"الثورة" و"العصيان"... من المصطلحات التي أصبحت مختلف المواقع الإلكترونية والورقية تضمنها في عناوين منشوراتها ومقالاتها، ربما لتحقيق أكبر نسب المشاهدة والأرباح، وربما لأسباب أخرى. العاقل المتأمل في الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمغرب، وبصفة أخص الوضع الأخلاقي المبني أساسا على مدى احترام منظومة القيم والأخلاق، لا يمكن أن يقارب بشكل سليم هذه الوضعيات الطارئة، بل الناجمة عن تراكمات لا تظهر على المدى القريب أو المتوسط، ولا تُدرك أيضا عند من لا يتمثل الغير في شخصه. وعليه يفرض هذا الطرح في حذ ذاته إحراجات وإشكالات تنبثق عنها أسئلة من طينة : 1- هل هناك تشخيص علمي دقيق للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يكاد يتحقق اتفاق وإجماع كل الأشخاص الماديين والمعنويين في المغرب بشأن الإقرار بترديها؟ كمواطن معني بكل ما سبق، ومن موقعي مسؤولياتي كرب أسرة، ومثقف، وكباحث عن الحلم المغربي بوطن ديمقراطي وحر، يضمن العيش الكريم لقاطنيه، ويفرض بالمقابل وبالضرورة سعي هذا المواطن للإسهام في البناء والتنمية التي ستؤهل وطنه للمنافسة الدولية الشرسة على مختلف الأصعدة. اعتبارا لكل ما سبق لا بد من تشارك موقفي في كل ذلك؛ الموقف الذي أعلن مسبقا أنه صائب يحتمل الخطأ، وخاطئ يحتمل الصواب؛ وهو كالتالي: 2-أي "ثورة" أو "عصيان" سيَجُبُّ ما قبله من محاولات إصلاحية عشوائية سيُعتمد أساسا لمعالجة هذه الأوضاع؟ 1--) الثورة الحقيقة التي نحتاج هي ثورة يمكن أن تكون ناعمة، لكنها شرسة على الذات... ثورة على الضمير النائم، وعلى التواكل والتهاون، ثورة على الاستكانة والتشاؤم، ثورة على الغش والفساد الأخلاقي، ثورة على السكوت عن الحقيقة، ثورة على الأنانية وحب الذات والمصالحية... ثورة على الرضى بالقليل والقناعة السلبية بالأوضاع دون السعي إلى التطوير والتحديث والتجديد للرقي بالذات لمواكبة آخر صيحات الحضارة، والذي سينسحب بشكل آلي على المجتمع... ثورات حقيقية صادقة ستحيي الضمائر، وستزيل الغبار عن قلوب تعاني من تردي الأوضاع دون محاولتها بدءَ الخطوة الأولى للإصلاح من الذات، وتمسح الصدأ عن عقول غرقت في التقليد والاستكانة للموروث، وأصبحت معتادة على استهلاك كل ما هو سهل دون تكبد العناء والمشقة التي تحلي كل ثمار العمل الجاد عند قطفها، ثورات ستخلق لنا أساتذة يربون قبل أن يعلموا، ويحبون مجالهم ليبدعوا، ويشجعون طلابهم لينتجوا. ثورات ستخلق لنا أطباء لا ينتهكون قسمهم بالتفاني بإزالة الألم الجسدي والنفسي عن مرضاهم. وتخلق لنا رجال أمن يطبقون القانون ويحمون الأمن العام للمواطن والبلد دون سادية أو حقد. وإداريين لا يتوانون في تخليق المرفق العمومي وتقريب الإدارة من المواطن وجعلها تخدمه لا بجعلها تسلب نومه. ومهنيين يستبعدون كل سلوك مشين أو غش يفقد حرفهم قيمتها ويحرمهم من ثقة زوارهم. وتجارا لا يضاربون بحاجات زبنائهم. وفلاحين لا يتوانون في جعل صحة وسلامة الناس في أولياتهم... 2--) العصيان الحقيقي الذي نريد، هو عصيان كل داع للقراءات السطحية والعمودية للأوضاع، عصيان كل مثبط للعزائم والهمم. عصيان لكل من يقلل من قيمة أو عمل جاد قل أو كثر، صغر أو كبر. عصيان لكل من يفصل القول عن الفعل، عصيان كل من ينتقد من أجل الانتقاد فقط وليس من أجل التقويم. عصيان لكل فكر متطرف، وكل موقف متصلب لا يقبل الميز أجور (mise a jour). عصيان لكل ما لا يخدم الإنسان ومحيطه، ويضر من قريب أو من بعيد. عصيان لكل الرغبات الذاتية التي تنافي منظومة القيم والأخلاق... هذه هي الثورة الحقيقية التي نحتاج. وهذا هو العصيان الحقيقي الذي سيفيد.