يحمل جنسيتهم، ويأكل طعامهم، ويتزوج بنسائهم، ويشرب من ألبانهم، ويتطبب في مستشفياتهم.. وعندما تأتي مناسبة دينية أو اجتماعية أو تاريخية يقف متصلبا معارضا لكل من يبيح تهنئتهم، معتمدا على نصوص فقه “الولاء والبراء”؛ وهو فقه كلاسيكي قديم، كان مقبولا في يوم ما، وفي زمن ما، وفي ظروف ما. أما اليوم، فقد تجاوزه التاريخ الإنساني, وكان قد جرى إحداثه من قبل بعض الفقهاء لمجابهة العدو المحارب لدولة الإسلام، علما أن مصطلح "الولاء والبراء" هو مصطلح فقهي، استخدم مبكراً في كتب التراث الإسلامي للتعبير عن "حب الله ورسوله والمؤمنين ونصرتهم، وبغض من خالفهم من الكافرين والمشركين ومعاداتهم"، حسب تعريفات كثيرة؛ فقد ذهب عدد غير قليل من علماء المسلمين السنة والشيعة الذين أصّلوا لمفهوم "الولاء والبراء" إلى اعتباره "ركناً" من أركان العقيدة الإسلامية، و"شرطاً" من شروط الإيمان.. فإن كنت تريد أن تكون مسلما حقا، فيجب عليك بغض الكفار من اليهود والنصارى وسائر المشركين ومعاداتهم؛ حتى يؤمنوا بالله وحده، حسب ما هو مدون في كتب "الولاء والبراء" التي ما زالت تدرس في جامعتنا الإسلامية إلى يوم الناس هذا. فهل من المعقول وفي ظل مناخ عالمي جديد وظروف جديدة وسياقات جديدة ودول وطنية حديثة يظل أهل الإسلام متشبثين بهذه المفاهيم التي أصبحت متجاوزة بحكم عامل الوقت ومستحدثات الأمور؛ لهذا ينبغي على أهل العلم والفكر والفقه من المتنورين في أمتنا القطيعة مع نوع هذا الفقه، والتأصيل لفقه حضاري جديد خال من نزعة الكراهية وعدم التعايش والقبول بالآخر والعنف والإرهاب. ما أحوجنا اليوم إلى فقه الولاء لا البراء، مع أن البراء بدعة ليست في العقيدة؛ ولكنها مقحمة عليها، لأسباب فقهية تاريخية سياسية. فجوهر الإسلام السلام لا الحرب، التعايش والتعاون لا البراء والتباغض، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.." كيف يمكننا نحن كأمة السلم والسلام والتعايش أن نحول ديننا إلى محاكم تفتيش وتكفير وكراهية نعادي ونقاطع شعوب العالم كله انطلاقا من قواعد "الولاء والبراء"، الذي أحدثها بعض الفقهاء لأسباب يعلمها الجميع، علما أن مفهوم البراء يتنافى مع مقاصد الإسلام وهدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما يتنافى مع القوانين الدولية والوطنية وعصر الحريات والانفتاح على العالم. إن فقه الولاء والبراء أصبح اليوم يشكل خطورة كبيرة حتى على المسلمين أنفسهم، بحيث ركبته بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تعد نفسها الفرقة الناجية؛ فأساءت إلى الإسلام والمسلمين بتفسيرها الشخصاني الطائفي والمنحاز إلى "الولاء والبراء"، وجعلت من هذا المصطلح قاعدة أساسية لتبرير عملياتها العدائية والإرهابية التي لم تتوقف عند استهداف غير المسلمين؛ بل طالت اتباع المذاهب الإسلامية المخالفة لها. ومن بين أخطر مظاهر "الموالاة المحرمة شرعا"، وفقا لمنظري الجماعات المتطرفة، التشبه ب"الكافرين" في الملبس والسلوك والعادات والأسماء، والاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم وتهنئتهم بها، والاحتكام إلى قوانينهم وشرائعهم، والسكن في ديارهم ومساكنهم من غير ضرورة. في كتابه "الولاء والبراء، عقيدة منقولة وواقع مفقود"، يرى أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، أن معاداة الكافرين هي ركن من أركان الإيمان بالله.. شيء محزن ومؤسف أن يكون نوع هذا الفقه، فقه ابن لادن والظواهري و"بوكو حرام" و"داعش" يدرس لطلبتنا إلى يوم الناس هذا في أغلب مدارسنا وجامعاتنا الإسلامية!! . في الحقيقة، ما أحوجنا إلى فقه حضاري إنساني رحموتي بديل عن فقه الكراهية والبراء والموت. الله المستعان.