هل كان بالإمكان إنقاذ ضحايا حادثة السير التي وقعت بالقرب من مدينة تازة؟ هل تتوفر الدولة على مخطط استعجالي للتعاطي مع الكوارث وغضب الطبيعة؟ أين هي مروحيات وزارة الصحة؟ أين غابت مروحيات الدرك الملكي؟ أليس من الأجدر أن يتحرك وفد حكومي إلى مكان الواقعة، لتفقد الضحايا ومساعدتهم وتقديم التعازي للأهالي. هذه الأسئلة وأخرى حضرت بقوة في النقاش الذي أعقب فاجعة باب مرزوقة بإقليم تازة. وقد أعادت هذه الفاجعة، التي أودت بحياة 17 شخصا وإصابة آخرين، إلى الأذهان وقائع وأحداث مأساوية سابقة؛ كقطار بوقنادل، وملعب تزيرت بإقليم تارودانت، وحادثة سير تاونات قبيل عيد الأضحى. وجددت الحديث عن تخصص طبي حيوي تم إقباره بالمغرب ألا وهو طب المستعجلات والكوارث. فلاش باك.. في ال 16 من أكتوبر 2018، استفاق الشعب المغربي على وقع فاجعة دموية تمثلت في انحراف قطار عن سكته بمنطقة بوقنادل مخلفا عشرات القتلى والجرحى والمعطوبين، ووجه وقتها مواطنون غاضبون انتقادات لاذعة إلى حكومة الإسلاميين التي يقودها سعد الدين العثماني، بخصوص الطريقة التي تمت بها عمليات الإنقاذ ونقل المرضى إلى مراكز العلاج والتي وصفت ب"البدائية". وتدخل، حينها، الملك محمد السادس لإعطاء تعليماته قصد نقل المصابين وتمكينهم من العلاج اللازم بالمستشفى العسكري في العاصمة الرباط؛ وهي إشارة واضحة على أن مستعجلات المشافي العمومية ليست بخير، في ظل افتقار مصالحها إلى أطباء وممرضين مختصين في طب المستعجلات والكوارث للتكفل بالجرحى والحالات الحرجة واقتصارها على طبيب عام. وبإقليم تارودانت، تحول عرس كروي محلي بقرية إيمي نتيارت، دائرة إيغرن، في ال28 من غشت المنصرم، إلى مأتمٍ كبيرٍ، بعدما جرفت الفيضانات 7 أشخاصٍ كانوا يتابعون أطوارَ المباراة من منصة "ملعبِ الموت" غالبيتهم شيوخ لم تستطع أجسادهم مقاومة قوّة التّيار المائي. وانهالت وقتها ردود أفعال المواطنين الغاضبة على الجهات المسؤولة، في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أججتها المشاهد الصادمة التي وثقتها عدسات الهواتف المحمولة من عين المكان بالصوت والصورة، لمجموعة من الضحايا المتناثرين هناك وهناك يواجهون قدرهم المحتوم. توالي الفواجع والكوارث جدد النقاش الدائر بخصوص غياب مخطط استعجالي خاص بالكوارث الطبيعية، خاصة في الشق المتعلق بإسعاف الجرحى وتقديم المساعدة لأشخاص في حالة خطر بعين المكان وتفادي نقلهم إلى مراكز استشفائي لمئات الكيلومترات. معاناة في الإسعافات وفي هذا الصدد، قال الدكتور فوزي أنور لمراني، رئيس ودادية طب المستعجلات بطنجة، إن المغاربة يعانون الأمرين من آفة تأخر الإسعافات الأولية؛ الممكن تقديمها مباشرة في نقط وأماكن وقوع حوادث السير، وقد تمر على هذه الأخيرة ساعة أو ساعتان قبل أن تلتحق بمكان الواقعة سيارة "إسعاف" مهترئة تغيب عنها أبسط وسائل وأجهزة الإسعافات باستثناء سائق، مشيرا إلى أن عمليات نقل المعطوبين والجرحى تشوبها عيوب ونواقص تؤثر سلبا على الضحايا. وأضاف رئيس ودادية طب المستعجلات بطنجة أن طب المستعجلات هو واحد من أربعة تخصصات طبية تتكفل بالحالات الحرجة والمستعصية، ويلعب دورا مهما في مرحلة استقبال وفرز المرضى وتوجيههم إلى المصالح المعنية كل حسب حالته وما يستدعيه وضعه الصحي، مشيرا إلى أن هذا التخصص معترف به بأمريكا منذ 1972 وفي كندا منذ عام 1979 وفي سنغافورة سنة 1984 وتركيا سنة 1993، كما تم إدراجه ضمن التخصصات الحيوية والضرورية بكل من تونس وجنوب إفريقيا سنة 2004. وقال المتحدث ذاته إن طب المستعجلات ظهر إلى العلن في المغرب سنة 2003 بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، وسنة 2004 بالرباط قبل أن يتم إقباره لأسباب مجهولة. وفي هذا السياق، سجل الدكتور فوزي أنور لمراني نقصا كبيرا في عدد الاختصاصيين في طب المستعجلات والكوارث، إذ لا يتجاوز عددهم ال17 طبيبا يتمركزون في المدن الكبرى بالإضافة إلى 9 أطباء اختصاصيين عسكريين، في الوقت الذي تتوفر فيه دولة صغيرة كتونس على 3 أساتذة تعليم عال و20 أستاذا مبرزا و56 أستاذا مساعدا و12 طبيبا مختصا في طب المستعجلات لساكنة لا تتجاوز 10 ملايين نسمة. واستحضر رئيس ودادية طب المستعجلات بطنجة بيان فيدرالية الوطنية لأطباء التخدير والإنعاش، والذي أقرت فيه بمعاناة أطباء التخدير لتأمين العمل بمصالح المستعجلات والإنعاش والإشراف على العمليات الجراحية، ومطالبتها بضرورة تطوير طب المستعجلات عبر تكثيف التكوين في هذا الاختصاص. ونوه الدكتور فوزي أنور لمراني بالمجهودات التي تبذلها الجمعية المغربية لطب المستعجلات في شخص رئيسها الدكتور لحسن بليمني، داعيا وزارة الصحة إلى إيلاء العناية بمصالح المستعجلات من خلال فتح مناصب أساتذة طب المستعجلات والكوارث بعموم كليات الطب الصيدلة ضمانا لتطور وازدهاره وبالتالي تجويد الخدمات المقدمة للمواطنين بمصلحة تشكل مرآة المؤسسات الصحية وأولوية وطنية، فهل سيتم العمل على النهوض بطب المستعجلات؟ وحده الوزير خالد ايت طالب يملك الجواب.