قال عفيف الفريقي، رئيس المنظمة العربية للسلامة المرورية، إن "المغرب قطع أشواطا كبيرة في مجال الأمن الطرقي، إذ تدارك خلال العشرية الأخيرة ما فاته في وقت وجيز للغاية"، مشيرا إلى أن "البلد يشهد تطورا مُبهرا على صعيد البنيات التحتية واللوجستيك، وكذلك الإجراءات الموازية التي يتم اتخاذها من لدن الفاعل الحكومي، من خلال إحداث الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، حتى تكون هيكلا رائدا يقود السلامة المرورية". وأضاف الفريقي، على هامش الملتقى الدولي حول الصحة والسلامة الطرقية بالبيضاء، أن "المغرب يجب أن يضع سياسات مستدامة في مجال الأمن الطرقي، لا أن تكون مناسباتية"، داعيا إلى "ترسيخ ثقافة السلامة المرورية لدى عامة الناس، من خلال إشراك المجتمع المدني وكل القوى الحية ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأسرة والمدرسة". إليكم تفاصيل الحوار: بداية، ما تشخيصك لواقع السلامة الطرقية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ إن وضع السلامة الطرقية في البلدان العربية مُحزن ومُخجل في الآن ذاته، مع استثناء الدول التي نجحت في نهج مقاربة شاملة ترتكز على تطوير التشريعات والقوانين، وهي حالة بعض دول الخليج العربي التي حققت نتائج إيجابية، بالنظر إلى الإمكانيات المادية التي رُصدت لذلك؛ فضلا عن الخبرات الأجنبية التي جرى استقدامها بالموازاة مع تطوير البُنى التحتية، لكن باقي الدول ترزح تحت ويلات الحوادث الطرقية. وصُنفت دول شمال إفريقيا ضمن أخطر المناطق التي تشهد ارتفاعا كبيرا للحوادث الطرقية في العالم، بمعدل يصل إلى 26.6 قتيل لكل 100 ألف ساكنة، وهي نسبة مخيفة في الحقيقة، لأن الدول الأوروبية لا تتجاوز ما بين 6 و8 قتلى بالنسبة ل 100 ألف ساكنة.. هي ثروات إنسانية تموت يوميا في الطرقات، وقيمتها أكبر بكثير من الثروات الطبيعية، ذلك أن الدولة تصرف على الشباب أموالا طائلة، لكن هذه الشريحة الواعدة تموت في الطرقات بدون ذنب. تُدرّس دول المنطقة الشباب مختلف العلوم الإنسانية والطبيعية، لكنها لا تُعلمهم قواعد الاستخدام الآمن للطريق واحترام الآخر، فضلا عن التعايش والتنقل في الطرقات، لأن الحفاظ على حياتك يعني الحفاظ على حياة الآخرين؛ وهي مسؤولية كبيرة تتحملها الدولة بمفهومها الشامل، من خلال إقرار التربية ضمن المنهاج الدراسي، وكذلك فرض الرقابة الصارمة على مُخالفي قواعد المرور. نستشف من حديثك أن دول المنطقة لا تولي الأهمية الكبرى لموضوع السلامة الطرقية. في نظرك، لماذا لا تُدرج الحكومات هذا الموضوع ضمن أولوياتها في الأجندة السياسية؟. من غير المعقول أن تود أي دولة في المنطقة حل أزمة ارتفاع الوفيات المترتبة عن حوادث الطرقات دون وجود صفة الجدّية، إذ ينبغي أن يطرح الموضوع للنقاش في كل مجلس وزاري، وكذا خلال اجتماعات أعضاء الحكومة، ما جعلنا نطالب بوضع بُند قار في هذه اللقاءات الرسمية يُعنى بالسلامة الطرقية. هكذا، سيعمل رئيس الحكومة على مواكبة القضية بشكل مستدام، من خلال معرفة أعداد الوفيات كل أسبوع، ثم العمل على وضع الحلول الكفيلة بالتخفيف من الأزمة. لذلك، يجب على رئيس الحكومة، وفق المنطق الذي أتحدث عنه، أن يُنجز تقارير دورية تُراقب المخططات الحكومية في مجال السلامة الطرقية، ومن ثمة يجب أن يتحمل كل وزير مسؤوليته في القطاع، لأننا نريد أن ينتصر الحق في الحياة، من خلال جعل الموضوع قضية وطنية مستدامة في الإعلام ومختلف المؤسسات، على أساسا أن السلامة الطرقية لا تخص وزارة النقل أو الداخلية لوحدهما، بل يتحمل الجميع مسؤوليته، لأنها قضية كونية ووطنية. ينهج المغرب إستراتيجية بعيدة الأمد في مجال الأمن الطرقي والسلامة المرورية خلال السنوات الأخيرة. بالنظر إلى الخبرة التي راكمتها في المجال، ما تقييمك للتجربة المغربية في الوقاية من حوادث الطرقات؟. بدون مجاملة وبكل تلقائية، لقد قطع المغرب أشواطا كبيرة في مجال الأمن الطرقي، إذ تدارك خلال العشرية الأخيرة ما فاته في وقت وجيز للغاية، بعدما جعل الملك محمد السادس السلامة الطرقية قضية وطنية منذ 2005، كما خصص يوما وطنيا للسلامة الطرقية هو 18 فبراير، الأمر الذي يعكس ويترجم قيادة المملكة الواعية التي تستشعر مسؤوليتها، وتحمل أمانة الحكم لحماية المغاربة والمقيمين في المغرب من ويلات حوادث المرور. نتابع التطور الباهر الذي حققه المغرب على صعيد البنيات التحتية واللوجستيك؛ وكذلك الإجراءات الموازية التي يتم اتخاذها من لدن الفاعل الحكومي، من خلال إحداث الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية حتى تكون هيكلا رائدا يقود السلامة المرورية في المغرب. كما نسمع، اليوم، أن هنالك لجنة لوضع مقاربة جديدة تخص المنوال التنموي الجديد لمستقبل المغرب في أفق 2050، ما يعني أن هنالك قيادة وحكومة رائدة تقود الشعب للأفضل. يبدو أن المغرب حقق نتائج إيجابية على صعيد الإستراتيجية الوطنية في مجال الأمن الطرقي، لكن تعترضه مجموعة من التحديات والعوائق التي تُقوض هذا العمل في بعض الأحايين. ما طبيعة الرهانات المستقبلية على إستراتيجية السلامة المرورية في المغرب؟. أرى أن المغرب يجب أن يضع سياسات مستدامة، لا أن تكون مناسباتية؛ أي ترسيخ هذه الثقافة لدى عامة الناس، فضلا عن إشراك المجتمع المدني وكل القوى الحية ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأسرة والمدرسة. الجميع مسؤول من موقعه حتى يتم تغيير الوضع للأرقى والأنجع، ومن ثمة تأسيس عمل مستدام يرتكز على خطط واضحة، ثم توزيع الأدوار وربط المسؤولية بالمحاسبة. تحدثت في مداخلتك عن الفساد المستشري في قطاع الأمن الطرقي، تحديدا ما يتعلق بتسليم شهادة الأهلية للسياقة. هل يمكنك وصف واقع الفحوصات الطبية التي تخص القدرة على السياقة في منطقة "MENA" (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)؟. إن الفساد مستشر في كل القطاعات، لكن بنسب متفاوتة. لا أتحدث هنا عن الأطباء الأجلاء الذين يحرصون على حفظ الأمانة، بل يتعلق الأمر بالحالات الشاذة في القطاع. يوجد من المواطنين من تصله رخصة القيادة إلى بيته، ولا يحتاج بذلك إلى أي شهادة طبية، وقد لا يجتاز الاختبار النظري أو التطبيقي، لأن فئة من الأطباء جعلت من الشهادة أمرا إداريا فحسب، يتم التوقيع عليها بدون أي تردد. هذه الشريحة تبيع الموت للمواطنين، وتخون الثقة التي وضعت فيها لحماية الناس. في الختام، ما هي المخرجات التي تقترحها لبلورة إستراتيجيات ناجعة، أو على الأقل سياسات عمومية تحمل رؤية بعيدة الأمد، من شأنها محاربة ظاهرة حوادث السير في المنطقة؟. المنظمة العربية للسلامة المرورية نظمت مؤتمرا في "جزيرة الأحلام جربة" بتونس، حيث استصدر الشباب الذين يمثلون أزيد من 25 دولة غربية، بما في ذلك الوفد المغربي الذي قدّم ورقة جميلة عن الموضوع، توصيات يطالبون فيها القادة بجعل قضية السلامة المرورية بندا ثابتا في جدول أعمال كل القمم العربية، ثم محاسبة المسؤولين على مدى حماية أرواح المواطنين. وضع الشباب خطة مندمجة للضغط الإيجابي على المجالس الوزارية المختصة في جامعة الدول العربية، من قبيل مجلس وزراء النقل والتجهيز والسكنى والداخلية والعدل، من خلال إعداد حملات تحسيسية تروم الضغط على أصحاب القرار، حتى يصير الموضوع ذا حمولة سياسية في المستقبل، ضمن مقاربة شاملة عنوانها: "فكر عربيا ونفذ وطنيا"، حي سيتم إطلاق وسم شهري منذ يناير المقبل يتمحور حول السلامة الطرقية في مختلف الدول العربية.