أجمع المشاركون في الندوة الدولية حول موضوع "الجيل الثالث لحقوق الإنسان في عالم مبهم التوجه" على أن هذا الموضوع يرتبط ارتباطا وثيقا بتغير وظائف الدولة، بدءا بالدولة المتدخلة والدولة الراعية، وصولا إلى دولة الحقوق والحريات، التي أصبح خلالها المواطن فاعلا في مأسسة حقوق الإنسان في ظل التوجهات العالمية المعاصرة. وخلال هذا الملتقى الدولي، الذي انعقد بمراكش على مدى يومين، أشار المتدخلون إلى أن الجيل الثالث تبلور بشكل جلي مع التحولات والتطورات الكبرى التي شهدها العالم في أعقاب التخلص من متاهات الحرب الباردة، وتنامي الاهتمام بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتزايد الفجوة بين شمال غني وجنوب ما زالت الكثير من أقطاره تعيش على إيقاع الأزمات والإكراهات، ضمن ما يعرف ب"حقوق التضامن". وفي الجلسة العلمية الأولى لهذه الندوة، التي نظمت، الجمعة، من طرف مختبر الدراسات الدولية التابع لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، بشراكة مع مؤسسة "هانس زايدل"، تناول محمد البزاز من كلية الحقوق بمكناس موضوع الحق في التنمية، الذي صار يشكل اليوم العمود الفقري لحقوق الإنسان، باعتباره حقا حديثا لم يتم طرحه إلا في سبعينيات القرن الماضي، مبرزا برورة تطوره وما لقيه من انتشار قبل أن تتم ترجمته على شكل إعلان الحق في التنمية. وأكدت آنا شيبوتاريف، من الجامعة الروسية للنقل بموسكو، أهمية حق الإنسان في الحصول على المعلومات وتحليلها واستخدامها لحلّ المشكلات في عصر التكنولوجيا، مشيرة إلى التأثيرات الراهنة لنظام المعلوميات على حياة الفرد، وكيف تستغلها دول الشمال أو الدول المتقدمة لتكريس سيطرتها على دول الجنوب في إطار ما يسمى بالحرب المعلوماتية. من جهته، ناقش الباحث سيد المين ولد سيد عمر الشيخ، من جمهورية موريتانيا، مدى واقعية حقوق الإنسان في ظل السيادة الإقليمية، خاصة أن عولمة حقوق الإنسان أضحت اليوم مرتبطة بالأساس بمسألة المصالح والعلاقة التضادية والصراع الإيديولوجي. أما عبد الغفار رشاد من جمهورية مصر العربية، فركز في مداخلته على أهمية الحق في التنمية المستدامة، الذي يضمن نوعية الحياة للأجيال الحاضرة والقادمة، من خلال التطرق إلى مخاطر التلوث، مبرزا سيناريوهات واستراتيجيات المستقبل، والدعوة إلى خلق حوار عالمي بناء لتحقيق عدالة بيئية وتنمية مستدامة حقيقية. فيما حدد عبد الله المتوكل، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بالمحمدية، في ورقته دلالة التنمية المستدامة، وكشف عن أسسها ومبادئها الفلسفية. كما ناقش أطروحة هانس يوناس، المتعلقة بتأسيس أخلاق جديدة، "من شأنها ضمان حقوق الأجيال القادمة". يذكر أن الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة الدولية، التي يشارك فيها باحثون وخبراء من المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وروسيا ومصر وسلطنة عمان وجمهورية التشيك، تميزت بحضور زكرياء خليل، نائب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، وميلود السفياني ممثل مؤسسة "هانس زايدل" الألمانية، ومحمد الغالي رئيس شعبة القانون بجامعة القاضي عياض بمراكش، وإدريس لكريني مدير مختبر الدراسات الدولية حول تدبير الأزمات.