أقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بأن الفساد في المغرب يظل عنيداً أمام جهود الإصلاح، ومتجذراً في المجتمع المغربي على الرغم من برامج العمل التي وضعتها السلطات العمومية لمكافحته. وجاء في تقرير المؤسسة الدستورية نفسها، حول مكامن الخلل في النموذج التنموي الحالي، أن المغرب يخطو خطوات مهمة على الصعيد التشريعي من أجل جعل مناخ الأعمال أكثر شفافية؛ من خلال قانون الحصول على المعلومات، وقانون التصريح الإجباري لبعض المنتخبين بممتلكاتهم. وذكر المجلس، الذي يرأسه أحمد رضا الشامي، أن التدابير التي تضمنتها القوانين سالفة الذكر "لا تزال أبعد ما يكون عن الاستجابة لتطلعات المجتمع المدني، وتظل أقرب إلى المبادرات العمومية منها إلى سياسة إرادية للمكافحة الفعلية للفساد على جميع المستويات"، وشدد على ضرورة مواكبة المبادرات بتدابير لحماية المبلغين عن حالات الفساد. وجاء في التقرير الصادر عن المؤسسة الدستورية سالفة الذكر أن تسليط الضوء إعلامياً على قضايا الفساد عبر شبكات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى إضعاف الرابط الاجتماعي، وزعزعة ثقة الفاعلين الاقتصاديين والمواطنين في نجاعة مسلسل مكافحة الفساد. وأشار المجلس أيضاً إلى أن نقص الشفافية والمحاسبة يؤدي إلى إضعاف الثقة في المؤسسات، حيث قال إن "إعمال مبدأ المحاسبة ظل في الغالب مُقتصِراً على الجوانب المالية (مثل الاختلاس والتلاعب) والقانونية والمسطرية؛ في حين أن منطق المحاسبة المرتكز على فعالية الفعل العمومي والاستعمال الناجع للمال العام لم يترسخ بعد بشكل كامل في الممارسات المؤسساتية، كما أنه لا يتم إعماله بشكل تلقائي". وحسب التقرير، فإن عدم إخضاع المسؤولين العموميين بشكل تلقائي ومُمنهج للمحاسبة على أساس حصيلة العمل المنجز خلال ولايتهم يؤدي إلى تراجع ثقة المواطنين في شفافية المؤسسات العمومية، لا سيما عندما يكون لتدخل هذه الأخيرة تأثير مباشر في حياتهم اليومية. وتحدث المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن وجود شعور من الاستياء لدى المواطنين، بسبب تدهور مستوى معيشتهم والتأخير المسجل في تنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية تمثلت في الأزمات الاجتماعية في السنوات الأخيرة الماضية. ولفت مجلس CESE الانتباه إلى أن غالبية الحركات الاجتماعية التي عرفها المغرب عبرت عن نفسها خارج فعاليات الوساطة التقليدية، المجتمع المدني والنقابات والأحزاب؛ وهو ما اعتبره "نتيجة مباشرة للضعف المسجل في مشاركة المواطن في الانتخابات التشريعية والجماعية ولانخفاض نسبة الانخراط في النقابات". وقد عمل التقرير، الذي نشره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كمساهمة في ورش التفكير حول النموذج التنموي الجديد، على رصد مكامن خلل النموذج الحالي، حيث قال إنها تُضعف الثقة وتُذكي الهشاشة وبالتالي الشعور بعدم الثقة الذي يضعف الرابط الاجتماعي والمؤسسات والهيئات الوسيطة. وتأتي مساهمة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعد أسابيع من تعيين الملك للأعضاء ال35 للجنة الخاصة للنموذج التنموي برئاسة السفير شكيب بنموسى، وقد عُهد إليها العمل على إيجاد حلول للمشاكل التي تعترض التنمية الشاملة في المغرب، على أساس تقديم تقرير حول ذلك للملك في يونيو المقبل.