وسط العاصمة الموريتانية تتموقع بناية تتراءى من بعيد. من يزورها يدرك منذ اللمحة الأولى من شكلها الهندسي، وحتى قبل قراءة اسمها، أنها بناية مغربية. هذه المعلمة المعمارية المتميزة بالنقش على الجبص والخشب، وبزخرفتها على الطريقة المغربية الأندلسية، صارت قبلة لمختلف الفئات والشرائح بهذا البلد العربي الشقيق. تنظم داخل المركز الثقافي المغربي بنواكشوط العديد من الأنشطة الثقافية والفنية والعلمية والمحاضرات واللقاءات، التي تسهم في تعميق العلاقات بين المغرب وموريتانيا، تحصينا للموروث المشترك تاريخيا وجغرافيا وثقافيا واجتماعيا. بناية مغربية بقلب نواكشوط في سنة 1987 أعطى الحسن الثاني تعليماته لبناء المركز الثقافي المغربي بنواكشوط. كان الملك الراحل يطمح إلى تعميق التقارب بين المغرب وموريتانيا من خلال البوابة الثقافية، على اعتبار أن البلدين متقاربان جغرافيا ولغويا وهوياتيا. يتيح المركز الثقافي المغربي، الذي يعد أول منشأة ثقافية أحدثتها المملكة خارج ترابها، للوافدين عليه، من خلال شكله الهندسي، فرصة للإبحار في المعمار المغربي، من خلال الشكل الهندسي، وكذا نوع الزخرفة المعتمدة بواسطة الجبص والنقش على الخشب، إلى جانب الثريات التي تجذب الناظر إليها. يؤثث فضاء هذا المركز بهو بني على الطراز المغربي الأندلسي، به تقام، حسب المسؤولين عنه، محاضرات وندوات وعروض مسرحية وموسيقية وغيرها من الأنشطة التثقيفية، إضافة إلى مكتبة تضم قرابة عشرة آلاف كتاب، ضمنها عدد من أمهات الكتب ومراجع وموسوعات في ميادين علمية شتى، إلى جانب عدد من المخطوطات النادرة، مشكلة بذلك فضاء للقراءة يفد عليه المهتمون والباحثون. ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب، إذ يحتوي المركز أيضا على قاعة للعروض مخصصة لإلقاء المحاضرات وعرض الأشرطة السينمائية والبرامج الثقافية والعروض المسرحية. أما الصالون المغربي، الذي يتوسط المركز، فصمم بمعايير تعكس جمالية المعمار المغربي الأصيل، حتى يكون فضاء لاحتضان عدد من الأنشطة، على رأسها الصالون الأدبي النسوي. أنشطة تجذب الموريتانيين بدأ المركز الثقافي المغربي، الذي أعطى انطلاقته محمد بنعيسى لما كان وزيرا للثقافة، رفقة نظيره الموريتاني محمد محمود ولد ودادي، بالعمل معتمدا في التقرب من الموريتانيين، خصوصا الشباب والنساء، على مجموعة من البرامج الثقافية والفنية التي تستهويهم. ويحتضن هذا المركز مجموعة من الأوراش، التي تخدم المجال الثقافي وتسهم في تقريب العلاقات بين البلدين في هذا المجال، من خلال المسرح، والفنون التشكيلية، والموسيقى، وتعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ودروس في محو الأمية وفي القران الكريم. وحسب مدير المركز، سعيد الجوهري، فإن هذه المؤسسة تقدم "أوراشا عديدة للإخوة الموريتانيين في مجالي المسرح والموسيقى. ويأمل المركز إنشاء نواة للموسيقى تكون منبرا لتلقي الدروس بشكل مجاني"، مضيفا أن "هناك دروسا في الموسيقى العصرية مثل البوب والراب، إلى جانب الخط العربي، ودروس تعليم القرآن". وينفتح المركز الثقافي، الذي يوجد بجانب مسجد الحسن الثاني، على فعاليات المجتمع المدني بنواكشوط ويحتضن لقاءاتها، على غرار جمعية "عبرر موريتاني" وهي جمعية ناطقة بالفرنسية تسهر على مهرجان ثقافي كل سنة، وقد استضافت في أحد أنشطتها الكاتب المغربي الطاهر بنجلون. وأضاف الجوهري أن هذا الفضاء يعمل أيضا على تنظيم أنشطة أخرى، من قبيل تكريم النساء المغربيات والموريتانيات، تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة، إلى جانب احتضان المحاضرات والمسابقات في مجالات عدة، وكذا تنظيم عروض للأزياء. تعميق العلاقات الثقافية ووفق مدير المركز، فإن هذه المؤسسة تساهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين نواكشوط والرباط. إذ أكد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المركز "يقوم بدور كبير في الإشعاع الثقافي، وفي مد جسور التواصل الثقافي بين البلدين". وأوضح الجواهري أن تأسيس هذه المعلمة "يندرج في إطار تعميق العلاقات بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية، وتحصين الموروث المشترك بينهما تاريخيا وروحيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا". ويأتي توطيد هذه العلاقات من خلال هذا المركز، حسب الجوهري، عن طريق الأنشطة التي ينظمها بشكل مستمر، والتي يرتادها الشباب الموريتاني والأكاديميون والمثقفون. وأضاف مدير المركز أن هذه المعلمة صارت قبلة لمختلف الموريتانيين، الذين رغم وصول عدد منهم إلى مراتب ومستويات عليا، فإنهم لا يزالون يصرون على الحضور إليه وإلقاء محاضرات وتنظيم عروض بداخله، باعتباره نافذة ثقافية مفتوحة في وجوههم. كما يساهم هذا المركز، حسب مديره دائما، في تعميق التعاون، من خلال الدعم الذي يقدمه للجمعيات النشيطة في موريتانيا، وخلقه الفضاء المناسب لها لتنظيم أنشطتها. وأعرب الجوهري عن شكره للسلطات الموريتانية ووزارة الثقافة ووزارة الشؤون الإسلامية على المساعدات التي تقدمها له في سبيل إنجاح أنشطته.