يثير تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، برسم سنة 2017، عدة قضايا هامة بالنسبة للاقتصاد والمجتمع في المغرب، تنبه إلى ضرورة تغيير العديد من السياسات في مجالات الاستثمار والتشغيل والضرائب والحماية الاجتماعية والتعليم… غير أنه بالإضافة إلى كل هذا يطرح مسألة في غاية الخطورة، تتمثل في تقييمه للحركات الاحتجاجية التي حصلت في السنوات الأخيرة، والتي يعتبر أَنَّهَا تعكس مشكلة ثقة المواطن في المؤسسات وفي السياسات العمومية. ويسجل التقرير أن ارتفاع حدة الوعي بالفوارق الاجتماعية، أصبح واضحا في التعبيرات الرافضة لهذا الوضع، الذي ينبغي أن يعالج بمكافحة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتكافؤ الفرص والاستحقاق ومحاربة الامتيازات، وغيرها من مبادئ الحكامة، التي من شأنها تقليص الفوارق الاجتماعية، التي تعرقل آليات الارتقاء الاجتماعي. ويمكن القول، إن هذا التقرير لا يختلف عن تقارير أخرى، صادرة عن هيئات رسمية مغربية، تتفق كلها على أن المعضلة الكبرى التي يواجهها المغرب اليوم، تتمثل في زيادة الفوارق الطبقية والمجالية، كنتيجة للسياسات المنتهجة في التعليم، وفشل أنظمة الحكامة، وغياب عدالة ضريبية، وضعف نجاعة الاستثمارات في تحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد الوطني، والاختلالات الناتجة عن تهميش النساء في المسار التنموي. ومن اللازم هنا التأكيد على أن مختلف هذه الملاحظات، التي يسجلها التقرير، لا يمكن معالجتها دون مراجعة شاملة لنظام الحكامة والخريطة الطبقية والمجالية، الأمر الذي يستدعي القطيعة الكلية مع النموذج الذي أدى إلى هذه الفوارق الصارخة، والتي تسير نحو مزيد من الاحتداد، ليس في مظاهرها فقط، بل أيضا في التعبير الرافض لها من طرف فئات واسعة من المجتمع. لذلك فإثارة تقرير المجلس للحركات الاجتماعية، التي تحتج على الفقر والبطالة، لها دلالتها، لأنها تتجاوز التشخيص «التقني» للأوضاع، لتنتقل إلى تسجيل ملاحظة ذات طبيعة سياسية، تتعلق بتحليل أسباب التوترات التي تترجم في أرض الواقع، بمختلف الأشكال، والتي تؤكد أن الحلول الجذرية، من أجل التصدي لأسبابها، تبدأ من السياسة، قبل أي شيء آخر.