قال الدكتور عبد الفتاح البلعمشي رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات إن الدبلوماسية المغربية على مستوى التنفيذ، كانت في أمس الحاجة لجرعة سياسية، بعد تسجيل ما وصفه بالسيطرة الواضحة للتدبير الإداري والبيروقراطية الزائدة على أدائها، موضحا في حورا مع موقع "هسبريس" أن تعيين يوسف العمراني وزيرا منتدبا في وزارة الخارجية يمثل نوعا من الاستمرارية المُؤَطَرة سياسيا بوجود وزير حزبي. ورأى البلعمشي في الحوار ذاته أن الديبلوماسية المغربية متنوعة المصدر، فالملك على مستوى القرار والحكومة على مستوى التعاون الدولي ووزارة الخارجية على مستوى البعثات الدبلوماسية والقنصلية بالخارج، والتمثيلية في المنظمات الدولية، وكذا الدبلوماسية الموازية بكل روافدها، مسجلا عدم توفر الدولة على استراتيجية واضحة في التعاطي مع الدبلوماسية الموازية، وضعف الانفتاح على مكوناتها، ومقترحا عدة إجراءات قال أنه ستقوي الأداء الديبلوماسي المغربي. ما رأيكم في المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات في الدكتور سعد الدين العثماني كوزير للخارجية؟ الملاحظ أن السيد سعد الدين العثماني حقق الكثير في مساره الحزبي والبرلماني، ومن الصعب التنبؤ بأدائه الحكومي، وما يصلنا من داخل وزارة الخارجية والتعاون من أصداء خلال الأيام القليلة التي تسلم فيها المنصب، تعبر عن ارتياح عام، وترقب في نفس الآن للكيفية التي سيدبر بها هذا القطاع الحيوي. وبالنسبة لي فالأهم أن الدبلوماسية المغربية على مستوى التنفيذ، كانت في أمس الحاجة لجرعة سياسية، أي لرجل سياسة على مستوى التدبير، لأن الملاحظ هو سيطرة واضحة للتدبير الإداري على الأداء، والبيروقراطية الزائدة، وأعتقد أن الامر مختلف الآن، بحيث هناك تدبير برأسين، فوجود وزير منتدب إداري هو السيد يوسف العمراني يمثل نوعا من الاستمرارية المُؤَطَرة سياسيا بوجود وزير حزبي، ومن المفروض أن يشكل هذا المشهد التوازن المطلوب، وعموما فأهداف السياسة الخارجية تظل هي نفسها بالنسبة لكل الشركاء، والفارق الذي يمكن أن يتحقق هو استثمار كل الهامش المتاح عمليا ودستوريا لتحقيق هذه الأهداف، بخلق تنمية دبلوماسية حقيقية، وتنزيلها بأساليب هجومية ونضالية، وأيضا منفتحة على الشركاء غير الحكوميين بأسلوب يتوخى الحكامة الدبلوماسية الجيدة ويخدم المصالح الحيوية للبلاد. بحكم اشتغالكم على موضوع الديبلوماسية الموازية، كيف تقيمون الديبلوماسية المغربية خلال الفترة السابقة؟ الدبلوماسية مفهوم عام، وهو أكبر من فقط التدبير التنفيذي، بحيث يجب الإدراك أن الفاعلين في السياسة الخارجية لا ينحصرون فقط في الوزارة المعنية، وبالتالي وجب التدقيق في هذه النقطة ، حتى نتمكن من أدوات تقييم الأداء الإداري، ونحدد لمن تحسب الانجازات ولمن تحسب الاخفاقات، هناك الملك يلعب دورا أساسيا على مستوى صنع القرار، وهناك الحكومة بكل قطاعاتها على مستوى التعاون الدولي، وهناك وزارة الخارجية ببعثاتها الدبلوماسية والقنصلية بالخارج، وهناك التمثيلية في المنظمات الدولية، وهناك الدبلوماسية الموازية بكل روافدها. وبالحديث عن الانتقادات الخاصة بالجهاز الإداري أذكر بعضا مما رددناه طويلا وهو بعيد عن التدبير المالي كعدم توفر استراتيجية واضحة في التعاطي مع الدبلوماسية الموازية، وضعف الانفتاح على مكوناتها، وحصر التعامل في هذا الصدد مع إطارات محددة وبشكل انتقائي وملتبس، وغير مضمون النتائج. هل تقصد "معهد أماديوس" مثلا الذي يديره نجل الوزير السابق الطيب الفاسي الفهري؟ أجل هذا المعهد قد يكون نموذجا لهذه العلاقات، هناك أيضا الاستثمار في اتجاه مؤسسات ومعاهد وشخصيات أجنبية بدعوى خدمة المصالح الوطنية، ونحن لسنا ضد دعم أي كان شريطة أن يكون قادرا على تقديم خدمات منتجة وواضحة لصالح القضايا والمواقف الوطنية، ومن حقنا أن نتسائل عن المردودية الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية لهذه المؤسسات، وإيجابية تأثيرها على الرأي العام الدولي، والمنظمات الدولية خصوصا في الظروف العصيبة، كما هو الحال مثلا مع المواقف المتكررة التي اتخذها البرلمان الأوروبي وغيره ضد مصالحنا الحيوية. نعود إلى موضوع تقييم الأداء الدبلوماسي... أجل، في هذا الصدد يمكن أن نتحدث أيضا عن غياب منهجية معلنة لعمل السفراء كعقد لقاءات دورية توحد مجهودات العمل الدبلوماسي وتحدد بالضبط الخطط والملفات ذات الأولوية، أو عقد اجتماعات سنوية لهم تتوضح من خلالها معالم "السنة الاستراتيجية" كما هو معمول به في عدد من الدول، ونسجل كذلك ضعف النشر بخصوص دعم القضايا الوطنية، بالرغم من أهميته في تزويد باقي الفاعلين "برلمانيين، اقتصاديين وإداريين ومنظمات شبابية وحزبية أو نقابية وغيرها" بالمعلومات الكافية، فغالبا ما يجدون أنفسهم غير مسلحين بما يكفي من المعطيات للدفاع عن المواقف الوطنية في المنتديات الدولية التي يحضرونها، وأحيانا ينعكس أداؤهم سلبا. هذه التدابير وغيرها كثير نعتبرها ذات جدوى في تخليق العمل الدبلوماسي، ومهما يكن فلا يمكن أن نتحدث في هذا السياق فقط عن الاخفاقات، هناك أيضا مكاسب تحققت للدبلوماسية المغربية، خصوصا في اللحظات الاستثنائية المواكبة للربيع العربي، وتلك المرتبطة بالوضع المتقدم مع الاتحاد الاوروبي، إلا أن الملاحظ هو عدم استثمار كل الفرص المتاحة بالنسبة لسياستنا الخارجية. ومن جانب آخر، فمنذ سنة 2002م تحدث ملك البلاد عن ورش إصلاح الجهاز الدبلوماسي، وانتظرنا طويلا حتى سنة 2010م لتتجاوب الحكومة بشكل متواضع على مستوى هيكلة جديدة للوزارة و 2011م لإحداث الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية، والآن لا يمكن أن نتطلع إلا للمزيد من التجاوب مع دعوات الإصلاح، والمزيد من دمقرطة السياسة الخارجية. في رأيكم على ماذا يجب أن يركز وزير الخارجية الجديد في عمله على رأس الديبلوماسية المغربية؟ وزير الخارجية عضو في الحكومة ولا يجب استباق تصور هذه الأخيرة من خلال ما سيتضمنه برنامجها المرتقب، وما سيعلن عنه يمكن الحديث عنه في حينه، والأهم هو الإلتزام بما سيصرح به، ولكن ذلك لا يمنعني من الإشارة إلى أمور بقيت مهملة في السياسات الحكومية السابقة في هذا المجال، حيث لا أجد بدا من ذكر ما قدمه الباحثون من داخل المركز المغربي للدبلوماسية الموازية منذ أبريل 2002م ووضعوا له تصورات عملية، دون أن يلقى التجاوب المطلوب أو الإرادة الصريحة لتنفيذه من قبيل مأسسة الدبلوماسية الموازية عن طريق إحداث "مجلس وطني للسياسة الخارجية" أو أيه آلية أخرى تضمن تنظيم أداء منتج لكل الفاعلين المفترضين في هذا المجال، وتركيز مجهوداتهم وتنسيقها، للبحث والدراسة والاستشراف بخصوص السياسة الخارجية بتنسيق وتشاور مع الجهاز البيروقراطي الذي تقع على مسؤوليته إنجاح الأداء الدبلوماسي، لما لا أيضا الدعوة إلى "مناظرة وطنية" حول الدبلوماسية الموازية تفرز تصورا وطنيا عاما وتشاركيا، وتوزيعا محكما لأدوار مختلف الفاعلين، مع الانفتاح على الجامعة المغربية ودعم برامج توجيه البحوث في أسلاك الدراسات العليا في التخصصات ذات الصلة بأهداف ومرامي السياسة الخارجية للبلاد، نقترح أيضا وضع تصور وبرنامج لما يمكن أن نسيمه "الدبلوماسية الرقمية" كرهان يجب التعاطي معه بالجدية المطلوبة، ودعم آليات موضوعية ومنهجية لبرامج تكوين الوفود غير الرسمية التي تمثل المغرب في المنتديات الدولية حول القضايا الوطنية أساسا، وهذه أمثلة فقط، ويبقى المطلوب هو العمل على استنطاق كل روافد الدبلوماسية المغربية وتحريكها بنفس الإيقاع، دون إغفال أية جزئية من جزئياتها، ودون إقصاء أو انتقائية. هل تنصحون العثماني بالتوجه ديبلوماسيا إلى الشرق أم الغرب؟ حزب العدالة والتنمية لم يفصل كثيرا في برنامجه الانتخابي حول تصوره للسياسة الخارجية، شأنه في ذلك شأن غالبية الأحزاب، إلا أن المبدأ العام والاشارات التي أعطاها الحزب كانت تتجه نحو طمأنة الشركاء الدوليين بأن الحزب سيحافظ على الاستمرارية في الأداء تجاه الغرب، وحماية المصالح المتراكمة، ولكن خارطة الحكومات التي بدأت تتشكل في المنطقة المغاربية وفي الشرق الأوسط، تفرض على الحكومة الجديدة استثمارا أمثلا للتعاطي الموضوعي معها لما فيه مصلحة البلاد، وعموما فالدبلوماسية الناجحة هي التي توسع من قنوات تصريف سياستها الخارجية وتنويعها، وتشتغل حيث توجد المصالح، وتوفق بين رغباتها ومصالحها وتعزيز حضورها، دون أن ترهن أدائها وكل مجهوداتها بملف واحد، مهما كانت أهميته، خاصة إذا كان هذا الملف سياسيا، فما لا يتحقق بالدبلوماسية المباشرة يمكن تحقيقه بالدبلوماسية العامة، فالدبلوماسية الاقتصادية أوالثقافية مثلا إذا تم استثمار أدائها جيدا، لابد أن تصب نتائجها في خدمة أهداف الدولة في السياسة الخارجية. ماذا عن العلاقات المغربية الجزائرية؟ كنا دائما من دعاة التقارب المغربي الجزائري لأنه لامستقبل لشعبي البلدين إلا بوجود علاقات طبيعية بينهما، ولامستقبل مغاربي ولا تنمية حقيقية بالمنطقة، ولا نجاح لاستراتيجيات مكافحة الارهاب الدولي، ولا تعزيز لموقع المنطقة التفاوضي اقتصاديا وأمنيا تجاه أوروبا والعالم إلا بهذا التقارب، وهو أيضا السبيل الأقرب لحلحلة سياسية وواقعية لقضية الصحراء ومرضية لجميع الأطراف. وأعتقد أنه آن الأوان لفتح حوار تاريخي وجدي في هذا الاتجاه، تقوم فيه قوى المجتمع السياسي والمدني والنخب من الطرفين وأيضا الماسكين بخيوط الوسائط الإعلامية والفاعلين الاقتصاديين بدور أساسي في ضمان نتائجه.