خصَّت أكاديمية المملكة المغربية عضوها عبد اللطيف بنعبد الجليل بحفل تكريمي خلال اختتام دورة "اليابان، تجارب في التّحديث والتّنمية"، في سنّة اتّخذتها الأكاديمية للاحتفاء بأعضائها الرّاحلين والأحياء، ومساراتهم العلمية، وعطاءاتهم. وكرّمت الأكاديمية عضوها المقِيمَ الأكاديمي عبد اللطيف بنعبد الجليل، بعد مسار حافل كان فيه أوّل مغربي حاز شهادة دكتوراه في العلوم، وعضو معهد كيمياء الحياة بكليّة العلوم بجامعة مرسيليا بفرنسا، وعميدا وأستاذ كرسيّ بكليّة العلوم في جامعة محمد الخامس ورئيس مختبرها لكيمياء الحياة. وكان عبد اللطيف بنعبد الجليل، وزير التّعليم العالي سابقا، عضو مجلس إدارة "معهد دراسات تاريخ العلوم العربية والإسلامية" بفرانكفورت في ألمانيا، ورئيسا للجنة التّبادل التّربوي بين المغرب والولايات المتّحدة الأمريكية، ورئيس مجلس جامعات المغرب العربي، ورئيس اللجنة الجامعية المغربية الفرنسية. بعد نظر وحكمة إدارة قال عبد الجليل لحجمري، أمين السّرّ الدّائم لأكاديمية المملكة المغربيّة، إنّ عبد اللطيف بنعبد الجليل أستاذ يُعَدُّ ببعد نظره، وحكمة إدارته، وثقافة تدبيره للملفات التعليمية والعلمية، مدرسة، خاصة في فترة كان فيها الدرس التعليمي مهمته ولم يكن بعد مسؤولا إداريا، في خضم أزمة التعليم الجامعي التي تفاقم أمرها عام 1973 حين شكل باعتباره وزيرا للتعليم العالي فريقا للخبراء، كان لحجمري من بينهم، عهد إليهم بوضع تصور جديد لإصلاح التعليم الجامعي آنذاك، وكان هاديا بحماستهم واندفاعاتهم، وهم لم يمارسوا بعد الإدارة التعليمية التي تُرَشِّد الآمال. وأضاف المتحدّث أن توجيهات الأستاذ بنعبد الجليل كانت مصباحا مضيئا، وأنّه تعلّم منه عندما كان عميدا أنّ فلسفة الإصلاح حكمة، وقوّة ناعمة، لا نظريّات مجرَّدَة. وعدّد عبد الجليل لحجمري ما ميّز قيمَ عبد اللطيف بنعبد الجليل من شموخ، وما ميّز أخلاقه من نبل في عصر أبرز ما يسمه أزمة القيم، مضيفا: "ليس تقديرنا له سخاء بل هو حق مستحق، يرتكز على ركيزتين رئيسيتين هما جدة عطائه العلمي والتعليمي في هذا المجال بمهاراته الإدارية والعلمية... ودراساته المنشورة في عدة مجلات علمية دولية، وإرسائه في مهامه العلمية أسس التصور العلمي ببناء جسور التعاون مع الجامعات الفرنسية والعربية". ورأى أمين السّرّ الدائم لأكاديمية المملكة المغربية أنّ الأستاذ المكرَّم "قد كنز العلم والعمل به، والولاء الهوياتي لحضارته، والمحبة لدينه ووطنه وملكه"، وزاد: "كان الإحسان دليله للآخرين، وكانت محبة الناس سبيله، وصفاء قلبه مسكنا للجميع، وله منزلة كبرى في قلوبنا، لفضائله الجامعة التي كان بها وما يزال محطّ تقدير، ونال عليها شهادات، وأوسمة ملكية"، ثم أجمل قائلا: "هذه القيم ترفع عبد اللطيف بنعبد الجليل لمستوى الإنسان الإنساني بأخلاقه النبيلة". ترسيخ لدعائِمِ الجامعة المغربية رأى عمر الفاسي، أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، في هذا الحفل الخاصّ المُقام لتكريم عبد اللطيف بنعبد الجليل تثمينا لما أسداه لوطنه من أعمال مبرورة، وتقديرا لكفاءاته المهنية العالية، واعترافا بتميز شخصيته الإنسانية في مسيرة خصبة دامت أزيد من خمسة عقود. ووصف عمر الفاسي الدكتور بنعبد الجليل بكونه "رجلا من رجالات الدولة الكبار الذين قلما يجود الزمان بمثلهم"، مادحا "كفاءته وتجرُّدَه وتواضعه وإخلاصه في أداء مهامه وواجبه المهني والوطني"، وما بذله في حياته من "جهود خَيِّرَة لخدمة وطنه، وجهد حثيث لإشعاع العلم والمعرفة فيه، وتبويئهما المكانة التي يستحقانها"، وأضاف: "من تعرفوا عليه عن قرب في مختلف المناصب التي تحمل مسؤوليتها، ومن عملوا لجانبه في مختلف الملفات والأوراش، وجدوا فيه مسؤولا مقتدرا، ومُسَيِّرا شريفا، نهض بالمهام الموكولة إليه بكل تفان ونكران ذات". وبعد حديث أمين السّرّ الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتِّقنيات عن "الإجماع الشامل حول شخصية المكرَّم، اعتبارا لنزاهته وخلقه وولائه لوطنه وملكه"، وما تراه فيه العائلة الكبيرة من رجال ونساء التعليم، واعتقادهم مثله أنّ السبيل لتنمية البلاد يعتمد على التربية والتكوين والعلم والثقافة، استرسل متحدّثا عن اهتماماته بالتعليم العالي والبحث العلمي، وبصماته الواضحة على تطور التعليم العالي، والجامعة المغربية، ومواكبته عن قرب جل أوراش إصلاحه. ووصف عمر الفاسي عبد اللطيف بنعبد الجليل بالأستاذ الباحث الكفء، والمسؤول الإداري، والعميد المقتدر الذي يتمتع بكفاءة عالية، وخصال إنسانية نبيلة، واستقامة متميزة، والذي أسدى خلال عمادته لكلية العلوم وطلبتها وأساتذتها خدمات جليلة وأعمالا نيرة، وكان يشجّع دائما على مغربة الجامعة والكليات، ولم يتردد في تشجيع الأساتذة على الذهاب إلى الخارج لتحضير الدكتوراه، والرجوع لسد فراغ الجامعة المغربية في هذه الفترة، ثم أضاف مخاطبا الأستاذ بنعبد الجليل الجالس على منصّة الأكاديمية: "كنتُ من بين المحظوظين في ذلك، فشكرا لك أستاذي العزيز". كما أكّد أمين السرّ الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات اقتناع عبد اللطيف بنعبد الجليل بأنّ السبيل الأمثل لضمان وسائل النّهضة والنموّ هو العلم والتكنولوجيا، والتمكّن منهما، وقال: "لقد كان الأستاذ من الرؤساء الرواد لجامعة محمد الخامس، أوّل جامعة عصرية بالمغرب، وساهم في إرساء دعائمها، وترسيخ مبادئها الأكاديمية، وعلى يديه انطلق مجدها، وارتقت إلى مراتب متميزة، ونالت إشعاعا قويا، وتواصل دورها في التنمية". استحقاق يفرض نفسه اعتبر محمد الكتاني، أمين السّرّ المساعد لأكاديمية المملكة المغربية، تكريم عبد اللطيف بنعبد الجليل "استحقاقا يفرض نفسه، وتتويجا لمساره الأكاديمي الحافل بالأعمال والمنجزات، يأتي في إطار ما قرَّرَتهُ الأكاديمية منذ مدة قريبة من جعل تكريم أعضائها سنة متبعة، دليلا على فضيلة الاعتراف لما لِبُنَاة هذه الأكاديمية من دور جليل في تحقيق ما كان يتوخاه مؤسسها وراعيها الملك الحسن الثاني، الذي سار على نهجه وسنته الملك محمد السادس". وقال الكتاني إنّ عبد اللطيف بنعبد الجليل منذ التحاقه بأكاديمية المملكة المغربية، نحو أربعين سنة، كان من الرعيل الأوّل الذي عُيِّنَ فيها، وظل عضوا فاعلا وجادا، وتحمل مسؤوليات حكومية وجامعية، وكان شخصية متميزة بالعطاء أساسا، في تواضع وصمت، إلى جانب تميزه بتخصص علمي دقيق في علوم الحياة أثمر العديد من الأبحاث المنشورة في العديد من المجلات العلمية، ثم أجمل قائلا: هو "قدوة لنا". واختار عبد اللطيف بنعبد الجليل، المُحتفى به، الحديث عن سعادته، وتشريفه بهذا التّكريم، قائلا إنّه يعبّر عن فائق الشّكر والامتنان لمن بادر به، ولراعي أكاديمية المملكة المغربية الملك محمّد السادس على ما يحيطها به من عناية. كما رأى في تكريمه "مبادرة نابعة من قيم الاعتراف والتّقدير والوفاء"، مضيفا أنّ من شأن هذا الاحتفال بأعضاء أكاديمية المملكة المغربية أن يكون نبراسا مضيئا، وحافزا للأجيال القادمة.