في مسعى إلى التصدي لظاهرة هدر الطعام واسعة الانتشار في السعودية، قام الشاب السعودي مشعل الخريشي بتصميم أطباق تجعل الوجبات تبدو أكبر من حجمها الحقيقي. وفي جميع أنحاء دول الخليج، توضع أطباق هائلة ومتنوعة من الطعام كرمز للضيافة والكرم. ولكن ينتهي المطاف بالكثير من الطعام في سلة المهملات. ويقوم السعوديون في بيوتهم في العادة بتقديم الطعام بأطباق بيضاوية الشكل، مع كميات هائلة من الأرز الذي يتم هدر كميات كبيرة منه في النهاية. وصمم الخريشي طبقا يحمل اسم "صحن مشعل" بهدف التقليل من هدر الطعام. والصحن مرتفع في جهة الوسط التي لا تتسع سوى لكمية قليلة من الطعام، ما يعني تقديم كمية أقل من الأرز. وقال الخريشي لوكالة فرانس برس إن "التصميم المبتكر للصحن مرتفع من الوسط، ويقلل الهدر بنسبة 30%". وحسب الخريشي فإنّه منذ تقديم الفكرة التي لاقت إقبالا من العديد من المطاعم السعودية قبل نحو سنتين، "قمنا بتوفير 3 آلاف طن من الأرز" بدلا من هدرها، وتابع: "بهذه الطريقة نحافظ على الكرم مع التقليل من الهدر". والسعودية تأتي في المرتبة الأولى عالميا في هدر الغذاء. وقال تقرير صادر عن وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية عام 2018 إن نصيب الفرد من الطعام المهدر في السعودية يبلغ حوالي 250 كيلوغراما سنوياً، وهو ما يتجاوز بكثير ضعف المعدل العالمي البالغ 115 كيلوغراما للفرد. وتقدر الوزارة أن هدر الغذاء يكلّف المملكة نحو 13 مليار دولار سنويا. وبموجب أرقام صادرة عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة "إيكونوميست"، يهدر السعودي العادي نحو 427 كلغ من الطعام، في مؤشر عما يصفه مراقبون بأنه ثقافة استهلاكية لا تقدّر الطعام. وكتب باحثون من جامعة الملك سعود في الرياض ورقة بحثية العام الماضي جاء فيها أنّ "هدر الطعام في المطاعم والاحتفالات والمناسبات الاجتماعية هائل...لأن العادة جرت بتقديم طعام أكثر من المطلوب". وحسب الدراسة فإنّه نظرا لتوفر المواد الغذائية والبقالة بكثرة لجميع المقيمين في السعودية، وكونها مدعومة حكوميا، فإن الكثير "يأخذون الطعام كأمر مسلّم به". حرية الأكل طالبت جمعية "إطعام" الخيرية السعودية، التي تقوم بجمع الطعام الزائد من الفنادق وقاعات الأفراح، وتوزّعها على المحتاجين، بفرض غرامات على الهدر الغذائي. ومرت السعودية، التي تملك احتياطات نفط هائلة، بتغييرات اجتماعية كبرى بعدما تحوّلت إلى دولة تملك ثروات كبيرة في غضون عقود. وأصبح الطعام ليس لمجرد الغذاء، بل أيضا وسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية. وفي مجتمع تسود فيه القيم التقليدية وتنحصر فيه المناسبات الاجتماعية في الطعام، فإن تقديمه بكميات مهولة يدل على الثراء. وقالت كريستين ديوان، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن: "في غضون جيل واحد فقط، تحوّلت السعودية من ظروف الندرة إلى الوفرة، وللبعض إلى الثروة الهائلة". ويرفض الكثير من السعوديين الصورة النمطية المنتشرة عنهم بأنهم "شرهين"، في بلد تقول فيه وسائل الإعلام المحلية إن أكثر من 40% من السكان يعانون من السمنة المفرطة. وقال أكاديمي سعودي رفض كشف اسمه لوكالة فرانس برس: "الحرية الوحيدة التي نملكها في نظام ملكي مطلق هي حرية الأكل"، وأضاف: "لفترة طويلة، كانت وسيلة الترفيه الوحيدة للسعوديين عبارة عن المطاعم والطعام". ولطالما كانت حياة السعوديين موزعة بين المطاعم والمراكز التجارية، في وقت كانت أسعار النفط المرتفعة تساند سياسة الدعم الحكومي للمواطنين. ويسعى عدد من السعوديين مؤخرا إلى تغيير أسلوب حياتهم بعد الضغوطات الاقتصادية الناجمة عن فرض ضرائب، وفتح منافذ للترفيه، مثل دور السينما والحفلات الموسيقية. ويسعى عدد من الشبان السعوديين إلى الابتعاد عن الإفراط والدعوة إلى البساطة وحتى اتباع أسلوب حياة خال من اللحوم والمنتجات الحيوانية. ومن بين هؤلاء الطباخة "المها الدوسري" التي تعرف بأنها "البدوية النباتية". ولا يقتصر الإسراف والهدر على الطعام في السعودية؛ بل يتم الإسراف أيضا في المياه، في وقت تعاني المملكة من تراجع في الموارد. وتستهلك السعودية 263 لترا من المياه للفرد يوميا، أي ضعف المعدل العالمي اليومي. وتسعى الرياض إلى خفض الاستهلاك اليومي ليصبح 150 لترا بحلول عام 2030. وحسب ديوان فإن "تغيير الثقافة أمر صعب، ولكن المخاوف المتعلقة بالبيئة والاستدامة، وحياة صحية لدى طبقة معينة من السعوديين، سيكون لديها بعض التأثير"، وتابعت: "هذه بذور التغيير". *أ.ف.ب