تشهد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بمدينة شفشاون منذ أيام نقاشات موسعة بين مؤيّد ومعارض، سمّيت "حرب الألوان"؛ فهناك من ينتصر للون الأزرق في امتداداته، معتبراً أنّه يليق بكل فضاءات المدينة وأزقتها ودروبها لكونه صار ماركة سياحية مسجّلة، ساهمت في استقطاب زوار المدينة من الداخل والخارج؛ وهناك في المقابل فئة أخرى ترى في اللون الأبيض الممزوج بالقليل من "النيلة الزرقاء" الأصل والصواب، وأنّه يشكّل البُعد الهوياتي منذ سنوات بعيدة، نظراً لما امتاز به من جماليات أندلسية وحضارية بالمدينة. وترى فئة ثالثة أن الهوية البصرية للمدينة لا يمكن اختزالها في اللّونين الأزرق أو الأبيض فقط، بل هناك عدة ألوان تتوقّف على قيمتها التاريخية، ومنها: لون القرميد الأحمر الذي شوّهته أيادي العبث واستغنت عنه، واللّون الترابي في الطابق العلوي من البنايات، والأبيض الممزوج بالقليل من "النيلة" بالواجهات الأرضية، وكذا محيط النوافذ (حسب ما تصله يد المرأة)؛ بالإضافة إلى اللون الأزرق المفتوح بالأبواب، والطلاء الفضي بالشبابيك الحديدية ذات الزخارف المميّزة، مشيرة إلى أن صون التّراث بالمدينة يضمن استمراره. وتجاوز هذا النقاش أسوار المدينة إلى زوار وفعاليات من مدن أخرى مهتمة بشفشاون، أيدت حضور اللون الأزرق، لكن عبر عقلنته وعدم المبالغة فيه حتى لا يصير داكناً ومجرد سواد يحجب رؤية جدران المدينة ليلا أو أثناء سقوط الأمطار التي تزيد من حدّته... كما انبرى بعض المناقشين إلى اعتبار "توفير لقمة الخبز أهمّ من الألوان"، ودعا البعض الآخر إلى الاهتمام بقضايا تنموية تتجاوز الألوان والحسابات والتطاحنات، وتؤكد على ضرورة الاهتمام بالشباب وتشغيله وتفعيل أدواره داخل المجتمع والانكباب على توفير البنيات الأساسية بالمدينة، التي من شأنها تطوير المجالات السياحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بها، وحلّ مشاكل المواطنين وتحقيق انتظاراتهم. وحسب ميثاق الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة لشفشاون، الصادر في نونبر من سنة 2006، عن الوزارة المنتدبة المكلفة بالإسكان والتعمير، فإن شفشاون تحتاج إلى مقاربة خاصة، نظراً للمكانة التي تحتلّها ضمن المنظومة العمرانية؛ ويعتبر اللّون عنصراً هاماً في التركيبة الفنيّة بمجالاتها العتيقة التي تتميّز بالتناسق في الأشكال والألوان، إذ أبانت الدّراسات التي أنجزت سيادة استعمال لون أساسي يميّز نوعين من المواد المستعملة: المواد الظاهرة (الحجر والآجر...)، المواد المغطاة ب"لياسة"، مصبوغة باللون الأبيض أو الأزرق. وبين كل هذا وذاك تبقى المدينة أوّلا وأخيراً في حاجة إلى فتح حوار هادئ بين فعالياتها الجمعوية والثقافية والسياسية والسياحية حول الآفاق والتّطلّعات، ووضع تصوّرات مستقبليّة لحماية مرتكزاتها المعمارية وإرثها الحضاري.