لم تنجح استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في تهدئة الاحتجاجات التي تعم مختلف أرجاء لبنان، لكن لم يبد المحتجون في أي مكان تصميما وحيوية بقدر ما أبدوه في طرابلس ثاني أكبر المدن اللبنانية والتي يشكو سكانها من عقود من الإهمال. وبعد فترة هدوء نسبي أغلق المحتجون طرقا في بيروت وأماكن أخرى في البلاد، الاثنين، للضغط من أجل تلبية مطالبهم في مواجهة النخبة الحاكمة والتي أدخلت لبنان في أزمة سياسية في وقت يعاني فيه من أزمة اقتصادية. لكن المتظاهرين في طرابلس، وهي مدينة ساحلية تقع على مسافة حوالي 80 كيلومترا شمالي بيروت وتعاني منذ زمن طويل من الفقر والبطالة، برزوا عن غيرهم بعزمهم وغضبهم. وكُتب على لافتة في ساحة النور في طرابلس بعد استقالة الحريري "مستمرون لإسقاط رئيس الجمهورية ومجلس النواب". وعلى الرغم من استقالة الحريري الأسبوع الماضي، لم تبدأ بعد المشاورات الرسمية لتشكيل حكومة جديدة. والحريري المتحالف مع الغرب ودول الخليج العربية مستمر في قيادة حكومة لتصريف الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة. وأصبحت احتجاجات طرابلس الليلية، التي تشبه مهرجانا للموسيقى الإلكترونية، طقسا لسكانها البالغ عددهم نحو 500 ألف نسمة وأغلبهم من المسلمين السنة. وبات التلويح بكشافات أجهزة الهواتف المحمولة على إيقاع موسيقى الأناشيد الوطنية التي يدمجها مشغلو الاسطوانات في ساحة النور بطرابلس رمزا منذ أن بدأت الاحتجاجات في لبنان يوم 17 أكتوبر. وقال أيمن حداد (33 عاما) إن مهنته كبائع للمعدات الطبية لا توفر له ما يكفيه للزواج. وأضاف "طرابلس أكثر منطقة تعاني... في بيروت الناس لديها ما يكفي من المال لمدة شهر، لكن في طرابلس نحن نعيش يوما بيوم". وكان ساسة من السنة من طرابلس من المحاور التي انصب عليها غضب المحتجين ومنهم نجيب ميقاتي رئيس الوزراء السابق ورجل الأعمال الثري. ويشير السكان إلى موارد الدولة غير المستغلة مثل المطار القريب الذي لا يستخدمه إلا الجيش باعتبار ذلك رمزا إلى نهج الحكومة الذي يقولون إنه سمح بسقوط المدينة الملقبة بعاصمة الشمال في أعماق اليأس. وأظهر تقرير للأمم المتحدة صدر في عام 2016 أن نحو 50 بالمئة من سكان طرابلس يعيشون تحت خط الفقر المقدر بأربعة دولارات في اليوم. "لا أحد يساندنا" يقول بلال الدهان مشيرا إلى الجماعتين الشيعيتين القويتين في البلاد "هناك اهتمام بالعاصمة بيروت، وفي الجنوب لديهم جماعات مثل أمل وحزب الله تحميهم. لكن في طرابلس لا أحد يدعمنا". ويقول السكان إن المظاهرات الحيوية أعادت تشكيل صورة المدينة التي شوهها منذ فترة طويلة العنف الطائفي بين السنة والعلويين. وقال محمد ياغي (36 عاما) وهو ممثل "الكثيرون يقولون لي إنهم يرون طرابلس بشكل مختلف". ويقول سكان المدينة إن قدرتهم على اجتذاب حشود ضخمة ومشحونة بشكل مستمر شجعت آخرين في مختلف أرجاء البلاد على الحفاظ على قوة الدفع. وقالت مروة عثمان (36 عاما) "عندما كان يبدو أن الضغط في الشوارع في مناطق أخرى قد خف، كانت طرابلس تظل قوية جدا. وأعاد ذلك فعليا الناس للخروج في مناطق أخرى". تحدى صمود طرابلس ما يراه النقاد باعتباره محاولة من الحكومة لاحتواء الحركة الاحتجاجية بوضع نفسها في موضع الضامن لحملة ضد الفساد. وقال حداد "نتبع مبدأ واحدا الآن: أننا بدأنا لتونا". وأضاف "سنستمر حتى يسقط النظام بكامله، حتى الرئيس". ويشهد لبنان، وهو من أكثر دول العالم استدانة، أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. *رويترز