بعد مضي ما يقارب نصف قرن على إنتاجه، رفع المهرجان الدولي للفيلم بمراكش الحظر عن فيلم "أحداث بلا دلالة" للمخرج المغربي مصطفى الدرقاوي، بتقديمه للجمهور ضمن قسم "بانوراما السينما المغربية" بعدما تمّ ترميمه من طرف مؤسسة إسبانية. وينقل الشريط، الذي تعرض للمنع خلال السبعينيات، الجمهور إلى مدينة الدارالبيضاء في الفترة ذاتها من القرن الماضي، ليشكل هذا العمل السينمائي ذاكرة حية لهذه المدينة الكبيرة التي صور فيها المخرج جل أفلامه، ويرصد من خلاله الدرقاوي عن قرب "وجوها، حركات، نقاشات"، من خلال قصة أربعة مخرجين شبان يبحثون عن فكرة لإنجاز فيلم قريب من الواقع المغربي، فيجوبون شوارع مدينة الدارالبيضاء وميناءها، ويستطلعون آراء الناس عن توقعاتهم وعلاقتهم بالسينما المغربية، غير أنهم سيشهدون جريمة قتل ارتكبها عامل ميناء في حق مرؤوسه لأنه سئم من تعرضه للاستغلال، وسيدفعهم التحقيق في أسباب الجريمة إلى التفكير في تصورهم للسينما ودور الفنان في المجتمع. هذه التجربة الفريدة التّي صور الدرقاوي أحداثها عام 1974، يقول عنها المخرج المخضرم الذي حضر تقديم فيلمه ومناقشته رغم مرضه: "عنصر المغامرة في الفيلم لا يقتصر على الفكرة، بل على ظروف إنتاجه ومنع عرضه في المغرب، لينتهي به الأمر في خزانة الأرشيف بإقليم كتالونيا الإسباني. ولكن مؤسسة "فيلموتيكا دي كتالونيا" استخرجت النسخة الأصلية من الفيلم المصور، وعملت على ترميمه ليعود إلى النور مرة أخرى، ويعرض بعد أكثر من أربعين عامًا على إنتاجه للمرة الأولى". ويقول الدرقاوي، في ورقة تحليلية عن فيلمه، توصلت بها هسبريس: "لم يفقد هذا فيلم من جدّته وآنيته وابتكاره وإبداعه شيئا، يمكن أن أعدِّدَ بعضا من جوانب جماليته التي جعلته سَبَّاقاً في الفن السينمائي: سلاسة حركية الكاميرا وكأنها تلامس ما تصوره من وجوه، لقطات سينمائية قريبة ومكبَّرَة، بحيث يفطن المشاهد بالكاد إلى المكان الذي تجري فيه الأحداث الموصوفة بخلوّها من الدلالة ومن المعنى، لكنها في الحقيقة بالغة الدلالة، بل وبالغة الخطورة بالنسبة لمغرب 1975 وحتى الآن. أكثر من ذلك أن الأسئلة الجوهرية هي نفسها التي مازالت مطروحة إلى اليوم". أهمية الفيلم، حسب المخرج المغربي، في كيفية تناول الموضوع وانغماسه في الواقع، ويضيف حسب الوثيقة ذاتها "حكاية الفيلم متفرِّدة تعطي الانطباع للمشاهد العادي بأنها مبتذلة، ولكنها محكية من زاوية متفردة بعمقها، فهي تُقدَّمُ أو تُحْكَى على شكل استقصاء أو استطلاع رأي يقوم به فريق سينمائي مكوَّن من مخرجٍ ومصورين ومساعدين لسؤال فلسفي واجتماعي: أيُّ سينما نحن بحاجة لها؟ ما عسى أن تكون السينما التي نبحث عنها؟ أي هوية سينمائية؟ ويمكن القول أي سينما لأيّ واقع؟ وبالتالي الفيلم عبارة عن تفكير في السينما ومساءلةٍ لهويتها وماذا بإمكانها أن تقدمه للمجتمع المغربي وخاصة للإنسان المغربي؟ ما جدوى السينما؟". ويشارك في بطولة الفيلم نخبة من أهم فناني ومثقفي المغرب في ذلك الوقت، مثل محمد الدرهم، نجم مجموعة جيل جيلالة، وعبد العزيز الطاهري وعمر السيد نجمي من مجموعة ناس الغيوان، والصحافي خالد الجامعي، والشاعر مصطفى نيسابوري والمخرج شفيق السحيمي.