تبدو المسافرة "سين" حائرة وهي تلتفت ذات اليمين وذات الشمال باحثة عن الحافلة التي يفترض أن تقلها نحو وجهتها..تسأل أحد العاملين بالمحطة، يصعب أن تعرف أنه كذلك لغياب أي لباس يميّزه، قبل أن تعجز عن تحصيل أي معلومة مفيدة منه، لتعود لترتسم على وجهها من جديد علامات الحيرة والغضب. سألنا المسافرة عمّا يحدث فأجابت بحنق: "إنها فوضى حقيقية. لا أحد يعلم شيئا هنا أو يستطيع أن يفيدك بشيء. بدءا من بائعي التذاكر وانتهاء ببعض المرشدين الذين يصعب أن تجدهم أصلا. التذكرة لا تضم أي معلومة واضحة، هناك أرقام فقط ولا شيء سواها..كأننا أمام لعبة اختبار ذكاء! إنها الفوضى كما قلت". محطة في قاعة "الانتظار" بعد افتتاح مُبهرج، تحت أضواء الكاميرات والتصريحات المنمّقة، بدأت المحطة الطرقية الجديدة، الواقعة بمنطقة الحرارين بطنجة، عملها على وقع فوضى ملحوظة وشكاوى متتالية من المسافرين، وحتى العاملين بها. ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فإن أول ما يلفت انتباهك بمجرد دخولك المحطة هو لافتة تحمل عنوان "قاعة الانتضار وممر نحو الرصيف".. خطأ لغوي فاحش في كلمة "الانتظار" لم يجد من يصلحه وسط ميزانية إجمالية لبناء المحطة بلغت 53 مليون درهم. زحام شديد واختلاط أجساد رهيب لم يكن موجودا حتى في المحطة القديمة. المئات من المسافرين أمام 3 أو 4 شبابيك تذاكر لا تسمن ولا تغني من جوع، خصوصا أمام نظام "التذكرة الموحدة" الذي اعتمدته المحطة. يقول أكدي عبد المنعم، ممثل عن نقابة أرباب النقل العمومي جهة طنجةتطوان: "هناك نقص كبير في مستخدمي الشبابيك. هناك 13 شباكا، 3 منها فقط تشتغل.. كما أن تدريب المستخدمين المكلفين ببيع التذاكر لم يكن كافيا". أجور هزيلة ومستخدمون يغادرون ويضيف المتحدث في تصريحه لهسبريس: "يخصصون لهؤلاء المستخدمين، وهم من حاملي الإجازات أو الماستر، تكوينا لا يتعدى 10 إلى 15 ساعة، قبل أن يتركوهم في مواجهة ضغط العمل ومشاكله، علما أن الأجور المخصصة لهم هزيلة جدا". هذه الأجور، وفق ما علمت به هسبريس من مصادر بالمكان، تقارب ال2000 درهم شهريا، ما جعل حوالي 30 مستخدما، بمعدّل 3 فرق عمل، يغادرون العمل في غضون أسبوع واحد!. يوضح النقابي مواصلا سرد المشاكل التي ترزأ تحت عبئها المحطة: "بالنسبة لإدارة المحطة فهناك شخص واحد متواجد هو المدير، في غياب أي مساعدين له، وهو ما تترتب عنه عدة مشاكل، على رأسها تأخر انطلاق الحافلات في موعدها، وبالتالي مشاكل في مواعيدها المفترضة في المحطات الأخرى". وكأن هذا الكمّ من المشاكل ليس كافيا، فإن النظام المعلوماتي، وفق المتحدث دائما، يعاني من بطء شديد، موردا: "لا نعرف سبب ذلك، نظرا لغياب المعلومة.. لكنه يسبب مشكلا كبيرا أيضا، إذ يصل وقت الانطلاق دون أن تكون التذاكر قد استخلصت". الجماعة غائبة والأمن حاضر ويسجّل المتحدث أن الجماعة الحضرية، باستثناء اليومين الأوّلين لافتتاح المحطة، "غائبة عن المشهد، علما أن المحطة تسيّر بشراكة بينها (60%) وبين شركة التنمية المحلية (40%)". أمنيا، أوضح المتحدث أن الأمن عموما مستتبّ بالمحطة، لوجود عدد كاف من العناصر الأمنية، وزاد: "لم نسجل إلى حد الآن وقوع أي حالة سرقة أو اعتداء، أو أي مشكل أمني عموما". وبخصوص البناية نفسها فقد بدا من الواضح أن المساحة غير كافية لاحتواء عدد المسافرين الضخم، خصوصا في المناسبات والأعياد، وهو ما أكده النقابي عبد المنعم أكدي وهو يلفت الانتباه إلى مساحة الباحة الصغيرة، والتي تسفر عن ازدحام لا تخطئه العين. أما على مواقع التواصل الاجتماعي فقد انتشر "فيديو" يظهر تسربا كبيرا للمياه إثر أولى قطرات المطر بطنجة من وسط أحد الواقيات المخصصة لمواقف "التاكسيات". بينما في الطابق الثاني للمحطة، انتبذ مجموعة من مستخدمي المحطة القديمة مكانا قصيّا، منتظرين حلاّ لمشكلتهم العالقة بعد أن تم، وفق تصريحاتهم، إقصاؤهم من العمل بالمحطة الجديدة، وإحضار أشخاص جدد لا خبرة لهم، ما سبب لهم مشاكل أسرية واجتماعية جمّة. عموما، يبدو أنه أمام المسافرين المغادرين أو القادمين إلى طنجة مدة طويلة من "الانتظار" قبل أن يشهدوا تحسنا في عمل المحطة، والذي ينبغي أن يكون حتميا، وإلا فإن التغيير الوحيد الذي ستكون المحطة قد حققته هو أنها انتقلت من مكان إلى مكان آخر..لا أقّل ولا أكثر.