخرون إلى “اغتنام الفرصة لتلطيف الأجواء مع هذا البلد الشقيق". من جهة أخرى، اعتبر بعض رواد الموقع الأزرق (فيسبوك)، فوز تبون بالأغلبية وعدم إجراء جولة ثانية من الانتخابات، “لعبة سياسة مدروسة لجنرالات الجزائر، الذين قالوا كلمتهم الأخيرة ووافقوا على الشخص الذي يناسبهم وسيكون رهن إشارتهم”، وفي السياق ذاته، عبر فيسبوكيون آخرون عن خيبة أملهم من انتخاب “أحد رموز النظام السابق المسنة (74 سنة) والمنهكة جسديا”. - الموقف ذو الحمولة الجنسية بالموازاة مع هذه المواقف ذات الحمولة السياسية، فقد جر موقف الرئيس عبد المجيد تبون، الذي ينحدر جده من شرفاء بفاس ومدفون بمقبرة بها، خرجات "فايسبوكية" لاذعة. حيث تحول اسم الرئيس الجديد إلى مادة دسمة للسخرية من اسمه ومواقفه. وهكذا انتشرت عدة تدوينات من بينها “قالك فالمغرب كي تلحق الطناش تاع الليل، تسمع كلام “واش ما توريناش الرئيس تاع الجزائر فهذ البرد” تدوينة تداولها مدونون وصفحات "فايسبوكية" بشكل ساخر من الاسم الذي يستحيل ذكره وسط العائلات، طالما أنه يوحي مباشرة على لفظ مخل بالحياء. كما انتشرت تعاليق حول صعوبة ذكر اسم الرئيس الذي يحيل في اللغة المتداولة في بعض مناطق المغرب على أعضاء حساسة من جسد المرأة. ولعل هذه الظاهرة التي اتخذت أبعادا وإيحاءات جنسية تشبه إلى حد ما ظاهرة "فايسبوكية" لافتة عرفها المغرب بعد تأهل المنتخب الوطني ل"المونديال" المنظم بروسيا. فقد تداولت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الإيحاءات المكتوبة أو المرئية بشأن الجنس اللطيف الروسي. حيث شغلت صور الفتيات الروسيات حيزا مهما في الكثير من المواقع الإلكترونية، وتداول العديد من "الفايسبوكيين" رسائل مليئة بإيحاءات جنسية ضمنية أو مكشوفة، وبصور تعلن عن "قدوم المغاربة لروسيا والتمتع بمفاتن الروسيات"، أو صور أخرى "تظهر الرئيس بوتين وهو يحذر مواطنيه من قدوم المغاربة لروسيا"، أو "توجيهه لتحذيرات للمغاربة من أي مساس ببنات بلاده"، بالإضافة إلى صور أخرى تؤكد على "كيفية تعلم اللغة الروسية خاصة تلك المرتبطة بركن التعارف بين الجنسين". ولتحليل هذه الظاهرة، التي تحتاج إلى دراسة سوسيولوجية معمقة، يمكن للمرء أن يربط بعض تجلياتها إلى تلازم الكبت السياسي بالكبت الجنسي لدى العديد من المغاربة، وغياب أسس تنشئة سياسية سليمة تقوم على التأدب السياسي واحترام الخصم السياسي، كيفما كانت خلافاتنا معه وبالأخص إذا ما أصبح يمثل رمزا من رموز السيادة الوطنية لبلد جار وشقيق. فكما تم التنديد أخيرا بإحراق العلم الوطني بفرنسا وكما لا يقبل أن تتم الإساءة أو الإخلال بمظاهر الاحترام الواجبة لشخص الملك من طرف نشطاء أو مدونين أجانب أو مغاربة، ينبغي على الغرار نفسه عدم الإساءة أو التندر باسم رئيس دولة جارة وشقيقة خاصة إذا صاحب ذلك إيحاءات جنسية مخلة بالحياء. فهذا لا يمكن أن يعكس إلا خللا في التربية السياسية وضعفا في التمييز السياسي. إذ أن الكلمة التي يتم من خلالها التندر بالرئيس تبون لا تعد مخلة إلا بالنسبة إلى ساكنة مناطق معينة بالمغرب فما بالك بالجزائر التي لا تشكل فيها هذه الكلمة أدنى إخلال بالحياء. أضف إلى ذلك أن هذا السلوك يتناقض مع أخلاقيات تقليدية درج عليها المغاربة سواء في صداقاتهم وحتى في خصوماتهم والتي تتجسد في المثل الذي يردد عادة بأن "العداوة ثابتة والصواب يكون" فاحترام الخصم أو العدو رغم مواقفه العدائية يدخل ضمن ثقافة سياسية متأصلة ومتجذرة لدى المغاربة، وإدراكا سياسيا عميقا لديهم بأن في السياسة لا خصومة أو صداقة تدوم.