نادرا ما تزهق الأسواق المالية فرصة لجني المال. وهذا ما يصح تماما على العملات الافتراضية. التعامل التجاري بعقود بيتكوين بدأ هذا الأسبوع في أسواق "سي بو غلوبال ماركيتس"، وقريبا ستطلق المجموعة المالية "سي إم إي" عقودها الخاصة بهذه العملة ابتداء من 18 دجنبر. هذا التعامل أعطى دفعة جديدة لسعر هذه العملة الرقمية التي ارتفعت ب1,550 في المائة هذا العام. لكن هل هناك من أساس للاستثمار في بيتكوين؟ الأدوات الاعتيادية للتعاملات المالية لا تحتاج إلى شرح كبير. الأسهم هي حق في أصول وأرباح شركة ما، والسندات تعطي للمستثمر الحق في سلسلة من الأرباح على البيع وإعادة البيع في تاريخ استحقاق معين.عملة بيتكوين لا تجلب أي تدفق نقدي لمالكها، الربح الوحيد يأتي من خلال الرفع من سعرها. حين لا تكون هنالك طريقة واضحة لتقدير قيمة أصل ما، يصعب القول إن السعر المراد بيع سهم ما به، هو أقل أو أكثر من غيره من الأسعار الممكنة. بيتكوين يمكن أن يقدر ب10 دولارات كما يمكن أن يقدر ب100 ألف دولار. عوض ذلك، على المستثمرين أن يدرسوا السيناريوهات التي يدفع بها المتحمسون: ماذا سيحصل، مثلا، لو أن كل صندوق تقاعد استثمر 1 في المائة من حقيبته المالية في العملات الافتراضية؟ خبراء بيتكوين يقولون إن ذلك يقترب من "الذهب الرقمي". يفترض أن تحافظ الأصول القيّمة على قيمتها، لكن عملة بيتكوين، بالمقابل، متقلبة جدا. تضمن قواعد بيتكوين أنه لا يمكن خلق أزيد من 21 مليون قطعة نقدية افتراضية، وهذا ما يميز بيتكوين عن النقود الورقية التي يمكن للبنوك المركزية سكها حسب الحاجة. بيد أن محدودية المخزون، وإن كان شرطا ضروريا، فهو غير كاف للحصول على القيمة. الصور التي يوقعها صحفيو "ذي إيكونوميست" نادرة، لكن، للأسف، بلا قيمة. فالمخزون ليس فعلا محدودا. فهناك عدة عملات رقمية أخرى موجودة في الساحة. هل يمكن أن تعوض بيتكوين العملات العادية في التعاملات اليومية؟ ليس قريبا. من هذا الذي يريد أن يضع في جيبه عملة تعلو وتنخفض قيمتها ب20 في المائة في ساعة واحدة؟ كما أن العملات الواقعية تستعمل لتحديد الالتزامات والأصول. يمكن للبيتكوين أن يزدهر إذا سقطت عملتا الدولار والأورو أمام التضخم، لكن لا توجد أي مؤشرات على هذه الفرضية. سيناريو آخر أكثر قابلية للحدوث هو إن أظهرت التكنولوجيا التي تقف خلف بيتكوين تسمى Blockchain أن لها فائدة كبرى في المعاملات بحيث يكثر الإقبال عليها. في حال حدث ذلك، سيصبح بيتكوين وسيلة لخدمات أخرى، وسيحتاج الناس ليحصلوا على بعض من هذا النقد الرقمي لإنجاز بعض المعاملات. غير أنه إلى الآن أكثر من جذبهم بيتكوين ليسوا إلا طبقة من دعاة الفكر المناهض للرأسمالية والقيود (الليبيرتاري)، ومن يريدون أن يتاجروا في الممنوعات. غموض وضبابية بيتكوين لا تمثل عنصر جذب بالنسبة للبنوك الكبرى. وهذه الأخيرة تطور تكنولوجيا blockchain الخاصة بها. هيستيريا على جميع الأصعدة إذا كان صعود نجوم بيتكوين بات يمثل هوسا للبعض، فكذلك الدعوات إلى منعه تعد دعوات يبالغ فيها. من حق سلطات التقنين مراقبة ما يجري مع هذه العملة، وكيف تحاول بعض المقاولات الناشئة توظيفها لجني الأرباح بطرق غير قانونية. من حقها أن تنبه إلى خطورة التعامل في إطار أسواق ضيقة بأصول لا قيمة فعلية لها، ولا آليات لاسترداد الحقوق في حال صارت الأمور بشكل سيء. لكن من الصعب القول إن هذه العملة مصدر لتهديد دائم، من جهة، باعتبار أن قيمة بيتكوين أقل من نصف القيمة التداولية لأسهم شركة "آبل". فالأضرار الاقتصادية الحقيقة تنجم حين تحصل قفزة في أسعار الأصول بالتوازي مع الاستعمال الواسع لنطاق المال الذي تم اقتراضه، لاسيما من طرف الأبناك. وهذه العناصر غير قائمة حاليا. بالنسبة إلى من يرون أن العملات الرقمية يمكن أن تكون هي الحدث العظيم المقبل، فشراء بيتكوين يشبه عقد شراء آجل: يمكن أن يكون مربحا. بالنسبة للبقية، الحكمة تقتضي مراقبة ما يجري من مسافة. اليوم يتهافت المستثمرون بكثير من النشوة على أبواب بيتكوين، الاختبار الحقيقي سيأتي حينما سيحتاجون إلى الخروج من أسواره مرة أخرى. عن ذي إيكونوميست ترجمة اليوم 24 بتصرف