مازالت الشيلي تعيش منذ الأسابيع الأخيرة على صفيح ساخن وتوجد على فوهة بركان وصل صداه إلى مسامع العالم برمتّه؛ بحيث تحوّل الغضب إلى موجة عاتية من القلق الاجتماعي للمطالبة بمطالب جد متنوعة. بالأمس القريب، كانت الشيلي تبدو كنموذج يُحتذى به في مجال التنمية الاقتصادية المتطورة في أمريكا الجنوبية. كان الجميع في المنطقة يتحدث عنها ويشيد بما تحققه، انطلاقا من مؤسسات مثل البنك الدولي أو منظمة الأممالمتحدة (ONU)، فضلاً عن بلدان أمريكا وأوروبا وإفريقيا وآسيا التي أشادت، بدورها، بمسار تقدم الشيلي وازدهارها. غير أنه خلال الأسابيع الأربعة الماضية، أصبحت هذه الصورة ضبابية وظهرت الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية بشكل واضح للغاية في جميع أنحاء المجتمع الشيلي. إن الحملة التي بدأها بعض طلاب المدارس، وسط الضحك والصراخ، للقفز عبر بوابات المترو دون شراء التذكرة في مدينة سانتياغو، عاصمة الشيلي، أشعلت حماس الشعب الشيلي وأدّت إلى اندلاع نيران الغضب الاجتماعي الذي دخل الثلاثاء 12 نوفمبر يومه السادس والعشرين من الاحتجاجات والحشود والطنطنة (الضرب على الأواني باستمرار) والاضطرابات داخل العديد من المدن. فأصبح الجميع يتضامن مع هذه الاحتجاجات ويلاحظ الشيء نفسه: الرواتب المنخفضة، والمعاشات التقاعدية البائسة، والتعليم الخصوصي باهظ الثمن، وتدني مستوى الخدمات الصحية، ومشكل النقل، وسوء المعاملة وحالات الفساد الغريبة، والظلم الذي عمّر منذ عدة عقود، من بين أمور أخرى كثيرة. أصبح النظام النيوليبرالي في الشيلي لا يطاق أبدا. خرج الناس إلى الشوارع وظلوا متشبثين باحتجاجاتهم الحماسية منذ ال 18 من أكتوبر التاريخي، وتم تكسير ذلك الذي يسمى ب "حدود ما هو أخلاقي ومقبول اجتماعياً". بمعنى آخر، قام الشباب والطلبة والنساء والأساتذة والمتقاعدون، والشعب عمومًا، بتحرير أنفسهم بطريقة ما وبدؤوا يرفعون شعار التنديد في وجه النخب الاقتصادية والسياسية والعسكرية بسب الاستغلال وسوء المعاملة، وبسبب أن "العيش الكريم كان مجرد كذب والعيش السيئ كان هو الصحيح". في يوم الثلاثاء 12 نوفمبر، كان هناك إضراب وطني عام عن العمل في الشيلي دعا إليه "مكتب الوحدة الاجتماعية"، الذي يتكون من 130 منظمة اجتماعية عبر جميع أنحاء البلاد، والذي أعلن أنه وصل عدد المشاركين في المظاهرات إلى حد الساعة، حسب الإحصائيات، إلى أربعة ملايين شخص تقريبا. إن الحشود والاحتجاجات التي تحدث الآن في مدن مختلفة من الشيلي تسعى إلى تغيير النموذج الاجتماعي للوصول إلى ديمقراطية حقيقية. كما ازداد المخيال التضامني للشعب الذي أصبح واعيا تمام الوعي وأضحى يلعب دورًا حيويا كمواطنين. في ظل السيناريو الراهن، ستواصل الشيلي المظاهرات الاجتماعية لأن الشرط الأساسي هو أن يكون هناك دستور جديد، لأن الدستور الحالي، في الواقع، انتهت صلاحيته منذ 40 عامًا تقريبًا، وينبغي القضاء على الاختلالات الهيكلية التي تتمثل، حسب هذا البلد الواقع في أمريكا اللاتينية، في العيش تحت وطأة الديون والنزعة الاستهلاكية المستمرة والعيش منفصلين اجتماعياً. *أستاذ اللغة الإسبانية دكتور في الديداكتيك