يخلد الشعب المغربي اليوم 11 يناير ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي مثلت منعطفا حاسما في مسلسل الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي من أجل الحرية والاستقلال. وكان لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال حينها الأثر العميق في مختلف جهات المملكة إذ تلتها صياغة عرائض التأييد، كما نزلت جماهير غفيرة إلى الشوارع في مظاهرات تأييد، وبدلا من رضوخ سلطات الاستعمار لإرادة الحق والمشروعية التي عبر عنها العرش والشعب معا، سعت إلى الضغط على المغفور له محمد الخامس، لكنه واجه كل مخططات الحماية بكل جرأة ورباطة جأش، وكانت زيارته التاريخية لمدينة طنجة في 9 أبريل 1947 تأكيدا على وحدة المغرب. وأمام الترابط الوثيق بين العرش والشعب فشلت كل مؤامرات الاستعمار في الهيمنة الرامية إلى النيل من السيادة الوطنية، فأقدم في 20غشت 1953 على نفي رمز الأمة رفقة أسرته خارج أرض الوطن معتقدا أنه بذلك سيحكم قبضته على المغرب، لكن المستعمر لم يكن يدرك أنه بهذه الفعلة الشنيعة كان يدق آخر مسمار في نعشه حيث اندلعت المقاومة ضد سلطات الاحتلال وعمت الاضطرابات مختلف مناطق البلاد احتجاجا على نفي السلطان الشرعي، وانطلقت بعد ذلك عمليات جيش التحرير، التي كبدت قوات الاحتلال خسائر في الأرواح والعتاد. وبفضل هذه الملحمة البطولية المجيدة تحقق أمل المغاربة في عودة بطل التحرير محمد الخامس معلنا عن الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر من أجل بناء المغرب الجديد. المغرب اليوم يستحضر كل دروس ذكرى 11 يناير، وهو يخوض مسلسلات الإصلاح والديمقراطية والتحديث والتنمية، أي مسلسلات الجهاد الأكبر الذي كان قد دعا إليه المغفور له محمد الخامس. وفي معركة الديمقراطية والتنمية تحتاج البلاد اليوم إلى استحضار الشعور الوطني، والغيرة على المغرب، تماما كما حدث أثناء المعركة من أجل الاستقلال، وهذا الإحساس الوطني هو الذي يجب أن يحكم اليوم تعبئة مختلف مكونات الحقل السياسي والمجتمعي من أجل تثبيت وصيانة الوحدة الترابية وتحصين مكاسبنا الديمقراطية وتحقيق التقدم المنشود في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدولية، وبالتالي ترسيخ البناء الديمقراطي الحداثي لمغرب اليوم. إن المهام التي تنتظرنا من أجل تنزيل مضامين الدستور الجديد، واستكمال باقي مراحل الإصلاحات الديمقراطية التي تعيش على إيقاعها بلادنا، وتفعيل مختلف الأوراش التنموية المطروحة، تحتم اليوم التمعن في دلالات وثيقة 11 يناير، وما حملته من مبادئ، ومن ثم التسلح بالشرط الوطني لإنجاح التعبئة السياسية لكسب الرهان. روح 11 يناير، حاجة أساسية لإذكاء ديناميتنا الوطنية من أجل التقدم.