ما هي الكلمة الأكثر رواجا بين صفوف المحللين السياسيين والمناضلين والعامة واللصوص خلال سنة الربيع العربي منذ حرق البوعزيزي لجسمه؟ إنها بدون شك : الديمقراطية . فرق تسد الجميع أصبح يتحدث عن حقوقه بإسم الديمقراطية، فتساوى بذلك الإسلاميون والليبراليون، الحداثيون والسلفيون، الرجال والنساء والمخنثون، أولاد الناس و أولاد السوق .. وهلم مطالب جرجرت فيها الديمقراطية إلى الساحات وعلى المواقع الإلكترونية وعلى صفحات المجلات والجرائد والفضائيات، والكنغرسات، والندوات ..الكل مع الديمقراطية، والكل يتحدث بإسم الديمقراطية .. من أقسى اليمين إلى أقسى اليسار، حتى فقدت الكلمة من كثرة إستعمالها والتفوه بها معناها العميق وشرفها النبيل ..! ونحن، نتحدث أكثر ما نفعل مع الأسف، ومادمنا كذلك فلن نؤسس لا لدولة ديمقراطية ولا لحضارة إسلامية، فأكثر ما نتقنه هو «بلللللا بللللا بللللا ... » بدون فائدة، وعندما نطرح فكرة للنقاش فلن تجد سوى الكلام الفارغ والعقول التي تشبه الأصفار، حتى شخصياتنا توارت خلف ملابسنا، فأصبح «مثقفونا» يفتخرون بملابسهم أكثر من إفتخارهم بأدب أفكارهم ..أغبياء وصبيانية في السلوك . ومن جملة القضايا التي يعاد طرحها بمناسبة ديمقراطية بشائر الربيع العربي: القضية الأمازيغية، حتى أصبحت هذه القضية فرشات لتلميع أسنان بعض المرتزقة، فالقضية بالنسبة إليهم هي الإنفصال عن المغرب، وهؤلاء الانفصاليون«الأبطال» كونوا تيارات وجبهات في الغرب، حتى ظن المواطن المغربي بمناسبة أو بدون مناسبة أنهم قد صعدوا إلى الجبل وحملوا السلاح، والكل يتذكر زيارة بعض رموزهم لإسرائيل، يعني نحن نستقوي عليكم بعدوكم : الصهيونية على أقربائنا المغاربة ! والذي ليس له ولي فوليه الصهيونية . هكذا بدون ثمن ؟ منطلقين من قاعدة : فرق تسد . وزرع الشقاق، وإثارة الفرقة والغشاوة على أبصار المغاربة، ومنا من يصف نفسه بالأمازيغي المعرب وكأن ذاته الواعية المفكرة قد ألغيت ونفيت فأصبحت كتابا أو شيئا يعرب .وهو المغربي الأصيل سواء كان أمازيغيا أو عربيا أو صحراويا أو كان ما كان .. مادام قد ولد فوق هذه الأرض . في كل مناسبة، أو حتى بدون مناسبة، يتقدم هؤلاء الأمازيغاويين المحسوبين على الأمازيغ الأحرار، بمطالب إنفصالية، وإلى دعوة تحرير شمال المغرب من الإستعمار، وعن أي إستعمار يتحدثون؟ وعن أي شمال يتحدثون؟ وهل الشمال فيه فقط عرب وأمازيغ أليس هناك مكون آخر غيرهما مثل مكون جبالة والموريسكوس ..! الأمازيغ : الأحرار المجاهدون الذين كان لهم الفضل إلى جانب إخوانهم العرب نشر الإسلام في شمال إفريقيا .. الأمازيغ : منابع العلم والكرم والتخلق، أحفاد بن تومرت، والمرابطين، لا يمكن أن يكونوا أبدا يشبهون هؤلاء الذين يصعدون الجبل، ويا أنا .. يا الإنفصال. الأمازيغاويين الذين يطالبون بحق الأمازيغ في الوجود والإختلاف واللغة ينسون حقوقهم الأساسي والتي لها أولوية أكثر من كل تلك الأوهام وهي الحق في الكرامة والعمل، ومطالبهم تلك تشعرنا أننا نعيش في دولة لها كل المقومات وليس في دولة تقليدية مخزنيه. الأمازيغاوية قضية سياسية والحال أن القضية الأمازيغاوية قضية سياسية بإمتياز وإن توارت خلف المطالب الثقافية اللغوية أو التاريخية، فهي تبقى كسلاح بين النخب والقيادات في يد من يستعملها. وهؤلاء البزنازة ينسون قضية المغاربة الأولى : القضاء على الفساد وإسقاط الإستبداد، ويفلسفون بشكل بشع الأمازيغية كتراث إنساني، فيجعلون منها قضية سياسية للضغط والمساومة؛ ومنا مطلب ترسيم الأمازيغية، وقد فاتتهم حقيقة أساسية وهي أن انقطاع الصلة باللغة لا يعني تاتا إنقطاع الإنتماء إلى الوطن . ولنضرب أمثلة ببعض الدول التي تتساكن فيها اللغة الرسمية مع باقي اللغات واللهجات دون أدنى مشكلة في التحضر والكرامة الإنسانية، حيث تجد اللغة الرسمية في المدرسة والمؤسسات الحكومية كنظام داخلي،دزم أدنى مشكلة في أن توجد اللهجات أو اللغات الأخرى في االأماكن العمومية و البيت وغيره كما هو الحال في المغرب .. رغم فرنسة مؤسساته الحكومية أكثر من اللازم. ونأتي الآن على ذكر أمثلة لتلك الدول : أولا : فرنسا مع البروطونية والبروفانصال .. ثانيا: إسبانيا مع الباسكية والكطلانية .. ثالثا : إنجلترا مع الغالية والسكودلندية .. ولا مشكلة . هل الأمازيغية تصلح لتكون لغة رسمية حقا ؟ لنعد إلى قضية الأمازيغية كلغة رسمية، لقد قلنا في مقالات سابقة ناقشت نفس الموضوع أن هذه القضية إذا قاربناها من الزاوية الدينية، فإن الإسلام الدين الرسمي في المغرب، لغته العربية، وقد اختار الأمازيغ المسلمين منذ مئات السنين لغة القرآن لغة لدينهم ، و عباداتهم الروحية ، دون أية مشاكل . قد يدعي أحدكم أن هذا قمعا أو دفنا حيا للأمازيغية ، لكن حسبي أن أقول له : متى كان الإسلام دين إكراه ؟ إن اختيار ذلك كان عن قناعة وحب وسلام . و ما دون ذلك فهو كلام شرذمة من الانفصاليين الذين يحاولون إثارة الفتنة في المجتمع المغربي . يفعلون ذلك حتى وإن اقتضى بهم الحال و جنت بهم الأحوال و وضعوا أيديهم مع أيدي الجزارين الذين يتلذذون بذبح أبرياء أطفال غزة ..! فعن أية كرامة (شعب) يتحدثون !! و من سمح لهذه الفئة أن تتحدث بلسان الشرفاء الأمازيغ من أبناء الوطن ؟ لا أحد ينكر أن لكل شخص انتماءاته الثقافية والحضارية، لكن ما يوحدنا هنا في جغرافية الوطن هي اللغة العربية . كلنا مغاربة، بالقلب و الفكر و الروح . و كل شخص منا - أيضا- له خصوصياته الثقافية و الحضارية الضاربة جذورها في التاريخ، و هذا لا يمنع في أن نتواصل بلغة موحدة في أمورنا الداخلية و في علاقاتنا مع الغير أيضا. تشير الإحصائيات إلى ان 27 في المائة من المغاربة يتكلمون الأمازيغية . و هنا يعلق عبد الله العروي في ديوان السياسة : قد يشك من يهمه الأمر في دقة هذا الرقم . لكن حتى إذا افترضنا أن الأغلبية إما معربون و إما مزدوجو اللغة، و هو ما يتماشى مع ظاهرة النزوح المتزايدة نحو المدن التي يغلب على جميعها تقريبا التخاطب بالعربية، يبقى أن اللهجة لا تحدد وحدها الهوية' ص53. و نتساءل في هذا السياق، هل من شأن انتشار التعليم الرسمي ان يضعف الأمازيغية ؟ الجواب : لا، بل العكس هو الحاصل. تتقوى و تزدهر، بل تزيد حدة و تعصبا قدر ما تتراجع في المجال العمومي . أعتقد ان اللغة لن تكون وحدها سبب تخلف شعب و نبوغ شعب آخر، بل المشكلة في العقول التي ( تتواصل) بهذه اللغة. و العقلية الفاشلة و العاجزة و الاتكالية و الكسولة ، حتى و إن كانت لها لغة خاصة بها فلن تتحضر أو يتحقق نموها و نهضتها إن لم ينعكس ذلك في فكرها . لا يهم أن تمتلك لغة بل المهم أن تحسن استخدامها، على شاكلة مقولة الفيلسوف الفرنسي ديكارت حين قال في كتابه " قواعد المنهج " : ليس المهم أن نمتلك عقلا و لكن المهم أن نحسن استخدامه . مهمة العقل في نقد أزماتنا الداخلية و تخلفنا التاريخي و كذا مهمة العقل في نقد " العقليات " نفسها هي أولوياتنا التي يقاس بها حضارتنا و مدى استعدادنا للدخول إلى عالم رحب مؤسس على قيم الحق و العدالة . القضاء على التخلف التاريخي يقتضي التسلح بمبادئ العقل النقدي . و إن أردنا أن نقيم مثالا لعلاقة اللغة بالتقدم ، و التطور العلمي أو الإقتصادي .. فلا أدل على ذلك لغة الشعب الصيني أو الياباني .. فاذا أطلنا النظر في تطوره العلمي الذي أصبح يرعب دولا تعتقد في نفسها ( العظمة) سنجد أنه شعب بأكمله يتحدث و يتواصل باليابانية .. فهل منع ذلك من تقدمه ؟ الجواب : لالالالالالالالالالا .... عاش المغرب .. صحيح، إن ما يمكن أن يحطم هوية الشخص المغربي هو إلغاء مكونه الثقافي و الحضاري، فلا يمكن أن نشابه هوية شمالي بجنوبي و لا شرقي بغربي. لكن الوطن واحد، و وحدته تعني الحفاظ على خصوصية كل شخص ينتمي إليه ، في إطار وحدة لغوية و دينية و وطنية. هذا هو المفيد، و الأجمل أني عندما أكون في الشمال افتخر بكون عروقي تجري فيها دماء رجالات أبناء الشمال البررة من أمثال عبد الخالق الطريس و محمد داود .. و ان كنت في الحسيمة أو الناظور فقلبي يهتف لمن هزم جيش المستعمر الإسباني، الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي . و قد حصل و كنت في الصيف الماضي مسافرا إلى مدينة الحسيمة الرائعة، فوقفت بنا الحافة للإستراحة بين جبال الريف.. أحسست و أنا أستنشق هواء جبال الريف بعظمة الإنتماء والتضحية و نبل المبادئ التي دافع و يدافع عنها أبناء الوطن. أما عندما أتجه جنوبا إلى صحرائنا، فأنا أقبل رمالها و اقرأ الفاتحة على روح شهدائها .. شهداء الصحراء المغربية. قد يعاتب بعضنا البعض بلطف، لكن أن تشعل بيننا نار الفرقة و الحسد و الكراهية... فهذا ما لا يرتضيه عاقل سيأتي ربه يوم القيامة و يسأل عما فعلت يمناه و شماله . كما لا نرتضي ان (تطمس) ثقافة على حساب أخرى ! ليعش وطننا حرا، من شماله إلى جنوبه و من شرقه إلى غربه ، و في اختلافه الثقافي ، حتى لو كره الحانقون. صفحة الكاتب على الفايسبوك