(قصة واقعية) داخل منزل في قرية صغيرة كانت أسرة تحتفل: محمد الصغير نطق أول كلمة له؛ الحمد لله لم يرث الصمم والبكم عن أبيه الفاقد للسمع والنطق. كبر محمد وكبرت أحلامه وأحلام أسرته معه؛ كان شابا وسيما طويل القامة؛ أبيض البشرة ذو شعر أشقر وعينين مخضرمتين؛ ذو خلق عال مؤمنا بالعمل والكفاح، متحملا مسؤولية أبيه الأصم الأبكم وأمه. ولتحسين ظروفه وظروف عائلته؛ هاجر وهو في العشرين من عمره إلى مدينة طنجة للبحث عن عمل؛ والتحقت عائلته به ليجتمع الشمل الصغير؛ وما أن كادت الفرحة تخيم على الأسرة حتى سقط محمد مغميا عليه ذات يوم؛ بات محمد طريح الفراش وهو المعيل الرئيسي للأسرة. أصبح الأب الأصم الأبكم يلملم وكأنه يريد التعبير عله يجد أحدا يفهمه ويستنجد به؛ وباتت الأم لا تعرف للمقام لغة غير البكاء. حاول محمد لكنه لم يستطع مغادرة الفراش؛ باعت امه أرضا لها في بلادها لتبدأ رحلة التحاليل والتطبيب لأجل معرفة ما أصاب أبنها. إنه الفشل الكلوي في مرحلته الأخيرة؛ أتلفت الصدمة الجميع حتى اختلط الليل بالنهار لهذه الأسرة؛ أنين محمد ودموع الأم وقلة حيلة الأب الأصم الأبكم. يا لروعة القدر؛ أن مازال للإنسانية قلب ينبض: امتدت: يد، وانتشلت محمدا ووضعته في المصحة للقيام بما يلزم بكل مهنية وضمير؛ إنها يد المحسن (ب؛ز) الذي أبى إلا أن يبقى خلف الستار؛ إلا إن نسائم الفرحة والبهجة اخترقت كل الستائر وطالت كلا من محمد وأبيه وامه وعائلته والأطباء والممرضات والإداريين والأعوان؛ *ولمتعة فعل الخير لسحر لا يضاهيه جمال* بعدما استفاق محمد من الصدمة وجد نفسه أمام مرض مزمن؛ وعليه أن يخضع لعملية التصفية مدى الحياة وهو لازال في بداية الحياة والمعيل الأساسي للأسرة؛ طرقت الأم أبوابا عدة: * مندوبية الصحة التي وجد محمد نفسه أمامه 30 حالة تنتظر دورها ؛والمكان لا يفرغ إلا بوفاة صاحبه. *وطرقت أبواب جمعيات التصفية ؛والتي أظهرت مشكورة تعاونا؛ لكن الإمكانيات محدودة، والحالة هاته شاب لازال في ريعان شبابه ويتطلب رعاية مركزة ومزمنة؛ ليستطيع العمل ومواصلة مسيرة الحياة متكفلا بعائلته. وتمتد نفس اليد مرة أخرى؛ لتوجد له عملا يراعي وضعيته الصحية بتغطية صحية في صندوق الضمان الاجتماعي؛ ظل المحسن (ب؛ز) بتعاون مع الأطباء وبعض الأطراف التي نشد على يدها بحرارة، لكي يدعموا محمدا لحين تفعيل التغطية الصحية .(نقف هنا لنشيد بكل أشكال التضامن الاجتماعي). وعادت الابتسامة للبيت؛ وأصبح محمد أكثر فاعلية وإقبالا على الحياة بصحة جيدة ;مندمجا مع محيطه وأصدقاءه؛ وهو أجمل في صورته وأكثر نظارة في وجهه وأزيد بريقا ولمعانا في عينيه. تجسد الواقعة هاته أو كما قال تعالى: *مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا *. فوجود أيادي بيننا، تجتث بسطاؤنا من أعماق الحزن والحسرة والضيق، وتمد لهم يد النجاة وتضعهم على أرضية صلبة، وتساعدهم سرا؛ محافظة على كرامتهم؛ وتخفف عنهم الألم وتزرع فيهم الأمل والحياة والابتسامة والفرحة؛ ليشعرنا بالدفيء؛ بالأمن؛ بالأمان وبالاطمئنان. وصدق (ص) حين قال: "والصدقة برهان" فحين ينفق فاعل الخير من ماله (على سبيل المثال لا الحسر) للإحسان فإنه يعطي من خبرته وجهده وتعبه ووقته وراحته وطاقته وعمله، ليشد أزر المحتاج؛ ويدفع بذلك كل المعاني الراقية والجميلة تبرز وترفرف على أفق الكون؛ وستعود الصدقة على فاعلها بالخلف من أنبل ما في الوجود، بالشفاء والصحة والوسع في المال وراحة البال والسعادة. ولم لا؛ وخير البشر أنفعهم للناس؛ والمشي للتخفيف عن البشر عبادة حيث أو كما قال (ص): "والله لأن أمشي في حاجة أخي المؤمن خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا". نشكر ونحيي ونقف إجلالا واحتراما وتقديرا لهذا العمل النبيل ونتعلم درسا: أن نقتدي به كل من موقعه؛ وندعو لقدوتنا (ب؛ز) ولذويه بالستر والشفاء والصحة والعافية والمباركة في العمر والرزق.