إن سياسة إعداد التراب الوطني بصفتها أم السياسات العمومية، تهدف إلى تحقيق التوازن المجالي وتوزيع أمثل للثروات والإنسان في مجاله الترابي. فهي بذلك سياسة إرادية Politique Volontariste أفقية وليست قطاعية وهو ما يستوجب التأمل، بل التساؤل عن مصير هذا القطاع ومكانته مع تنزيل الميثاق الوطني للاتمركز الإداري موضوع المرسوم 618-17-2 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6738 بتاريخ 27 دجنبر 2018. وبالرجوع إلى نص المرسوم السالف الذكر وبالضبط للمادة 7, نستشف أن الميثاق يهدف للتوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخذ الخصوصيات الجهوية، مع مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة. في هذا الصدد وباستحضار القانون 14-111 المتعلق بالجهات، سنجد أن المشرع المغربي خص الجهات ومجالسها باختصاصات جديدة منها "إعداد التراب الوطني" (الفصل الثاني، المادة 88) الذي أصبح من الاختصاصات الذاتية وليس من الاختصاصات لا المشتركة أو المنقولة، ومن ثمة لا يحق مشاركة أي إدارة لمجلس الجهة في هذا الاختصاص جهويا، ما عدا مؤسسة والي الجهة الذي منحها المشرع دور المساعد والمواكب. فما دور إذن المفتشيات الجهوية لإعداد التراب الوطني مستقبلا في مجال إعداد التراب الوطني؟ سؤال جوهري يستمد مرجعيته من الأهداف المتوخاة من تنزيل الميثاق الوطني للاتمركز الاداري من جهة ومن القوانين والمراسيم المنظمة لاختصاصات رؤساء الجهات والولاة والتي تم تنزيلها لمواكبة الجهوية المتقدمة. بالإضافة إلى مضمون المادة 88 من القانون 14-111، فإن المشرع المغربي من خلال المرسوم عدد 2-17-583 بتحديد مسطرة إنجاز التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني وتحيينه وتقييمه، منح اختصاصات واسعة للسادة الولاة في مصاحبة ومواكبة رؤساء الجهات في إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني وتنفيذه. في هذا الإطار نصت المادة 4 من المرسوم السالف الذكر على أن "أثناء إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني، يتولى والي الجهة، في إطار مهام المساعدة الموكولة إليه، وبطلب من رئيس مجلس الجهة الإشراف على تنظيم المشاورات مع جميع الفاعلين المعنيين (...)، وتحدت لهذه الغاية لجنة استشارية لإعداد التراب" يرأسها حسب المادة 5، والي جهة الشرق. ومن ثمة فالمشرع حرص على التكامل في مجال إعداد التراب بين مؤسسة رئيس الجهة ووالي الجهة وهما مؤسستان تحت سلطة وزارة الداخلية ولا يستقيم منح هذا الاختصاص لإدارة أخرى بطابع قطاعي بغية تحقيق النجاعة والالتقائية لأن: -إعداد التراب كسياسة فهي من اختصاص سلطة حكومية يجب أن يكون لها تدخل ترابي وليس قطاعيا، أي لها سلطة أفقية تضمن الالتقائية وفق منضور التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني. وهذا المعطى يغيب عندما يرتبط القطاع بإدارة حكومية قطاعية على صعيد الجهة. -ميثاق اللاتمركز سيمكن مؤسسة الوالي من لعب دور المنسق الفعلي للمصالح اللاممركزة جهويا (المادة الخامسة من المرسوم 618-17-2 بمثابة ميثاق وطني لميثاق اللاتمركز الإداري. وعليه، فقط السيد الوالي له سلطة جهوية يمكنها ضمان تنزيل جهوي لسياسة إعداد التراب الوطني بطابعها الأفقي والترابي، وبالتالي ضمان النجاعة والالتقائية المتعلقة السياسات العمومية. جميع المعطيات والمؤشرات المؤسساتية والقانونية، تفيد بأن سياسة إعداد التراب الوطني أصبحت من الأوراش الوطنية المهمة بعد دسترتها وتنزيلها في قوانين الجهات كاختصاص ذاتي لمجالس الجهات والولاة، وهو ما يطرح التساؤل عن احتفاظ المفتشيات الجهوية لإعداد التراب الوطني بهذا الاختصاص الذي أصبح اختصاصا ذاتيا للجهة وغير مشترك أو منقول فهل ستنقل الاختصاص كاملة لوزارة الداخلية جهويا (الوالي ورئيس الجهة) كما نصت القوانين السابقة الذكر ضمانا لنجاعة التدخلات العمومية؟ أم سيتم ترك اختصاص إعداد التراب الوطني للمفتشيات كهيكل دون سلطة التدخل مع الدوافع السابقة الذكر؟ أم سيتم تقوية دور الأخيرة باختصاصات جديدة في هذا المجال؟ أسئلة تبقى مطروحة على اللجنة الوزارية لميثاق اللاتمركز المنصوص عليها في المادة 38 الميثاق. ففي الماضي القريب، ارتفعت أصوات المختصين في مجال إعداد التراب الوطني تطالب بربط القطاع بمؤسسة رئيس الحكومة مركزيا، ليتسنى تنزيل مخرجات التصاميم الوطنية والجهوية لإعداد التراب لأن رئاسة الحكومة تضمن وطنيا الالتقائية القطاعية وخاصة في ظل غياب قانون إعداد التراب. واليوم مع ورش اللاتمركز الإداري أصبحت الفرصة سانحة لتصحيح المسار، خاصة على الصعيد الجهوي وربط الاختصاص بسلطة التدخل الترابي وليس القطاعي. وفي حالة ما ارتأت اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري والسلطة الحكومية بضرورة احتفاظ إدارة قطاعية بتدخل أفقي مثل سياسة إعداد التراب، فيجب أن تحدد لهذه الإدارات الجهوية اختصاصات ذاتية لا تتناقض مع اختصاصات رؤساء الجهات والولاة مع تنزيل القانون الخاص بإعداد التراب الوطني. أو في إطار الأقطاب جمع تخصص إعداد التراب مع تخصصات متكاملة كما كان سابقا مع الماء والبيئة تحت وصاية مدير جهوي باختصاصات واسعة. الحل اليوم في أقطاب جهوية إدارية، لأن تجربة ربط قطاع إعداد التراب تارة مع الإسكان وتارة مع التعمير بنتائجه الإيجابية لم يمكن من النجاعة المرجوة لأن الإسكان والتعمير قطاعان عموديان لا يستقيم ربطهم لوحدهم مع قطاع أفقي. فتجربة حكومة التناوب كانت غنية من حيث تنزيل سياسة إعداد التراب الوطني بعد ربط إعداد التراب بالماء والبيئة وهي كذلك لم تكن بالنجاعة المطلوبة لأن التوصيات لم تجد طريقها للتنزيل وكان إعداد التراب معزولا عن التنمية الترابية، رغم نجاح التجربة. الالتقائية والنجاعة هما سر المعادلة ما هي الإدارة الجهوية التي ستمكن من خلال اختصاصاتها وإمكانياتها البشرية والمالية والقانونية من التقائية التدخلات القطاعية الجهوية؟ هل مفتشية إعداد التراب الوطني مع اختصاصاتها المتواضعة في مجال إعداد التراب الوطني والتي وجهها المشرع للجهة؟ أم مجلس الجهة وولاية الجهة تحت وصاية وزارة الداخلية؟ أم قطب إداري جهوي متعدد القطاعات بمدير جهوي ذوي اختصاصات وازنة له سلطة ضمان التقائية تدخلات قطاعية متكاملة؟ كما أنه أصبح إلزاميا على الوزارات تجميع مصالحها الخارجية كي لا تعطل ورش تنزيل المراكز الجهوية للاستثمار في حلتها الجديدة كما جاءت في مضامين القانون 18-47 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوي للاستثمار وبإحداث اللجنان الجهوية الموحدة للاستثمار. فالمشرع ملزم بتحديد الإدارات الجهوية الممثلة في المجلس الإداري للمركز حسب نص المادة 10 من القانون السالف الذكر، وعليه فوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة الممثلة بقوة بالوكالة الحضرية الكائن مقرها بمركز الجهة، مدعوة لهيكلة جهوية لهذه الوكالات لتمثيلية جهوية للوزارة في هذه المراكز. أما بالنسبة إلى تمثيليات الوزارة الأخرى فالوضع يستوجب تقوية مراكزها الجهوية ودعمها باختصاصات جديدة، وبهذا الخصوص وباستحضار المعطيات الجديدة ومستجدات ميثاق اللاتمركز والقوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية وبهيكلة وزارة الداخلية المرتقبة بخلق كتاب عامين متخصصين في التنمية الجهوية، يقترح على الوزارة تنزيل اختصاصات جديدة للمفتشيات الجهوية لإعداد التراب والتعمير لتختص في مجال التفتيش الذي كان حكرا على المفتشية العامة للوزارة وتفعيل اختصاصها جهويا من خلال المفتشيات الجهوية الحالية. والأخيرة ستلعب دور التدقيق الداخلي والاستباقي وتقييم السياسات القطاعية والعمومية جهويا بهدف ضمان تفعيل توجهات السياسة العامة لإعداد التراب الوطني جهويا. أسئلة ستبقى مطروحة لغاية تنزيل المخطط المديري لميثاق اللاتمركز الإداري والمرجو أن يراعي المعطيات السابقة الذكر. *دكتور في الاقتصاد الجهوي والتنمية الترابية ورئيس مرصد التنمية المحلية والجهوية لجهة الشرق