عرفانا له بعدم اصطفافه إلى جانب الذين بايعوا محمدا بن عرفة، مثل عدد من الباشوات والقياد المغاربة في فترة الاستعمار، اختير مبارك البكاي الهبيل ليكون أول رئيس حكومة في المغرب في مثل هذا الشهر (دجنبر) من سنة 1955 وهو الذي استقال من المنصب الذي كان يشغله باعتباره باشا لمدينة صفرو احتجاجا على نفي السلطان محمد بن يوسف عندما اصطف قياد وباشاوات خلف الرجل القوي التهامي الڭلاوي. لم يكن مبارك البكاي الهبيل مقاوما للوجود الفرنسي بالمغرب أو فدائيا مزعجا تريد فرنسا رأسه كي يتم تنصيبه على رأس أول حكومة مغربية "مستقلة" نكاية في المستعمر الفرنسي بمجرد ما حصل المغرب على استقلاله، وما لذلك من رمزية. بالعكس تماما، فقد كان هذا العسكري، الذي ولد ببركان سنة 1907، أحد الرجال الذين سهرت فرنسا على توفير تكوين لهم؛ بل كان محاربا في الجيش الفرنسي ضد الألمان ومدافعا عن حرية فرنسا، فبُترت لأجل تلك الغاية ساقه التي تم تعويضها بساق خشبية استعان بها ما يزيد عن عشرين عاما. وحتى عندما استقال من باشوية صفرو، احتجاجا على القرارات الفرنسية، سافر نحو فرنسا ليعيش فيها. أسير الألمان عاش يتيما بعد وفاة والده مبارك الهبيل سنة 1913، الذي كان قائدا على قبيلة بني عتيق، فاهتمت به والدته "طاما"، التي يقول الكثيرون إنها المشهورة في الأشعار بالقايدة "طاما" أو طامو بقبيلة بني يزناسن، وحيكت حولها الأساطير بأنها كانت ترتدي ملابس الرجال وتمتطي صهوة الجياد وتنافس الذكور في الفضاء العام. تخرّج رئيس الحكومة المغربية الأولى من المدرسة العسكرية الفرنسية "الدار البيضا" بمكناس سنة 1926 برتبة ملازم. وقد اشتغل تحت إمرة الفرنسيين في الجيش الفرنسي في حروب "التهدئة" بالمغرب، بكل من مراكش وسطات، وكذلك خارج المغرب بمشاركته في فيلق فرنسي بسوريا. وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية كان ضمن المقاتلين تحت الراية الفرنسية، دفاعا عن فرنسا ضد الألمان، وقد أصيب في رجله الأيمن في الحدود الفرنسية البلجيكية، وأسره الألمان، ولما استحال علاج رجله تم بترها. أصبح كولونيلا في الجيش الفرنسي. وفي سنة 1942، جرى تعيينه قايدا لبني درار شمال المغرب. بعد سنتين، وتحديدا في 26 نونبر 1944، سوف يعين باشا مدينة صفرو. استقلال المغرب ساعده عدم انتمائه إلى أي تيار حزبي ووفاؤه للسلطان في أن يحظى بثقة أطراف كثيرة، كما أن إتقانه للفرنسية دعمه ليقود الكثير من المفاوضات ويطرق الكثير من الأبواب؛ فقد وعده السلطان في إحدى البرقيات "بأن يبقى اسم البكاي مقرونا باسم جلالة الملك". وقد كان السلطان وفيا بوعده للبكاي الهبيل، إذ إن هذا الرجل هو من وقّع على استقلال المغرب في 2 مارس 1956 مع الفرنسيين، ومع الإسبانيين في 7 أبريل من السنة نفسها. وإذا كان البكاي محاورا مقنعا عندما يتحدث باللغة الفرنسية التي درس بها، فإنه ليس بهذا التمكن عندما يتخاطب باللغة العربية، خاصة الفصيحة. يحكي أحد أبنائه، في برنامج تلفزيوني بث في إحدى القنوات المغربية، أن البكاي الهبيل لم يكن يتقن العربية، وكان يخلط بين "إلا" و"إلى"؛ ذلك أنه تناول الكلمة خلال تنصيب أحد العمال وقال أمام الحضور: "كلكم أوفياء إلاّ صاحب الجلالة"، وهو يقصد "كلكم أوفياء لصاحب الجلالة". الحكومتان الأولى والثانية تشكلت الحكومة المغربية الأولى لتقود المفاوضات مع الفرنسيين في دجنبر 1955 برئاسة البكاي الهبيل، وضمت كل من محمد الزغاري وإدريس المحمدي وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد الشرقاوي وأحمد رضا اجديرة وعبد الكريم ابن جلون التويمي والحسن اليوسي وعبد القادر ابن جلون ومحمد المختار السوسي ومحمد الفاسي ومحمد الدويري وأحمد بن منصور النجاعي وأحمد اليزيدي وعبد الهادي بوطالب وعبد المالك فرج ومحمد بن بوشعيب ثم عبد الله إبراهيم وأحمد بن سودة كاتبي دولة. حسب ما جاء في الجريدة الرسمية المغربية ل23 دجنبر 1955. نال البكاي الهبيل ثقة محمد الخامس مجددا، ليقوم بتشكيل حكومة ثانية في 26 أكتوبر 1956، والتي ضمت عددا أقل من الوزراء عن الحكومة السابقة مع إضافة جدد وتغيير مهام آخرين؛ مثل إحداث وزارة البريد والتلغراف والتليفون التي تقلد مسؤوليتها ليون بنزاكين، وحقيبة الدفاع الوطني التي تقلدها محمد الزغاري، والشؤون الخارجية التي تقلدها أحمد بلا فريج، وغيرها من حقائب هذه الحكومة، التي استمرت إلى 16 أبريل 1958 حيث قدم البكاي استقالته. توفي الكولونيل مبارك البكاي الهبيل في 12 أبريل 1961، وهو في عمر ال54 سنة.