احتضن الملتقى الدولي السادس للداخلة، طوال يومين من النقاشات الفكرية، قراءات عابرة للتخصصات حول واقع القارة الإفريقية من لدن خبراء أفارقة وتمثلات غير إفريقية بشأن الإشكاليات المستعصية في "القارة السمراء"، بغية إعادة التفكير في القارة خلال القرن الحادي والعشرين. وتحولت مدينة الداخلة، خلال يومي 5 و6 دجنبر الحالي، إلى وجهة ل"الأنتلجنسيا الدولية"، بحيث أصبحت فضاءً لتبادل الخبرات والتجارب بين النخبة الإفريقية التي تؤمن بالاندماج الجهوي كحل لمواجهة تحديات العولمة. ما طبيعة الإشكاليات المستعصية التي توجد القارة الإفريقية في خضمّها؟ لماذا يجب على إفريقيا أن تعيد التفكير في وضعيتها الراهنة، خصوصا في ظل التحديات التي يطرحها المحيط الإقليمي الموسوم بالتوترات الأمنية والاقتصادية والسياسية؟ هل يستطيع الباحثون والخبراء إيجاد مخرجات مشتركة لمدخلات الموضوع متعددة الجوانب والرؤى؟ كلها أسئلة وأخرى، حاولت الجامعة المفتوحة للداخلة مقاربتها من زاوية علمية صِرفة، من خلال التوصيات التي خلص إليها الملتقى الذي انتهت فعالياته مساء الجمعة الماضية، بعد أزيد من خمسين مداخلة علمية ألقاها خبراء وباحثون متخصصون في ميادين فكرية متشعبة. ولعل من أبرز الخلاصات المِلحاحة التي تكتسي راهنيتها، حسب المشاركين في الملتقى الدولي، هي ضرورة البحث عن جيل جديد من الباحثين ونخبة مثقفة إفريقية جديدة تواكب التحولات الإستراتيجية التي تطبع المنظومة الدولية. وستُسهم هذه الرؤية الإفريقية الجديدة، إن أخذتها الدول المعنية بعين الاعتبار، في تسريع انخراط القارة السمراء في الدينامية العالمية التي تمخضت عنها مجموعة من التحديات، التي تستدعي إلزامية التعاون المشترك وتدعيم التقارب بين الفواعل الإفريقية في المستقبل. تبعا لذلك، لفتت توصيات الملتقى الدولي السادس للداخلة إلى أهمية التحول الهيكلي في عهد الرقمنة بالقارة الإفريقية، وكذلك تشجيع التبادل والمواطنة الاقتصادية، فضلا عن بلورة تصورات جديدة بخصوص التعاون الإفريقي مع بقية بلدان العالم. تنضاف إلى ما سبق الأهمية الكبرى للاندماج الجهوي في ظل الأقطاب الجهوية التي تصبو إلى تحقيق النمو والإقلاع الاقتصادي، خصوصا أن التجارب السابقة في هذا المجال أثبتت نجاعتها وفعاليتها لمواجهة التحديات المشتركة في مرحلة أولى على الأقل. ولم يُفوّت الملتقى النخبوي، الذي التأم فيه أزيد من 39 خبيرا دوليا، الفرصة دون إثارة التساؤلات بشأن الانحصار المغاربي الراهن، لا سيما في ظل التحديات الأمنية والمؤسساتية والاجتماعية والديمغرافية التي تطرحها الظرفية. غياب رؤية موحدة للتصورات المغاربية باتت تطرح مخاطر مالية قد تُحدق ببلدان المغرب الكبير، إن لم يتم العمل على تفعيل هذا التكتل الجهوي، الذي استُحضرت حصيلته العامة في علاقته بالآفاق الأفرومغاربية. إلى ذلك، قال إدريس الكراوي، رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة، في خِتام تجميعه لخلاصات الملتقى، إنه "شهد تقديم أزيد من خمسين مداخلة في تيمات متعددة التخصصات حول إشكالية وحيدة التأموا بخصوصها، وهي إعادة التفكير في القارة الإفريقية"، ثم زاد: "ينبغي تعزيز التعاون الوثيق بين البلدان الإفريقية للتفكير معاً في نموذج جديد للقارة". وأضاف الكراوي أن "إفريقيا تعيش في سياق عالمي يشهد تحولات تكنولوجية ورقمية كبرى تستدعي مواكبتها، لا سيما أن العديد من النماذج الاقتصادية بالعالم تعرف أزمة عميقة نتيجة التناقضات الجديدة التي يطرحها هذا النموذج الدولي الجديد"، مؤكدا أن "التحولات الجذرية والسريعة في بلداننا نتج عنها بروز مجتمعات جديدة بوقائع اقتصادية واجتماعية جديدة أيضا". "ينبغي تغيير براديغمات التفكير بخصوص مستقبل إفريقيا"، يدعو إلى ذلك المتحدث، الذي أوضح أن "إفريقيا أصبحت مسرحا للرهانات الدولية؛ ما يجعل النخب الإفريقية أمام مسؤوليات تاريخية يفرضها الواقع الراهن". وختم الكراوي بالقول: "توجد القارة السمراء تحت مجهر التحليل والدراسة بفعل تعقيد وقائع كل بلد أو منطقة، وكذلك الديناميات الاجتماعية أو الاقتصادية التي تميزها"؛ ما يستدعي، حسبه، جيلا جديدا من المثقفين الأفارقة في ظل حكامة جيدة.