في قلبِ معرض الفرس بالجديدة، يوجدُ رواق مخصّص للقوات المسلحة الملكية، التي تشاركُ لأوّل مرةٍ بجناحٍ تاريخي حول موضوع "العناية بالفرس على عهد الدولة العلوية الشريفة"، والذي تنظمه مديرية التاريخ العسكري، التابعة لها. ويضمّ الجناح التاريخي للقوات المسلحة الملكية أكثر من 200 قطعة متحفية ومجسمات وأشرطة سمعية بصرية، ويهدف إلى الوقوف على العناية الخاصة التي أولاها سلاطين وملوك الدولة العلوية الشريفة للفرس والفروسية. ويعد الجناح فرصة لتسليط الضوء على صفحات تاريخية من قيم النبل والإخلاص للعرش العلوي، في استحضار قوي للقيمة التراثية للفرس والفروسية. ويعتبرُ الجناح مناسبة للزوار من مختلف الأعمار للاطلاع على مكانة وقيمة الفرس خلال العهد العلوي، من خلال أدوار خيالة الجيش المغربي وتطورها التاريخي وطبيعة تنظيمها وتكوينها وتجهيزها، فضلا عن القيم العسكرية التي يتصف بها الفرسان المغاربة. ويرتكز المعرض على المحاور التالية: "سلاطين الشرفاء العلويين، تاريخ على صهوات الجياد"، و"الفرس في التراث المغربي" و"خيالة الجيش السلطاني جاهزية واحترافية"؛ و"عشرون عاما من العناية الملكية بالخيل والفروسية". كما يعرفُ الجناح أيضا مشاركة مفتشية الخيالة للقوات المسلحة الملكية من خلال رواق خاص تحت عنوان "إسهام الفرس العسكري في النظم البيئية المغربية". ويؤكد محمد زين العابدين الحسيني، أستاذ التاريخ العسكري بالأكاديميات والكليات العسكرية العليا بالمغرب، أنّه تمّ تقسيم المعرض إلى 4 محاور، بدءا ب"السلاطين العلويين انطلاقا من الشجرة التي تربطهم بالرسول عليه الصلاة والسلام، حيث كانوا يعتمدون على الفرس كرمزية في إطار خروجهم سواء بالنسبة للبيعة أو بالنسبة لصلاة الجمعة وصلاة الأعياد، وهذا يعطي رمزية للسلطان المغربي الذي يعد مرتبطاً بالتقاليد العريقة". وأضاف الباحث في التاريخ والحضارة المغربية أن "ركوب الفرس بالنسبة للسلاطين العلويين كان مهماً؛ لأنه كان يرتبط بالتكوين الذي كان يتم في مدرسة الأمراء، والتي تتكلم عنها العديد من المخطوطات؛ منها مخطوط "البدور الضاوية" لسليمان الحوات والعديد من المؤرخين حول هذه المدرسة التي تخرج منها العديد من الأمراء". وشيدت المدرسة التربوية التكوينية التي تعرف بدار الأمراء، بأمر من السلطان سيدي محمد بن عبد الله في العام 1779 بقبيلة أولاد أحمر بالشماعية نواحي آسفي، على شكل مستطيل، تحيط به أسوار عالية وسميكة؛ وكانت تتكون من مجموعة من المرافق المخصصة لسكنى الأمراء ومرافقيهم وقواد الجيش. كما ضمت المدرسة مرافق أخرى للدراسة والتحصيل، واشتملت على مسجد ومدرسة ومخازن تموين، إضافة إلى إسطبلات، وتجهيزات مائية وصهاريج؛ كما تميزت بجمعهما ما بين التكوين النظري والتكوين في مجال الفروسية وركوب الخيل. وكان هذا النوع من التكوين في مجال الفروسية وركوب الخيل يتم وفق نظام صارم ومضبوط أشار إليه العلامة المختار السوسي في كتابه "المعسول" قائلا: "كانوا أولا يؤاخذون بركوب الفرس عرياً حتى يتمكنوا من ذلك بالسروج.. ثم إن أستاذهم في الفروسية يسابقهم أو يطاردهم". وتذكر المصادر التاريخية أنه استفاد من تكوين هذه المدرسة كل من السلطان مولاي سليمان والسلطان مولاي عبد الرحمان والسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن، والسلطان مولاي الحسن والسلطان مولاي عبد الحفيظ. وكان لفرق الفرسان دور هام داخل الجيش المغربي على عهد السلطان مولاي إسماعيل، الذي اعتمد على مجموعة من الطرق المبتكرة في تنظيم وتأطير وتجهيز القوات المجندة، ونجح في إرساء مبادئ الطاعة والانضباط العسكري. كما سهر هذا السلطان من جانب آخر على تنظيم فرق الفرسان داخل الجيش المغربي ضمن نظام جديد هو نظام جيش عبيد البخاري. كما يوفر معرض القوات المسلحة إمكانية الاطلاع على سيوف تاريخية للملك محمد الخامس والسلطان مولاي الحسن الأول، "وهذا يدل على رمزية التعامل بهذه الأسلحة عند ركوب الخيل"، حسب الأستاذ الحسيني. "كما تم تخصيص جناح خاص بالدبلوماسية في علاقتها بالفرس، إذ إن الخيول كانت تستعمل كهدايا يقدمها السلاطين العلويون لملوك الدول الأجنبية"، يضيف الباحث. وأردف الباحث ذاته بأن "السلاطين كانوا دائماً حين استقبالهم للسفراء يركبون صهوات جيادهم، إلى درجة أن الحرْكات السلطانية كانت تعتمد على الخيل؛ وهو ما جعل المؤرخين يقولون عن مولاي الحسن الأول إن عرشه كان صهوة جواده"، وزاد: "كما تم تخصيص محور علاقة الفرس بالمخطوطات، فهناك تراث أدبي يتحدث عن الفرس، سواء على شكل منظومات أو شكل مكتوب يبين أهمية الفرس وأنواع الخيل التي كانت موجودة في فترة الدولة العلوية، وهناك جناح خاص لامتداد هذه العناية إلى وقتنا الحاضر". ويقول الحسيني: "نجد أن الملك محمدا السادس يعتني بهذا الجانب، إلى درجة أنه يشرفه بنفسه على افتتاح هذا المعرض الخاص بالخيل، وعنايته تتمثل في رعاية الصناع التقليديين". ويستطردُ الباحث: "القوات المسلحة تواكب هذا العمل تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، إذ تشارك كل سنة في هذا المعرض، وهذا في حد ذاته يدل على استمرارية عناية الدولة العلوية بالفرس والخيل". وتعرفُ هذه السنة مشاركة الجهات الاثنتي عشرة للمملكة، من خلال رواق خاص بها، يشكل فضاء للعرض والتبادل حول تجربة وخبرة الجهات في مجال الفروسية، ومناسبة للاحتفاء بالموروث الوطني، والاطلاع في الآن ذاته على التقنيات والمهارات التقليدية القديمة المتعلقة بالفرس. ويُسلط معرض الفرس بالجديدة الذي يحظى برعاية ملكية، خلال هذه الدورة، الضوء على مختلف تجليات الفرس داخل المنظومات المتعددة. وسيتم تشريف سلالات الخيول المحلية، كالفرس البربري الوطني والحصان العربي؛ وذلك بمشاركة 700 فارس يمثلون 35 جنسية.