بسبب فشل عملية التسوية السياسية ثم انقلاب حماس وسيطرتها على قطاع غزة في يونيو2007، وبسبب الاشتغال الخبيث لاستراتيجية الإلهاء والتدمير الذاتي، وبسبب فشل كل حوارات المصالحة التي استمرت طوال عشر سنوات، ولأن الانتخابات العامة لم تنجح في ما فشلت فيه حوارات المصالحة ولا توجد فرص نجاح لإجرائها الآن وإن جرت فلن تنهي لوحدها حالة الانقسام، كما بات من الواضح ومن خلال استقراء الواقع وتصريحات المسؤولين الفلسطينيين أنفسهم أن حل الدولتين بالرؤية الفلسطينية بات مستحيلا ومصير الضفة الغربية أصبح شبه محسوم لصالح تقاسم وظيفي ما بين إسرائيل والأردن مع الحفاظ على وجود رمزي لسلطة حكم ذاتي محدود للفلسطينيين في بعض التجمعات الفلسطينية، أما قطاع غزة فقد أصبح خارج المعادلة الوطنية وخارج سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، وحركة حماس وبالرغم من سيطرتها الداخلية على قطاع غزة إلا أنها لوحدها لا تستطيع تقرير مصير ومستقبل القطاع. بسبب كل ذلك تفككت وحدة الشعب والمجتمع وأصبحنا أمام تجمعات فلسطينية يربطها خيط واهن بمرجعية رمزية تسمى منظمة التحرير الفلسطينية، ومرجعية أكثر وهناً تسمى السلطة الفلسطينية، وأصبح رهن مستقبل ومصير الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة بحوارات المصالحة أو بانتخابات قادمة لا ترغبها كل الطبقة السياسية، أو المراهنة على السلطة والحكومة في الضفة لحل مشاكل القطاع المالية والاقتصادية هي مراهنة على سراب. فما هو الحل؟ وما هو مستقبل قطاع غزة؟. هناك عدة سيناريوهات لمستقبل قطاع غزة وهي كالتالي : بقاء الأمور على حالها في انتظار المجهول أو تسوية أمريكية قادمة مع تكيُّف قسري لأهالي القطاع مع الوضع القائم، وترك مخطط الفصل يستكمل بقية حلقاته من خلال تحسين تدريجي لآلية السفر عبر معبر رفح وبعض المشاريع الاقتصادية لتحسين الوضع المعيشي كتوسيع منطقة الصيد والسماح بدخول أموال من قطر وغيرها، ووعود براقة كالميناء والمناطق الصناعية والحرة على الحدود الشرقية مع إسرائيل وهذه لن تتحقق إلا بعد تصفية المقاومة والتكريس النهائي للفصل. دولة في قطاع غزة تحت حكم حركة حماس، وهذا لن يكون إلا في إطار تسوية سياسية أمريكية لتصفية القضية الفلسطينية. ما سبق أن طرحناه حول اعتبار فلسطين دولة اتحادية وبالتالي منح فلسطينيي القطاع وضعا خاصا لإدارة أمورهم الداخلية في إطار مرجعية وطنية واحدة للكل الفلسطيني وهذا يحتاج إلى توافق وطني حول طبيعة النظام السياسي المرغوب. أن يبحث فلسطينيو قطاع غزة عن طرقهم الخاصة لحل مشاكلهم في إطار توافق وطني بينهم وتفاهم مع القيادة في رام الله وجمهورية مصر العربية، دون الانزلاق نحو دولنة قطاع غزة، لحماية ما تبقى من كرامة وطنية عند سكان القطاع، وحتى لا يبقى القطاع مُصادَراً من طرف حركة حماس ودول عربية وإقليمية، وخاضعا لابتزاز وإرهاب إسرائيل وحقل تجارب لسلاحها. لا شك أنها سيناريوهات غير مريحة وكلها تتعارض مع طموح الشعب بدولة مستقلة في الضفة وغزة عاصمتها القدس مع عودة اللاجئين، كما أنها تتجاهل ما حظيت به دولة فلسطين من اعتراف دولي ومن وجود هوية وطنية مستقلة ومؤسسات وطنية. ولكن بعد كل ما جرى من انهيار النظام السياسي الفلسطيني وفشل المراهنة على تسوية تُعيد ربط العلاقة بين غزة والضفة في إطار دولة مستقلة ولأن طرفي المعادلة الفلسطينية متمسكان بمواقفهما، حيث الطرف الأول متمسك بحل الدولتين حتى آخر لحظة حتى مع تصريحات قادته بأنه حل أصبح مستحيلا وكل القرارات التي صدرت عن المجلس المركزي والمجلس الوطني وعن الرئيس أبو مازن نفسه بإعادة النظر بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل بقيت مجرد حبر على ورق، والطرف الثاني متمسك بدولة في غزة حتى وإن أدت لتصفية المشروع الوطني، وكلاهما غير راغب بالتفكير خارج الصندوق والبحث عن حلول وطنية توافقية إبداعية، لكل ذلك فإن شكلا من العلاقة بين القطاع ومصر أصبحت أمراً لا مفر منه وسيكون لمصر دور في تحديد مستقبل قطاع غزة ,كما هو الأمر مع الأردن بالنسبة إلى الضفة. واقع الحال يقول إن مصر باتت المقرر لمستقبل قطاع غزة للأسباب التالية : إسرائيل لا تريد ضم قطاع غزة، والسلطة غير قادرة على استعادته، وحماس تريد دولة فيه ولكنها لا تستطيع لوحدها إنجاز ذلك. لاعتبارات الأمن القومي، فوجود قطاع غزة محاذياً لسيناء التي تشهد أعمال عنف ضد النظام المصري من جماعات متطرفة إسلامية، أملت على مصر التعامل ببراغماتية مع حماس حتى لا تدعم الأخيرة هذه الجماعات المتطرفة. مصر مضطرة ولو في إطار التكتيك إلى التعامل بإيجابية مع حركة حماس حتى تقطع الطريق على منافسيها وخصومها الإقليميين خصوصاً قطر وتركيا وإيران حتى لا يوظفوا حماس لمناكفتها، ومصر لن تسمح أن يكون في القطاع نظام سياسي معاد لها. سيطرتها على معبر رفح البري وهو المنفذ الوحيد المتاح لأهالي قطاع غزة والذي لا يخضع للسيطرة الإسرائيلية. العلاقة التاريخية بين القطاع ومصر حيث كان القطاع خاضعاً لإدارة. حاكم عسكري مصري في الفترة ما بين 1948 – 1967..وبالتالي تتحمل مصر مسؤولية قانونية وأخلاقية لأن إسرائيل احتلت قطاع غزة أثناء خضوعه لحاكم عسكري مصري. لأن الأساس الذي قامت عليه التسوية السياسية منذ مؤتمر مدريد ثم في أوسلو هو قراري مجلس الأمن 242 و338 وهذان القراران يخاطبان الدول المشاركة في حرب 1967 إسرائيل ومصر والأردن وسوريا. وحيث إن حل الدولتين وصل لطريق مسدود فقد يتم العودة لهذين القرارين وبالتالي البحث عن دور ما لكل من مصر والأردن. هناك شبه تسليم من طرف السلطة الفلسطينية بمسؤولية مصر عن قطاع غزة، وهذا يظهر من غياب حرس الرئيس أو أي جهاز أمني للسلطة عن معبر رفح، حيث تتم إدارة المعبر مباشرة ما بين حماس ومصر، أيضا غياب السلطة عن مفاوضات الهدنة أو التهدئة. تزايد حجم التعامل التجاري بين قطاع غزة ومصر، وهي تعاملات تستفيد حركة حماس من ضرائبها، وهذا التعامل يتعارض مع بروتوكول باريس الاقتصادي. برود العلاقة بين مصر والسلطة الفلسطينية، حتى زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني لمصر على رأس وفد كبير في أكتوبر الماضي لم يكسر الجمود في العلاقة بين الطرفين، مع احتمال بأن رئيس الوزراء الفلسطيني بلغ رسالة من الرئيس أبو مازن بعدم الممانعة بأن تواصل مصر علاقاتها مع حماس بما يحقق الهدنة وتحسين الظروف المعيشية في القطاع. مصر ليست في وضع يمكنها من التصدي لأية تسوية أمريكية تتضمن إقامة دولة في قطاع غزة. وأخيراً فإن بيد مصر أكثر من غيرها مفتاح إن كان القطاع سيتحول لدولة أم يبقى جزءاً من فلسطين ومن المشروع الوطني، ومصر هي التي تستطيع إطالة عمر سلطة حماس أو إنهاءه .لذا فالرهان الفلسطيني اليوم وخصوصاً في قطاع غزة على مصر وليس على غيرها.