ظلت ولازالت قضايا وحقوق المرأة مجالا للصراع السياسي بغطاء ديني. لهذا تزخر كتب الفقه الإسلامي بما لا يُحصى من الفتاوى والاجتهادات الفقهية حتى تجاوزت الواقعي إلى الخيالي. فكما أنتج العقل العلمي أنواع للواقع الافتراضي لا حصر لها، افترض العقل الفقهي نوازل من باب المستحيل حدوثها. لم تكن غاية الفقهاء تيسير الحياة على النساء ولا ضمان حرياتهن في الحركة والقرار والاختيار إلا ما ندر. وموضوع الإجهاض يكاد يشذ عن هذه القاعدة حيث جاءت غالبية الاجتهادات الفقهية تجيز للمرأة حقها في تحديد مصير جنينها قبل أن يتخلّق، أي قبل أن ينفخ فيه الروح. واتفق جمهور الفقهاء أن الروح ينفخ في الجنين بعد 120 يوما من الحمل. يخوض الصف الديمقراطي/الحداثي اليوم معركة الحريات الفردية وحق المرأة في امتلاك جسدها ورفع التجريم عن الإجهاض. وهي نفس المعركة التي خاضها من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية حين تصدى التيار المحافظ/الإسلامي لمطالب الحركة النسائية التي بلورها مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية. سيظل التيار الإسلامي يناهض حقوق ومطالب النساء بهدف بسط هيمنته على المجتمع والدولة وفق إستراتيجية الأسلمة/الأخونة . فالإسلاميون يعون جيدا أن التحكم في عقل وجسد المرأة يمكّن من التحكم في المجتمع. والصراع اليوم حول الحق في الإجهاض هو سياسي بلبوس فقهي. لذا وجب فتح النقاش من جديد حول هذه القضايا قصد تحرير المرأة والمجتمع من قيود الفقه التقليدي الموروث عن عصور الانحطاط، وفي نفس الوقت تجريد التيار الإسلامي من أدوات التحكم في المجتمع والهيمنة على الدولة. فتحرير المرأة هو المدخل الأساس لتحرير المجتمع وعنوان دمقرطة الدولة. ومن لا تملك جسدها لا تملك قراراها. وللذين يناهضون الإجهاض ويزعمون أن الإسلام حرّم الإجهاض باتفاق الأئمة والفقهاء، أدعوهم لمراجعة مزاعمهم بالاطلاع على النماذج التالية من مواقف الأئمة والفقهاء التي تبيح الإجهاض : اختلفت المذاهب الفقهية في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح واتفقت على حرمته بعد النفخ: موقف يجيز الإجهاض مطلقا داخل 4 أشهر من الحمل، وهذه أدلته. قال ابن عقيل: ما لم تحُلْه الروح يجوز إسقاطه؛ لأنه ليس وأداً؛ لأن الوأد لا يكون إلا بعد التارات السبع (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) (المؤمنون). واستند الأئمة في إباحة الإجهاض قبل نفخ الروح إلى الحديث النبوي الشريف التالي: روى البخاري قال: حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن زيد بن وهب: قال عبد الله: حدثنا رسول الله – وهو الصادق المصدوق – قال: إن أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يَبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجَله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابُه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبقُ عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة" إذن الدليل المستمد من هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم ينفخ فيه الروح" جاء هذا بعد أطوار النطفة، والعلقة، والمضغة، فكل طور مدته أربعون يوماً، ليكون مجموع الأطوار مائة وعشرين يوماً. من هنا ذهب الأئمة والفقهاء إلى أن نفخ الروح يكون بعد أن يتم للحمل أربعة أشهر. قال القرطبي: "لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وذلك تمام أربعة أشهر، ودخوله في الخامس". وقال النووي: "اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر" وقال ابن حجر: "اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر" واستدل أصحاب القول بالجواز قبل نفخ الروح بالآتي: 1. أن كل ما لم تحلّه الروح لا يبعث يوم القيامة، ومن لا يُبعث فلا اعتبار لوجوده، ومن هو كذلك فلا حرمة في إسقاطه. 2. أن الجنين ما لم يتخلق فإنه ليس بآدمي، وإذا لم يكن كذلك فلا حرمة له ومن ثم فيجوز إسقاطه. قال ابن الهمام رحمه الله في "فتح القدير" (3/401): " وهل يباح الإسقاط بعد الحَبَل ؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه، ثم في غير موضعٍ قالوا: ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما. وقال الرملي في "نهاية المحتاج" (8/443): " الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا، وجوازه قبله ". وفي حاشية الشيخ شهاب الدين القليوبي(4/160): " نعم، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه ". وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/386): " يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة. ذَكرَه في الوجيز، وقدمه في الفروع. يتضح من أقوال الفقهاء أن الجنين قبل التخلق أي قبل نفخ الروح، ليس إنسانا ولم يمتلك بعد صفة الآدمية ؛ الأمر الذي لا يجعل إسقاطه من طرف أمه جناية ولا يسري عليه حكم قتل النفس. والملاحظ أن الذين يناهضون الإجهاض جميعهم يستدلون بالأحاديث والفتاوى الفقهي التي تعالج جناية الاعتداء على المرأة الحامل والتسبب في إسقاط حملها. وفرق كبير بين الحالتين: حالة الإجهاض الإرادي من طرف الأم الحامل وبين حالة تعرضها للاعتداء الناتج عنه إسقاط الحمل. والتمييز بين الحالتين ضروري حتى ينكشف أمر مناهضي الإجهاض وتحايلهم على النصوص لتوظيفها في غير محلها حتى يوهموا الناس بحرمة الإجهاض قبل تخلق الجنين. للرد على دعاة تحريم الإجهاض الذين يزعمون أن كل المذاهب الفقهية تجمع على التحريم، يمكن توضيح مواقف المذاهب من الإجهاض عسى يتعظ المتنطعون فيكفوا عن الاعتقاد والزعم أنهم وحدهم من يحق لهم فهم الدين الذي هو ملك مشاع بين المسلمين ولا حق لأحد احتكار معرفته أن الحديث باسمه. أقوال المذهب الحنفي في الإجهاض قبل نفخ الروح: للحنفية في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح ثلاثة أقوال، وهي: القول الأول: يذهب أصحابه إلى إباحة إسقاط الحمل، إذا لم يتخلّق منه شيء. على أن المراد بالتّخلّق هو نفخ الرّوح. قال ابن عابدين: "يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر"، وأباحه كذلك الحصكفي وهو من الحنفية، قبل أربعة أشهر، ولو كان بدون إذن الزوج، فقال: "يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر، ولو بلا إذن الزوج"، وفي حاشية رد المحتار: "وإطلاقهم يفيد عدم توقف جواز إسقاطها قبل المدة المذكورة على إذن الزوج". وقال في فتح القدير: "هل يباح الإسقاط بعد الحمل؟ نعم يباح ما لم يتخلق منه شيء، ولن يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما. وهذا يقتضى أنهم أرادوا بالتخلق نفخ الروح، وإلا فهو غلط؛ لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة". القول الثاني: يذهب القائلون به إلى إباحة الإجهاض للعذر فقط. وقد صرح ابن وهبان إنّ إباحة الإسقاط محمولة على حالة الضّرورة، فقال: "فإباحة الإسقاط محمولة على حالة العذر"، وذكر أن من الأعذار، لإسقاط الحمل أن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه. القول الثالث: يذهب أصحابه إلى كراهة إسقاط الحمل مطلقاً، وهو ما قال به عليّ بن موسى من فقهاء الحنفيّة، فقد نقل ابن عابدين عنه: أنّه يكره الإلقاء قبل مضيّ زمن تنفخ فيه الرّوح؛ لأنّ الماء بعدما وقع في الرّحم مآله الحياة، فيكون له حكم الحياة، كما في بيضة صيد الحرم. والكراهة لا تعني التحريم ؛ والفعل المكره حُكمه يختلف تماما عن حكم الفعل المحرم. فالأول لا يعاقَب فاعله بينما الثاني يعاقب من يقترفه. نستنتج من أقوال الأحناف أنهم في معظمهم يجوّزن الإجهاض قبل التخلّق. أقوال الشافعية في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح: القول الأول: تحريم إسقاط الحمل، الذي لم تنفخ فيه الروح، وهو ما كان عمره مائة وعشرين يوما، وقالوا: لا يشكل عليه العزل، لوضوح الفرق بينهما، بأن المني حال نزوله لم يتهيأ للحياة بوجه، بخلافه بعد الاستقرار في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق. القول الثاني: إباحة إسقاط الحمل، قبل أربعين يوماً. فقد نقل الرملي عن الطبري خلاف الشافعية في الإجهاض قبل نفخ الروح، فقال: "قال المحب الطبري: اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين: قيل لا يثبت لها حكم السقط والوأد، وقيل لها حرمةٌ ولا يباح إفسادها ولا التسبب في إخراجها بعد الاستقرار في الرحم، بخلاف العزل فإنه قبل حصولها فيه. قول المالكية في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح: للمالكية قولان: القول الأول: تحريم إسقاط الحمل، فقد جاء في الشرح الكبير: "ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوماً، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا". وعلَّق الدسوقي على قول الدردير: ولو قبل الأربعين، بأن هذا "هو المعتمد، وقيل: يكره إخراجه قبل الأربعين". ممّا يفيد أنّ المقصود بعدم الجواز في عبارة الدّردير، التّحريم. القول الثاني: كراهة إسقاط الحمل، وقد نقل هذا القول الدسوقي. مذهب الحنابلة في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح: للحنابلة في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح قولان، وهما: القول الأول: إباحة إسقاط الحمل، قبل أربعين يوماً. فقد ذكر البهوتي جواز إلقاء الحمل قبل أربعين يوما، إذا كان بدواء مباح، فقال: "ويباح للمرأة إلقاء النطفة قبل أربعين يوما بدواء مباح". فيؤخذ من هذا النص الفقهي، أن الإجهاض بشرب الدواء المباح في هذه الفترة، حُكمُه الإباحة. القول الثاني: تحريم إسقاط الحمل، الذي لم تنفخ فيه الروح. فقد نقل ابن قدامة، أن المرأة الحامل إذا شربت دواءً، فألقت به جنيناً فعليها غرة وكفارة. مذهب الزيدية في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح: جاء في مذهب الزيدية، أنه لا شيء في إسقاط الحمل الذي لم يستبن فيه التخلق كالمضغة والدم، وذلك لعدم وجود الإثم في إسقاطه. خلاصة القول في موقف الأئمة والفقهاء من الإجهاض أن غالبيتهم أجازوا الإجهاض لعذر فإذا كان قبل نفخ الروح فالميل إليه أقوى وأرجح. وتجدر الإشارة إلى أن الفقهاء توسعوا في الأعذار التي تبيح الإجهاض خارج الخوف على حياة الأم، ومن ضمن تلك الأعذار كون النطفة من زني على رأى بعضهم ويكون من الأعذار كذلك إذا تأكد أن الجنين سيخرج مشوها مثلا لمرض الأم أو أي سبب آخر من ذلك قول الرملي في نهاية المحتاج: "لو كانت النطفة من زني فقد يتخيل الجواز" أي الإجهاض فلو تركت حتى نفخ فيها الروح فلاشك في التحريم". وشملت الأعذار كذلك كثرة الأبناء أو عجز الأب عن إيجاد مرضعة لابنه بعد أن انقطع لبن الأم. فقهاء السعودية يبيحون الإجهاض. عادة يُعطى المثال في التشدد بفقهاء السعودية، وعلى خلاف هذه الصورة النمطية، قدمت هيئة كبار العلماء اجتهادات منفتحة على الواقع ترفع العسر عن الناس. ومنها: فتوى ابن باز في جوابه عن سؤال: ما حكم الإجهاض في الإسلام ؟ وهل يجوز في مدة معينة؟ هذا فيه تفصيل فأمره عظيم، الإجهاض أمره عظيم وفيه تفصيل: إذا كان في الأربعين الأولى فالأمر فيه أوسع إذا دعت الحاجة إلى إجهاض؛ لأن عندها أطفال صغار تربيهم ويشق عليها الحمل؛ أو لأنها مريضة يشق عليها الحمل فلا بأس بإسقاطه في الأربعين الأولى. أما في الأربعين الثانية بعد العلقة أو المضغة... هذا أشد، ليس لها إسقاطه إلا عند عذرٍ شديد مرضٍ شديد يقرر الطبيب المختص أنه يضرها بقاؤه فلا مانع من إسقاطه بهذه الحالة عند خوف الضرر الكبير. وأما بعد نفخ الروح فيه بعد الشهر الرابع فلا يجوز إسقاطه أبداً، بل يجب عليها أن تصبر وتتحمل حتى تلد إن شاء الله، إلا إذا قرر طبيبان أو أكثر مختصان ثقتان أن بقاءه يقتلها سبَبٌ لموتها فلا بأس بتعاطي أسباب إخراجه حذراً من موتها؛ لأن حياتها ألزم. ولا يختلف موقف ابن باز عن قرار هيئة كبار علماء المملكة العربية السعودية في تجويزهم تنظيم النسل “تمشيا مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين” (أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ط1، (الرياض: الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1988م)، ج2/ص443 ). الفقهاء المعاصرون وقضية الإجهاض. انقسم الفقهاء المعاصرون إلى فريقين: فريق يذهب إلى جواز الإسقاط في أي مرحلة قبل ال (120) يوما (قبل نفخ الروح)، وفريق آخر يذهب إلى حرمة الإسقاط حين دخول النطفة الرحم واستقرارها فيه. من الفقهاء المعاصرين الذين يبيحون الإجهاض، رئيس قسم الفقه في جامعة الأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي عندما أفتى بجواز الإجهاض قبل اكتمال الشهور الثلاثة من الحمل، بل وطالب بقانون يبيح ذلك. وأثناء حوار الدكتور سعد الدين الهلالي مع الشيخ خالد الجندي في برنامجه "روضة النعيم"، قال عن فتواه: "هذه الفتوى تتفق مع جمهور العلماء، أما القانون الحالي فهو يخالف جمهور الفقهاء، يجرّم الإجهاض ويعده قتلاً للنفس، ويستند في ذلك إلى رأي الإمام مالك، رغم أنه الوحيد القائل بذلك وخالفه تلاميذه و99 في المائة من باقي علماء المسلمين الذين نسمّيهم بجمهور العلماء". وأوضح الدكتور الهلالي، أن القانون المصري يأخذ بالرأي الشاذ الآن، ولهذا لا بد من مطالبة مجلس النواب بأن يعيد دراسة القضية مرة أخرى ويتقي الله في المصريين ويختار جمهور العلماء في هذه المسألة ويفتح مجالاً للإجهاض قبل اكتمال الشهور الثلاثة لمن تريد. وأشار الدكتور الهلالي إلى أن فتح باب الإجهاض لمن أراد أن يرحم الأمة ويخفف عن النساء اللواتي يضعن أولادهن من خلال عمليات قيصرية بعد المرة الرابعة أو الخامسة، وأيضاً لمن ارتكبت الفاحشة وأرادت أن تتوب، أو المرأة المغتصبة التي حملت وأرادت أن تجهض نفسها. واستند الدكتور الهلالي في فتواه إلى أن جميع الآراء الواردة في هذه المسألة بشرية لا علاقة لها بالدين، بالإضافة إلى وجود خلاف في مسألة حلول الروح في جسد الجنين، ومنهم من قال ساعة، وهو الإمام مالك، وتلاميذه قالوا "أسبوع"، ومنهم من قال "شهر"، وثمة أحاديث في "صحيح مسلم" تقول 40 يوماً و42 و45، وأخرى تقول بعد مرور ثلاثة شهور، ولهذا فإن القانون معيب كونه لا يحقق مصالح المواطنين، ولهذا لا بد من مطالبة مجلس النواب بتحقيق مصالح الشعب. ويقول الدكتور سعيد رمضان البوطي في كتابه "مسألة تحديد النسل وقاية وعلاجاً " أن الإجهاض إذا تم قبل التخليق وبرضى من الزوجين وبوسيلة لا تعقب ضرراً على الأم فإنه يعتبر مكروهاً كراهة تنزيه وليس محرماً. ويضيف د. البوطي ” أن الحكم الراجح في مسألة الإجهاض هو جواز إسقاط المرأة حملها إذا لم يكن قد مضى على الحمل أربعون يوما”. خلاصة: إن الإسلام دين يسر، وإن الله تعالى يريد بعباده اليسر ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، لهذا أمر الرسول الكريم الفقهاء وعموم المسلمين (يسّروا ولا تعسروا) وحذرهم من التشدد في الدين ( لا يشاد أحد الدين إلا غلبه). ومادامت ظاهرة الإجهاض السري مقلقة وخطيرة على حياة النساء والأطفال (300 ألف حالة إجهاض سرية سنويا في المغرب، عشرات الآلاف من الأطفال متخلى عنهم في الشوارع، 24 رضيعا يلقون يوميا في القمامات، الظواهر الاجتماعية المترتبة عن منع وتجريم الإجهاض: الانحراف، الدعارة، الانتحار، الإجرام (أثبت دراسة أمريكية أنجزها الأستاذان: Donohue وLevitt سنة 1973،حول أثر إباحة الإجهاض على الجريمة، حيث خلصت الدراسة إلى انخفاض معدل الجريمة بنسبة مهمة في صفوف من بلغوا سن 18 سنة بين 1992 و1995.وأمام هذه الأمراض الاجتماعية والنفسية المترتبة عن تجريم الإجهاض، بات مطلوبا من الفقهاء والمشرّعين تغيير الفتاوى والقوانين التي تحرّم وتجرّم الإجهاض، وذلك بالأخذ برأي جمهور الفقهاء وغالبية الأئمة الذين يجيزون الإجهاض. وكما انفتح المشرع المغربي على المذهب الحنفي في مسألة ولاية المرأة على نفسها في الزواج، يمكنه الانفتاح على آراء الفقهاء والأئمة من باقي المذاهب في إباحة الإجهاض قبل التخلق.