حذر عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، من العُملات الرقمية المُشفَّرة، وخصوصاً "بيتكوين"، قائلا إن مخاطرها كثيرة ومتعددة، لكنه دعا في المقابل دول العالم إلى إنتاج خدمات مالية رقمية ذات جودة عالية وكلفة منخفضة ومخاطر متحكم فيها. جاءت هذه الدعوة من طرف الجواهري في افتتاح القمة الإفريقية الثانية لقواعد البيانات المتسلسلة (Blockchain)، المنظمة اليوم الخميس في الرباط من طرف البنك المركزي المغربي في إطار الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيسه، ومركز "باريس أوروبلاس"، بتعاون مع شركتي "أش بي إس" و"تلان". وشارك في هذا المؤتمر حوالي 300 مشارك ومشاركة، وثلاثين متدخلاً من مختلف دول العالم لمناقشة الإمكانات التي تخولها تكنولوجيا قواعد البيانات المتسلسلة (Blockchain) للبنوك المركزية وللنظام المالي ككل. ويعرف الخبراء هذه التكنولوجيا بكونها تُمكن عدة مستخدمين من الوصول إلى المستند نفسه في وقت واحد والاطلاع على جميع التعديلات التي يجري إدخالها، وهذا ما ييسر إمكانية التحقق من صحة السجلات وإجراء المعاملات المالية دون اللجوء إلى المؤسسات القوية. وقال والي بنك المغرب في افتتاح القمة الإفريقية إن "التكنولوجيا المالية أحدثت ثورة في المشهد المالي، بحيث أصبحت المنتجات والخدمات أكثر تنوعاً وأحسن جودة، وأصبح الولوج إليها أكثر سهولة وأقل تكلفة، كما عملت على تغيير العلاقات مع الزبناء وعلى تحويل وسائل الأداء وطرق التمويل وتحويل الأموال". وذكر الجواهري أن "تقنية قواعد البيانات المتسلسلة بشكل خاص، وتقنية السجل الموزَّع (DLT) على العموم، أكثر التقنيات ثورة في هذا العقد؛ إذ لا تقل أهمية عن ظهور شبكة الأنترنيت بالنظر إلى آثارها التي قد تقلب المعايير سواء في المبادلات الرقمية للقيم بين الأفراد أو في نماذج الأعمال. وتمكن هذه التقنية، حسب والي بنك المغرب، من تحسين الإنتاجية في مجموعة من القطاعات، بدءً بالقطاع المالي ووصولاً إلى أسواق الطاقة، حيث أوضح أن "قدرتها على تفادي الوساطة ودعم الشفافية وتعزيز قابلية التحقق تساهم في تقليص كلفة المعاملات وضمان فعالية أكبر في سلاسل القيم الحالية وفتح أسواق جديدة". وأشار المسؤول المالي ذاته إلى أنه لا يمكن الحديث عن قواعد البيانات المتسلسلة دون الإشارة إلى "بيتكوين" التي ساهمت منذ إصدارها سنة 2009 في ولادة هذه التقنية، بحيث أصبحت هذه الأصول المشفرة اليوم أكثر شهرة ضمن مثيلاتها، وفتحت المجال أمام مجموعة من الأصول المشفرة الأخرى التي أطلقها فاعلون خواص بدعوى أنها تحمل صفة وسائل أداء إن لم تكن عملات بديلة عن تلك التي تصدرها البنوك المركزية. وأوضح الجواهري أن "الأصول المشفرة تختلف عن النقود، بما فيها النقود الإلكترونية، بكونها لا تتوفر على وضع أو إطار قانوني خاص بها ولا تخضع لأي تنظيم، ونظراً لأنها تعتمد بشكل كبير على المضاربة، فإن حاملها يواجه خطر التعرض لخسائر كبرى؛ كونها لا تمثل ديناً أساسياً على الجهة التي أصدرتها". ومقابل ذلك، أورد الجواهري أن "ظهور العملات الرقمية المستقرة يجعل البنوك المركزية والسلطات العمومية أمام تحديات جديدة؛ ذلك أن هذه العملات تحمل نفس مزايا الأصول المشفرة فيما عدا خاصية التقلب التي تمكنت هذه العملات من تفاديها من خلال ربط قيمتها بأصول حقيقية، وما ردود أفعال بعض البنوك المركزية والسلطات العمومية على إصدار فيسبوك لعملة ليبرا إلا مؤشر على مدى جدية هذه الإشكالية". وأقر الجواهري بأن هذه العُملات قد تسهم في تحسين الأداءات العابرة للحدود وخفض كلفتها ودعم شفافيتها، لكنه أكد أن "إصدارها ينطوي على عدة مخاطر ترتبط بالخصوص بغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والصمود أمام المخاطر الإلكترونية، وحماية المستهلكين والمستثمرين". وبخصوص المملكة المغربية، أشار الجواهري إلى أنها "تعتزم استخدام التكنولوجيا المالية في تنفيذ استراتيجيتها للشمول المالي لضمان ولوج عادل لكل الأفراد والمقاولات إلى منتجات وخدمات مالية مهيكلة من أجل استعمالها بما يتلاءم مع حاجياتهم وإمكانياتهم"، كما تم تطوير آلية وطنية للأداء بواسطة الهاتف النقال، تتسم بقابلية التشغيل المتبادل والآني، لتوسيع نطاق ولوج معظم السكان إلى الخدمات المالية. وأكد المتحدث أن بنك المغرب يتتبع كافة التطورات عن كثب فيما يخص العملات الرقمية، ويعمل بتشاور مع هيئات التنظيم الوطنية الأخرى على تدارس تداعياتها على الصعيد الوطني، سواء من حيث الفرص التي توفرها أو المخاطر التي تطرحها. وشدد الجواهري على أن "المغرب على وعي تام بالمخاطر الجديدة التي يطرحها التطور التكنولوجي، خاصة فيما يتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب والأمن الإلكتروني"، وهو ما يستوجب، بحسبه، فسح المجال للإبداع وتطوير خدمات مالية مبتكرة، مع ضرورة الحفاظ على متانة الأنظمة المالية وتعزيزها وحماية المستهلكين والمقاولة على حد سواء. لكن تحقيق التوازن ليس بالأمر الهين في نظر الجواهري، فهو "يستدعي تحديد المخاطر وتصنيفها وتوقع الآثار المتحملة للابتكارات والأنشطة المالية الجديدة، وهذا الأمر يندرج ضمن المحاور الكبرى للخطة الاستراتيجية لبنك المغرب الممتدة بين 2019 و2023". وأمام هذه التطورات والتحديات، دعا الجواهري إلى "تعبئة بلدان العالم من أجل تشجيع وتطوير أنظمة التكنولوجيا، من خلال تنفيذ أجندة بالي للتكنولوجيا المالية، للمساهمة في توجيه أفكار وطاقات الفاعلين المبتكرين بشكل أفضل من أجل إنتاج خدمات مالية رقمية ذات جودة عالية وكلفة منخفضة ومخاطر متحكم فيها". يشار إلى أنه على هامش هذه القمة، تنظم مسابقة بين مجموعة من المقاولات الناشئة التكنولوجية المغربية والإفريقية والأوروبية، ودورات موضوعاتية تناقش أمثلة واقعية لاستخدام قواعد البيانات المتسلسلة.