تمثل بطالة الشباب أحد أهم التحديات الاقتصادية التي تواجه دول العالم، المتقدمة والنامية. وقد بذلت عدة دول عربية، ولازالت، جهودا مضنية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتوفير فرص عمل للشباب، لكن من المؤكد أنه في ظل الظروف غير المواتية التي تشهدها المنطقة العربية لا يمكن القول إن هناك إمكانية لتلبية طلبات معظم الباحثين عن عمل. وحذر الكاتب والناشر المغربي أحمد الشرعي، تحديدا، من أن الشباب والعاطلين في ثلاث دول في شمال أفريقيا هي تونس، والجزائر، وليبيا يمثلون تهديدا للدول العربية والغربية، وأمريكا الشمالية. وبالنسبة لتونس، ذكر الشرعي، وهو عضو مجلس إدارة المجلس الأطلنطي، والمستشار الدولي لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، في تحليل له بمجلة "ذا ناشونال انتريست" الأمريكية، أنه رغم النجاحات الديمقراطية الحقيقية التي شهدتها البلاد مؤخرا، لم تستطع الديمقراطية التخلص من الإسلاميين المتطرفين، أو بقايا نظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، وكلاهما يهددان مستقبل تونس. فقد أسفرت الانتخابات التشريعية الأخيرة عن تصدر حزب النهضة الإسلامي، ليصبح مالكا لزمام الأمور في البرلمان، وفقا للدستور التونسي؛ كما فاز بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية قيس سعيد، وهو أستاذ شعبوي يزعم أنه مستقل ولكنه يدعم بدرجة كبيرة النظريات الإسلامية الأكثر راديكالية، وهو متخصص في القانون الدستوري، وقال إنه ضد تشريع المساواة في الميراث بين الجنسين، الذي وافق عليه البرلمان، كما قال إن “تونس في حالة حرب مع الكيان الغاصب الذي شرّد الشعب الفلسطيني". وعلى أي حال، يمنح الدستور التونسي الرئيس سلطة ضئيلة نسبيا. وقال الشرعي إنه ليس من المحتمل أن يشهد البرلمان التونسي أي تغيير؛ إذ سيقود الإسلاميون الأغلبية البرلمانية، وليس من المحتمل أن تكون أي حكومة- يتم تشكيلها على أساس تحالف يضم أحزابا صغيرة ذات أجندات متنافسة- قادرة على توفير النمو الاقتصادي المطلوب لخلق فرص عمل، والأمل الذي ينتظره الشعب؛ ومع ذلك فإنها ستكون أرضا خصبة للمتطرفين من جميع الأطياف. وفي ظل الرأي العام ذي الاتجاهات المتقاطعة وغياب المؤسسات القوية، سيكون المسرح مُهيئاً لعودة ظهور رجل قوي. وفي ما يتعلق بالجزائر، ذكر الشرعي أن الحرب الأهلية التي اندلعت بعد ما قام به الجيش من تحرك عقب فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية المفاجئ في انتخابات عام 1991، والتي دامت 10 سنوات وراح ضحيتها الآلاف، قد انتهت بالتوصل إلى سلام عن طريق التفاوض، لكن الديمقراطية لم تعد للجزائر. ومرة أخرى، اندلعت الاحتجاجات مؤخرا في الجزائر بسبب سعى الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة للحصول على فترة رئاسة خامسة، رغم أنه كان أساسا مجرد قناع لعصابة تجتذب ما تتمتع به من تأييد من العاصمة وحفنة من المدن الساحلية. ومازال الجيش الجزائري هو المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تعمل بنجاح، ولكن لدى المتظاهرين قليل من الثقة في قدرته على تحقيق إصلاحات ديمقراطية أو كبح البطالة. وفى هذه المرة، الإسلاميون ليسوا في صدارة المظاهرات الشعبية، لكن من الممكن أن يعاودوا الظهور على السطح، كما فعل الإخوان المسلمون تماما في مصر في أعقاب الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسنى مبارك. وأضاف الشرعي أن تحقيق السلام في الجزائر يعتبر أكثر صعوبة، لأن الجيش لا يجد زعيما معارضا للتواصل معه. ومخاوف المتظاهرين سياسية واقتصادية، فهم يرفضون أن يكونوا عاجزين أو عاطلين. وعلى الرغم من ثروة النفط الجزائرية، ينمو الاقتصاد ببطء شديد لا يسمح بتوظيف الكثير من أغلبية من هم دون الثلاثين. وفي ما يتعلق بالمغرب، فقد عانت المملكة أيضا من احتجاجات الريف، قام بعدها الملك محمد السادس بعزل بعض أهم وزراء الحكومة لتسببهم في بطء تنفيذ مشروعات التنمية في المنطقة. كما دعا الملك إلى وضع نموذج جديد للتنمية الاقتصادية، لكن لم تتقدم الأحزاب السياسية بأي مقترحات. وتصاعدت الأحداث مؤخرا، وقلص الملك عدد وزراء الحكومة إلى 23 وزيرا بعد أن كانوا 38 وزيرا، ودعا البرلمان إلى تبنى قوانين تهدف إلى تسريع النمو الاقتصادي ودعا الشركات، والبنوك على نحو خاص، إلى محاربة عدم الاستقرار الاجتماعي. وأضاف الشرعي أنه يبدو أنه لا يمكن الاستغناء عن دور الملك، فقد أدى حكمه إلى إمكانية قيام حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالعمل كجزء من ائتلاف حاكم داخل البرلمان، حيث يتعايش بسلام وبشكل قانوني مع الأحزاب الأخرى التي لا تشاركه آراءه أو قيمه. ومع ذلك، لا يستطيع الملك وحده أن يكون بديلا لأدوار المؤسسات الأخرى. وما لم يتحرك البرلمان والأجهزة الأخرى، ستظل المظالم الاقتصادية والمطالب السياسية تربك مستقبل المملكة. وبدون نمو اقتصادي أكثر قوة، لن تنخفض البطالة بين شباب البلاد ولن يتراجع الاضطراب السياسي. وخلص الشرعي إلى أن بطالة الشباب تمثل العامل المشترك بين الدول الثلاث كمصدر للاضطرابات الاجتماعية: فالعاطلون من الشباب سينضمون إلى الجماعات المتطرفة أو سيهاجرون إلى أوروبا وأمريكا الشمالية؛ فهم جيش دون زي عسكري، ويمثلون تهديدا لاستقرار الدول الصناعية. وهذه الدول العربية في حاجة ماسة إلى مساعدة من الغرب، فهي في حاجة إلى تجارة حرة، ومساعدات فنية، واستثمارات أجنبية، ومعونات. إن مستقبل هذه الدول في خطر، ومستقبل أمريكا في خطر أيضا. *د.ب.أ