ملفات كبرى مطروحة على طاولة التشكيلة الحكومية الجديدة، التي رأت النور الأربعاء الماضي، خصوصا أن تنصيب أعضائها يتزامن مع افتتاح الموسم السياسي بمجلس وزاري من لدن العاهل المغربي الذي حدد أربع أولويات للمرحلة المقبلة، هي التنمية الاجتماعية ودعم الاستثمار، فضلا عن تنزيل الجهوية والقانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين. ويصعب على الهندسة الحكومية الجديدة تنفيذ هذه الأولويات في المرحلة الراهنة، ما مرده إلى الحيّز الزمني القصير المتبقي لها (سنة ونصف)، خصوصا أن الأشهر القليلة التي تسبق الاستحقاقات الانتخابية تُشكل محور انشغال الطبقة السياسية بالمغرب، الأمر الذي يؤدي إلى "توقف" المشاريع التنموية بسبب التركيز على التموقع السياسي المُرتقب. تعزيز آليات الحماية الاجتماعية أولى التوجهات الكبرى التي تسم الدخول السياسي الراهن هي تعزيز آليات الحماية الاجتماعية، إذ تعاني مختلف الحكومات المتعاقبة على تسيير شؤون المغاربة من عجز على مستوى أجرأة المخططات ذات الصبغة الاجتماعية، لأن المكتسبات الاقتصادية التي تحققها المملكة لا تنعكس على الحياة اليومية للمواطنين، تحديدا ما يتعلق بالقدرة الشرائية والولوج إلى الخدمات الصحية، وغيرها من الخدمات. في هذا الصدد، يقول محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، إن "التوجهات الكبرى التي رسمها المجلس الوزاري تتمحور حول النظام الجهوي ودعم المقاولة والتنمية الاجتماعية وإصلاح منظومة التربية والتكوين"، مؤكدا أن "الملاحظة المبدئية تظهر أن هذه المحاور عبارة عن توجهات كبرى لن تتحقق في سنة ونصف، وهو الزمن الحكومي المتبقي للحكومة الحالية". وفي سؤال لجريدة هسبريس الإلكترونية بخصوص مدى قدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ هذه الأولويات التي تحكم الأجندة السياسية في الظرفية الراهنة، يجيب شقير بكون "قدرة الحكومة على تنفيذ النظام الجهوي والحد من التفاوتات الاجتماعية مسألة مستبعدة، إلا ما يتعلق بالتدابير التي من شأنها تحسين عمل المقاولة، على أساس أن تنفيذ التوجهات الكبرى تلزمه مدة تتراوح بين خمس وعشر سنوات". تطورات قضية الصحراء يشهد ملف الصحراء تطورات متسارعة أرخت بظلالها على الدخول السياسي، خصوصا بعد استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، هورست كوهلر، إلى جانب إقالة الرئيس الأمريكي لمستشار الأمن القومي جون بولتون، الأمر الذي أدى إلى توقف اللقاءات التي كان يرتقب أن تعقد بين مختلف الأطراف خلال الصيف الماضي، وهو ما انعكس على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص القضية الوطنية. نوفل البعمري، الخبير في قضية الصحراء، يقول إن "الدخول السياسي الحالي يتزامن مع التطورات التي يشهدها ملف الصحراء على الصعيد الأممي، إذ يعيش متغيرات عديدة وأسئلة حول مستقبل النزاع ومستقبل ساكنة المخيمات التي تزداد رغبتها في التحرر والعودة إلى وطنها الأم"، مؤكدا أن "الدخول السياسي من جانب القضية الوطنية يتزامن مع استقالة هورست كوهلر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، وكذا إقالة مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب، جون بولتون". ويضيف البعمري، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الاستقالتين كانا لهما تأثير على مسار الملف السياسي الذي تعثر، إذ توقفت اللقاءات التي كان من المنتظر أن تجري في الصيف بين مختلف الأطراف، على رأسها المغرب والجزائر وموريتانيا والجبهة، الأمر الذي انعكس على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الحالة في الصحراء المغربية". "كان منتظرا من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم تقريرا عن تقدم المسار والمباحثات، لكنه وجد نفسه أمام فراغ ناتج عن استقالة هورست كوهلر، الأمر الذي سينعكس على المناقشات التي ستجرى في أكتوبر الجاري على مسودة قرار مجلس الأمن، والقرار نفسه الذي سيصوت عليه مجلس الأمن"، يورد المتحدث، مردفا: "هذا التزامن حساس بالنسبة للمغرب، إذ يجعل من الدخول السياسي دخولا بطعم القضية الوطنية، وتحولاتها التي تجعل الملف ذا راهنية متجددة بتجدد تطوراته وتحولاته الوطنية والدولية". تنزيل الاتفاق الاجتماعي حوارات ماراطونية بين الحكومة والمركزيات النقابية بخصوص الملفات الاجتماعية التي تؤرق العمال، تؤدي على الدوام إلى توتر يطبع العلاقات الثنائية، إذ عجزت الحكومة السابقة التي ترأسها عبد الإله بنكيران عن التوصل إلى اتفاق اجتماعي طوال ولايته، في حين نجح سعد الدين العثماني في إنقاذ الوضع عبر اتفاق 25 أبريل، لكن الأولوية الحالية تستدعي تنزيل مضامين هذا الاتفاق الاجتماعي في غضون الأشهر المقبلة. نور الدين سليك، عضو الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، يؤكد أن "الوضع الاجتماعي يزداد سوءا وتدهورا، لأن المبادئ الأساسية للآليات الاجتماعية لا تحترم في البلد"، معتبرا أن "المدخل الفعلي للحماية الاجتماعية يتجسد في ضمان حقوق الطبقة العاملة التي تجد صعوبات كبيرة في تنظيم نفسها، علما أنه حق فعلي ينبغي أن تستفيد منه". ويبرز سليك، في تصريح أدلى به للجريدة، أن "الحق في التفاوض الاجتماعي بين المُشغل والعاملين من شأنه أن يفضي إلى التوصل إلى اتفاق مشترك سيمكن العاملين من تحسين أوضاعهم الاقتصادية"، لافتا إلى أنه "لا يمكن تحقيق أي تنمية اقتصادية بدون تحقيق الديمقراطية، ما يستلزم تمتيع العمال بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية"، ومسجلا أن "الوضع الحالي موروث منذ الحكومات المتعاقبة على المغرب، باستثناء المكتسبات التي حققها عبد الله إبراهيم". تحسين ظروف الاستثمار أصبحت المملكة منشغلة بتحسين مناخ الأعمال، لاسيما في ظل الظروف الإقليمية المتوترة بالمنطقة، الأمر الذي يشكل فرصة سانحة من أجل تعزيز تموقعها الدولي بشأن ريادة الأعمال، لكن المقاولات الناشئة مازالت في حاجة إلى نفس جديد، فضلا عن العقبات التي تواجهها المقاولات الصغرى والمتوسطة، ما يؤدي إلى إفلاس العشرات منها كل سنة؛ ومن ثمة ينبغي تعزيز الإعانات المالية التي تحتكرها المقاولات الضخمة. ولم يتبق أمام الحكومة في حلّتها الجديدة سوى سنة ونصف، بغية تسريع وتيرة إنجاز الأوراش، لكن العديد من المتتبعين للشأن السياسي يرون أن "التشكيلة الجديدة جاءت مخالفة للتوقعات"، مسجلين "عدم ضخ دماء جديدة في الجهاز التنفيذي"، وداعين إلى التركيز بشكل أكبر على دعم الاستثمار والمقاولات، على اعتبار أن إصلاح منظومة التعليم وتنزيل الجهوية وتعزيز أسس الحماية الاجتماعية عبارة عن أوراش إستراتيجية ممتدة على سنوات. في هذا السياق، يوضح شقير أن "العمر الحكومي المتبقي لا يتعدى سنة ونصف سنة، إذا أكملت الحكومة ولايتها بسلام؛ ذلك أن النظام الجهوي يلزمه لوحده برنامج ضخم، علما أن التشكيلة الحكومية لم تتغير عن سابقتها باستثناء إضافة ستة وجوه جديدة، ومن ثمة لن تغير من وتيرة الاشتغال الحكومي"، وزاد مستدركا: "لكن يمكن أن تساهم في رفع التحديات التي تطبع المغرب منذ عقود". وتابع الخبير في الشؤون القانونية والأمنية: "كل ما يمكن أن تقوم به الحكومة الحالية هو إعطاء إشارات ملموسة يمكن أن تُحرك الوضع وتبعث الثقة في ما يلي من السنوات"، وزاد: "إذا استطاعت تحريك المقاولة من خلال اتخاذ تدابير محددة، أو وضع اللبنات الملموسة للنظام الجهوي، ستكون قد وفقت إلى حد ما في تحريك الأوراش الكبرى التي يصعب تنفيذها بحذافيرها في الحيز المتبقي للحكومة". الاستعداد لانتخابات 2021 لا شك أن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة سترخي بظلالها على الدخول السياسي المقبل، ولا تفصلنا عنها سوى سنة ونصف، ومن ثمة ستنشغل الطبقة السياسية من جديد بالتموقع السياسي، الأمر الذي يؤدي إلى احتدام الخلافات بين أحزاب الأغلبية المُشكلة للحكومة، وهو ما يتسبب في "بلوكاج" اقتصادي خلال تلك الفترة. وأثبتت التجارب السابقة أن دنو موعد الانتخابات يتسبب في استنفار داخلي بالمملكة، من خلال عمل وزارة الداخلية على إعادة النظر في الخريطة الانتخابية، سواء تعلق الأمر بالتقطيع الترابي للدوائر الانتخابية أو العتبة الانتخابية، وهي النقاط التي دائما ما تثير الجدل بين حزب العدالة والتنمية والسلطات العمومية. وتتفرغ الأحزاب السياسية، خلال السنة التي تسبق موعد الانتخابات، للتجمعات الخطابية التي يتم عقدها في أغلب مدن المملكة؛ وذلك بغية كسب المزيد من الأصوات وإقناع الناخبين بمشروعها السياسي؛ كما تطفو إلى السطح الخلافات السياسية بين التنظيمات الحزبية.